رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ذهب البصر فاعتمد على «البصيرة».. حكاية «عم أحمد» ونصف قرن مع الجريد بالمنيا

فيتو

الخطوط التي حفرت لها مكانًا على قسمات وجهه، تكشف أنه عانى كثيرًا، وعاش كثيرًا أيضا، سنوات مرت عليه، بعضها لم يخلُ من روعة، والبعض الآخر كان أسيرًا للأزمة، غير أنه استطاع المرور منها جميعًا، حاملًا بين ذراعيه – أصابعه تحديدًا- حصيلة سنوات طويلة من العمل، جعلته «فنانًا» بامتياز.


«الساحة المنياوية».. في أحد الأركان يجلس أحمد محمد مهران، المعروف بين زبائنه بلقب «عم أحمد»، ممسكًا بسكين «قطاعة»، يقسم الجريد إلى قطع متساوية يستخدمها في صناعة الأقفاص والكراسي..المهارة التي يمتلكها «عم أحمد» لم تكن الميزة الوحيدة التي منحته الشهرة التي يتمتع بها، ففور الاقتراب خطوات قليلة من المكان الذي يعمل به، ستلحظ أنه يعاني من «فقدان البصر»، وفورًا ستدرك سر اللقب الذي حصل عليه «عم أحمد الكفيف».

وعن حياته، قال «عم أحمد»: «تزوجت وأنجبت 13 طفلا من بينهم 8 بنين و5 بنات، توفي اثنان من البنات وثلاثة من البنين ليتبقى لي 5 أبناء و3 بنات، وزوجتي.. أعيش في منزل لا تتعدى مساحته ثلاثين مترا، أعمل في صناعة الأقفاص من خلال جريد النخل، لم أرث المهنة كالكثير من أقراني، حيث كان والدي أحد أشهر مربي وبائعي الطيور، منذ خمس سنوات فقدت بصري، فلم أستسلم، ومع ضيق ذات اليد وكبر السن استكملت عملي في صناعة الأقفاص وأنا كفيف».
 وأضاف: أعمل في صناعة الأقفاص منذ أكثر من 50 عاما، وتعلمت المهنة وأنا في الثامنة من عمري، فكان والدي يعمل بائع طيور، وكان يحتاج إلى «أقفاص»؛ ففي ذلك الوقت كانت تباع أقفاص الطيور بدون أسطح، فكان والدي يكلفني بعمل أسطح أقفاص الطيور، وبين الحين والآخر كنت أتردد على «ساحة القفاصين»، لكي أتعلم وأحترف تلك المهنة.
 وتابع «عم أحمد»: في العشرينيات من عمري كنت أفضل صنايعي أقفاص في المنيا، فكنت أحول جريد النخيل لأعمال فنية، فكنت أصنع منه الأسرة، وأثاثات المنزل من كراسٍ ومقاعد، كما كنت أصنع من جريد النخل ألعاب الأطفال مثل الأسلحة من مسدسات وبنادق ومدافع، كنت أرسم السعادة على وجوه الأطفال في الأعياد والمواسم، كان أهالي الأطفال يترددون على منزلي دائما لأصنع ألعابًا لأبنائهم.. كنت فنانًا في زماني.

وعن تفاصيل فقدانه البصر، قال: «ذات يوم كنت أعمل وشعرت بعض الشيء بأن عيني اليسرى تعاني من قصور، لم أهتم بالأمر «فلوس الدكاترة كتيرة ومش هخلص معاهم»، على حد تعبيره، ويوم تلو الآخر أصبح الألم في عيني لا يحتمل، الأمر الذي استدعاني للتوجه إلى الطبيب بمساعدة أصحاب الخير، وعقب انتهاء الفحوصات، أكد الطبيب أننى لا بد أن أخضع لعملية «شبكية، ومياه بيضاء»، واللي داخل على قد اللي طالع مش معايا فلوس وأولادي كل واحد فيهم في حاله، حتى انعدمت الرؤية تماما في عيني اليسرى، ومع مرور الوقت ضعفت العين اليمنى، حتى أصبحت ضريرا لا أرى شيئا على الإطلاق».

«مش هشحت الحنية من حد.. مفيش أي دخل.. هوكل نفسي منين»، بتلك العبارات التي لم تخلُ من حزن استكمل عم أحمد، حديثه قائلًا: لم يكن أمامي سبيل سوى أن أعود للعمل مرة أخرى، اعتمادًا على حاسة اللمس، والخبرة، وبالفعل قمت بالعودة إلى عملي كـ «قفاص»، ولكن لست بكامل مهاراتي «المرض عجز»، وكل اللي يشوفنى بشتغل وأنا ضرير يتعجب، خاتمًا حديثه، قائلًا: «الحمد لله».
Advertisements
الجريدة الرسمية