رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تنمو ورود مصر في صحرائها القاحلة؟!


هل هناك أمل؟ سؤال يتكرر باستمرار!، والسائل المتشائم ينتظر أن تقول له "لا أمل" لتنطلق سهامه، تلعن الفساد والجهل والمحسوبية وسوء الاختيار وانعدام الأخلاق!


كنت دائمًا ما أتعجب وأتساءل: كيف تنمو الورود في صحراء مصر القاحلة بقليل من الماء؟ 
تحدٍ يشبه المستحيل. فالشعب المصري كتربة أرضه مخلوق من العناد والصبر، وتحمل قسوة الحياة، فإذا أعطيت له الفرصة نمى وازدهر وبهرك بقدرته. وتربة مصر العنيدة هي شبابها. فما زلت أومن أن شبابنا الحقيقي - وليس شباب التصوير والنفاق من المهد- يستطيع أن يحقق المعجزات إذا أتيحت له الفرصة، وحتى إن لم تتح له سيصنعها بيديه والأمثلة كثيرة.

فبعد أن يئس الشعب من مواصلات آدمية وتركته الدولة فريسة للتوكتوك والميكروباص قام الشباب المثقف الواعي بمشروع أتوبيسات راقية في القاهرة تعرف خط سيره عن طريق التليفون المحمول، وبلا كمسري، به واى فاى، وفي منتهى النظافة وبأجر معقول جدًا، وينافس أرقى مواصلات العالم!

مضافًا لذلك يمكنهم الترخيص باستخدام برنامجهم في بلاد العالم الأخرى.. هذه وردة جميلة في صحراء مصر!

قام شبابنا المجند في الجيش بإنشاء شبكة جديدة من الطرق في فترة وجيزة، وقد سافرت على ثلاثة منها في الصيف الماضى وأنا لا أصدق أننا بمصر! هذه وردة أخرى يانعة في صحراء مصر القاحلة!

زرت جامعة المنصورة التي تخرجت فيها لأجد عميدًا لها ووكلاءه ومجلس كليته مع العديد من الشباب الواعد يسابقون الزمن للنهوض بكليتهم، مع لم شمل القديم والجديد والاستفادة من كل خبرة عالمية رغم الإمكانيات المحدودة!.. وردة أخرى متفتحة في صحراء مصر القاحلة.

رأيت زملائي في مجال علاج أمراض السكر يجوبون أنحاء مصر للتوعية ونشر الثقافة الطبية، وكذلك فعل أطباء علاج أمراض الكلى كمحاولة للقضاء على مرضين فتكا بأجساد المصريين في ظل السبات العميق لوزارة الصحة!.. وردة أخرى عبقة الرائحة في صحراء مصر القاحلة!

وبرغم ابتذال الأغاني والأفلام الهابطة وجدت شبابًا وفرقًا تقدم فنا راقيا وموسيقى عالمية، وكتابًا ناشئين ومغنين بأروع الأصوات على مسارح غاية في البهجة، وبرامجًا غاية في الرقى.. ورودًا أخرى مبهجة تحاول أن تنبت في صحراء مصر القاحلة!!

ذهبت إلى المسرح القومي وإلى المتحف الإسلامي، وأنا لا أصدق أني بمصر، وفي كل منهما شباب مثقف واع ومحترم يعرف رسالته ويخلص في أن تصلك جلية ونقية. المشكلة أننا تعودنا على أن نشم فقط العفن الفعل وننشر السيئ من القول ولا نبحث عن هذه الورود اليانعة ونرعاها ونشجعها ولو معنويًا ونحذو حذوهم!

لو كنت مسئولًا لرويت هذه الورود بتقديري لها، وألقيت الضوء عليها بفخري بها وكرمتها وشجعتها بحبي لبلدي فيها!!.. ستظل الورود البشرية المصرية الشابة تنبت في صحراء مصر القاحلة وسط الفساد والمحسوبية والفشل الإداري والفن الهابط والجهل وانعدام الثقافة.. فأرض مصر الخصبة والعنيدة تعرف كيف تنبت هذه الورود إذا أَعطَيت لها قليلًا من الماء... أقصد الفرصة والأمل!
الجريدة الرسمية