رئيس التحرير
عصام كامل

حديث الإفك.. من الإسرائيليات (3)


في مقالين سابقين قلنا إن حديث الإفك من أهم وأخطر الأحداث التي تركت الإسرائيليات أثرها عليها، ونحن، مع شديد الأسف، صدقنا تلك الروايات، ومضينا نحفظها ونحفظها لأبنائنا، دون تروٍ أو تفكير، أو استشارة المنطق. فالرواية واضحة التلفيق، وجلية الافتراء على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أهله، المطهرين، والثغرات فيها واسعة، سنوضحها بين ثنايا الرواية، ونضع بعضها بين أقواس.


واستعرضنا ما روته كتب الحديث بهذا الشأن، وفندنا متن الحديث، الذي من المؤكد أنه موضوع، وروح الإسرائيليات فيه واضحة جلية، وغرض الطعن في شرف وعرض رسولنا الكريم ظاهر للعيان.

ونقول: إنما الأقرب إلى التصديق أن حادثة الإفك وقعت لبعض أزواج المسلمين، ولم يفصح القرآن الكريم عن اسمها ولا اسم الصحابي، ربما حماية لهما من الفضيحة (!!) فيما وافق المسلمون، قديمًا وحديثًا، على إلصاق التهمة بالنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وزوجه!

وإمعانًا في غموض الرواية يذكر بعض الرواة أن صفوان بن المعطل كان "حصورًا"، ولم يتزوج، فلماذا، وقد شاع ذلك عنه، وعرفه أهل المدينة، يثور الاتهام البشع؟!

ونضيف أن قوله تعالى في سورة النور: "لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا".. فلو كان الأمر متعلقا بالنبي، "صلى الله عليه وآله وسلم" وزوجه لذكر الله أن الظن الخير يكون من النبي وزوجه، أو بالأحرى من الزوج المتهمة زوجته، الذي لا بد أن الشيطان وسوس له ولو لدقيقة بأن المرأة ارتكبت الجريمة بدلا من ظن الكل.

وقوله تعالى في سورة النور: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ"، وقوله "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ"، فالجمل تتحدث عن جمع من النساء المرميات بالزنى، وليس عن امرأة، والمفترض في حالة كونها امرأة واحدة أن يقال: "والذين يرمون محصنة"، أو "إن الذين يرمون المحصنة الغافلة"، فالرمى لا يكون جماعيا ما لم يُنص على هذا فإنما تُتَّهم الواحدة، ومن النادر اتهام جمع من النساء.

وقوله تعالى في سورة النور: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا"، فشيوع الفاحشة في المجتمع لا يتعلق بامرأة واحدة فالشيوع يتطلب وجود كثيرات؛ فامرأة واحدة مهما كانت لا تملك أن تشيع الفاحشة في مجتمع.

أما قوله تعالى في سورة الأحزاب" "وقرن في بيوتكن"، فالأمر هو لنساء النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثَمَّ فهنَّ لم يكُنَّ يخرجنَ في عمليات الجهاد لأن الأمر صدر لهن بالبقاء في بيوت الزوجية.

وأخيرًا؛ ما الذي يفيد المسلمين من القدح في سيرة رسولهم، صلى الله عليه وآله وسلم؟! أليس ذلك يسعد أعداء الدين، وكارهي النبي، وصحابته، وأهل بيته؟! ألا يتغنى مبغضو سيدنا أبي بكر، وابنته السيدة عائشة، رضوان الله عليهما، بتلك الواقعة الوهمية؟!

الحل، في نظري، محو ما بثته كتب التفاسير، والحديث من ذكر أسباب نزول سورة "النور" تمامًا، وإن استطاع علماؤنا فليبحثوا عن أسباب أخرى منطقية لنزول السورة الكريمة.
الجريدة الرسمية