رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

د. أحمد يوسف: رصيد عبد الناصر لا يزال ثريًا وملهمًا رغم مرور 48 عاما على رحيله

فيتو



  • عفة لسان مبارك ساعدت في عودة العلاقات العربية إلى مصر 
  • مصر كانت في الستينيات تقود وكلمتها مسموعة ولم تعد مصر تأمر فتطاع
  • - نكسة 67 هزيمة بكل المقاييس.. وملحمة أكتوبر لا تُنسى
  • - مارست الرياضة.. وأصدرت مجلة «اللواء السابع» مع شهيب وحرب وعثمان
  • - الجامعة العربية انعكاس لحال الدول.. وقانونها يجعلها تابعة للحكومات
  • - منظمة الشباب تجربة وطنية لا يمكن استنساخها الآن
  • القطاع العام هو حصيلة نضال وكفاح الشعب المصرى في عقود طويلة 
  • الخصخصة انعكاس لجزء من النفوذ الأمريكي في مصر
  • - الراحل بطرس غالي كان يؤمن بأن الدائرة الأفريقية هي الأولى للسياسة المصرية وليست الدائرة العربية
  • - أعتز بتجربة يوليو ولكن التنظيم الواحد جعلها تسير بساق واحدة
  • -الفلسطينيون أشد الناس رفضًا للمصالحة.. وجميع الأطراف مستفيدة من الأوضاع الحالية
  • - أعشق "محمد صلاح" عشقي لـ "أم كلثوم"


أجرى الحوار: محمد نوار
تصوير: وئام مصطفى


عندما تجلس في مواجهة شيخ أساتذة العلوم السياسية الأستاذ الدكتور أحمد يوسف أحمد، ما عليك إلا أن تسمع وتستمتع وأيضا، لأنه سوف يُحدث في عقلك حالة من النشاط والحيوية وربما الاندهاش من خلال التحليل والقراءة العلمية بكل هدوء والمعلومات الهائلة، استمتعت بحوار طويل وممتع معه، وتمنيت ألا ينتهي.. لأنه بمثابة شهادة للتاريخ منذ ثورة 52 مرورا بفترات حكم الرؤساء جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات، ومحمد حسني مبارك، الذي قال بحقه كلاما إيجابيا ومهما، مرورا بفترة حكم المعزول محمد مرسي وجماعته، وصولا إلى فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.. التفاصيل في نص الحوار التالي:


هنا.. "شبرا"
يرجع أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد يوسف أحمد بالذاكرة إلى الخلف، نحو أكثر من 7 عقود كاملة، حيث البدايات الأولى، موضحا أنه أبصر النور في منتصف أبريل من العام 1947، وتحديدا في حي روض الفرج بشبرا مصر، أحد أهم أحياء القاهرة، وأهم مناطقها الشعبية التي تتجلى فيها الروح المصرية بكل معانيها، والتي أسهمت بحظ وافر في تشكيل ملامح شخصية ضيفنا الكريم.

ويضيف د. أحمد يوسف أحمد: من لا يعيش في شبرا مصر فإنه ينقصه شيء ثمين، في شبرا كل شىء بالنصف، مكتبات أصحابها مسيحيين، وأخرى يملكها مسلمون، محال البقالة.. إلخ وأذكر هنا أن والدي لم يقل لي مرة لا تشتري من هذا أو ذاك، اذهب المكتبة الأفضل، وكان كثيرا ما يكون صاحبها المسيحي، أستاذي في اللغة العربية في مدرسة شبرا الإعدادية الأستاذ صلاح الدين عفيفي، وكان شيخا معمما، كانت علاقته بزملائه المسيحيين على أعلى مستوى من الرقي والمحبة بدون تفرقة، أو أي أدنى مظاهر للتفرقة، وما زلت أذكر سؤال ما هو دينك!؟ كان سؤالا مطروحا في أي وقت من الأوقات في حياتنا اليومية أو في اختيار الأصدقاء أو تقييم المدرسين أو في أي تعاملات تجارية، الأكثر من هذا ما زلت أذكر خياطة الأسرة المسيحية، عندما كانت تواظب على أن تأتي في الأعياد وهي تقدم لنا الكعك وكانت والدتي وأخواتي البنات حريصات على نفس الأمر معها، إنها صورة لمن لا يعرفها لا يعرف مصر...أيام جميلة عشتها محفورة في الوجدان والذاكرة.
.......................
كراهية الطب
- قضيت عمري الدراسي حتى نهاية الجامعة في شبرا، وكنا في زمن المتفوق يذهب إلى أحد الكليتين الطب أو الهندسة، كنت من هؤلاء المتفوقين، ولكن أحمد الله اننى اكتشفت إمكانياتي الأكبر، أتمنى جدا الالتحاق بالطب، ولكن هناك سببين لابتعادي عنها الأول هو طول الدراسة فيها وهو أمر أزعجني، الأمر الثاني هو أنني كنت أشاهد أختي التي تكبرني بنحو عقد من الزمن وكانت تدرس الطب وشاهدت الجمجمة والتشريح.. إلخ، لذلك لم أكن متأكدا من تعاملي مع المرض والمرضى والتشريح، وفي نفس الوقت شعرت باهتمامي بالسياسة، خاصة عندما قامت ثورة 23 يوليو، شاهدت أحداثا جساما، في عمر السبع سنوات 54 كان الصدام مع الإخوان المسلمين واتفاقية الجلاء، وفي عام 56 وعمر التسع سنوات كان العدوان الثلاثي، في عام 58 وعمري إحدى عشر سنة حدث الوحدة بين مصر وسوريا، وحدث الانفصال في 62 وكان عمري خمسة عشر سنة، طفولتي كانت مشبعة بكل هذه الأحداث التي رسخت الاهتمام بالشأن العام، أحداث العدوان الثلاثي 56 مازلت أذكرها تماما، الغارات البريطانية، وكنا على سطوح المنزل نراقبها، وكنا نعتقد أنها فوق رأسنا والطيار يرانا، عشت حرب 67 وعمري عشرين عاما، ونحفظ كل تفاصيلها، وأذكر وأنا في مدرسة التوفيقية الثانوية تم لقاء مشترك مع مدرسة المتفوقين بعين شمس، وكان ناظرها اسمه أحمد يوسف أيضا لهذا لا أنساه، طلب مني أقدم عرضا عن الميثاق الوطني، فوجئت أنه قال كلاما طيبا عن ما قدمته وتنبأ لي بمستقبل سياسي طيب..! مؤكدا أن هناك استعدادا ذاتيا، بالإضافة إلى هذه الفترة غير عادية سياسيا وهزت المجتمع، من قيام ثورة وتوابعها ونكسة 67، وحرب الاستنزاف..حرب أكتوبر..إلخ، لقد عشنا فترة مليئة بالتفاعلات السياسية التي هزت الوجدان هزا شديدا..!
..........
في الجامعة كانت لنا ذكريات
من مرحلة الطفولة إلى جامعة القاهرة، حيث كان يدرس العلوم السياسية، تذكر "يوسف" ذكريات وحكايات كثيرة، لكنه توقف عند الصحبة ومجلة الجامعة وبداية تشكيل الوعي السياسي، حيث قال: "كنت أمارس الرياضة، ومع انطلاق المرحلة الجامعية، أصدرت مع رئيس مجلس إدارة دار الهلال السابق عبد القادر شهيب، والرئيس السابق لمجلة السياسة الدولية والمنظر السياسي الكبير الدكتور أسامة الغزالي، ووزير التخطيط الأسبق الدكتور عثمان محمد عثمان، مجلة «اللواء السابع»، ويرجع الاسم، لأننا كنا الدفعة السابعة في الكلية"، مضيفا: "كنا ننشر موضوعات شديدة التنوع، ومتنوعة الاتجاهات، فكان هناك من يركز على التيار القومي العربي، وهناك من يركز على التيار الاشتراكي، وهناك من كان يميل للإخوان بالرغم من الصدام الذي حدث معهم، وكنا نتفاعل بكل الحرية والديمقراطية والاحترام".

منظمة الشباب
من المرحلة الجامعية بتفاعلاتها إلى تجربة "منظمة الشباب"، التي أسهب "يوسف" في الحديث عنها، حيث وصفها بأنها "كانت تجربة مُخلصة، لتكوين جيل جديد قادر على خدمة وطنه".
يتوقف أستاذ العلوم السياسية قليلا، ثم يكمل: "البعض يزعم أنها كانت منظمة أمنية، تكتب التقارير الأمنية، ولكني أجزم بأن هذا الكلام فارغ وعارٍ تمامًا عن الصحة"، قيل أن يستدرك: "لا أنكر أن بعض العناصر الانتهازية الموجودة في كل زمان تحاول التقرب للسلطات، ولكن المؤكد أنه لا يمكن استنساخ هذه التجربة، في السياسة لا يمكن استنساخ شىء ولكن يبقى الدرس منها وضرورة الاهتمام بالشباب من منظور وطني".


زمن عبد الناصر
تحدث "يوسف" خلال الحوار بإسهاب شديد عن عصر الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" قائلًا: "نعم.. ثورة يوليو انتهت في 28 سبتمبر 1970 يوم رحيل الزعيم جمال عبد الناصر كسياسات دولة، ولكن كآثار لا.. الرئيس السادات تبني سياسات واضحة لا تتفق مع سياسات ثورة يوليو في ظل وجود الرئيس جمال عبد الناصر، أبرزها الخصخصة وبيع القطاع العام لم تكن من سياسات يوليو، القطاع العام كان له مشاكله وأمراضه وكان لابد من علاجها، وحتى الآن نتكلم عن الجرائم التي ارتكبت في بيع القطاع العام والمصانع، وبالرغم كل محاولات إنهاء كل ما له علاقة بثورة يوليو من الاهتمام بالفلاحين والطبقة المتوسطة فلم يفلحوا بالرغم من رحيله منذ 48 عاما، رصيد عبدالناصر العربي أو الأفريقي لا يزال ثريًا وغنيًا وملهمًا".

أفريقيا العمق الاستراتيجي
يتابع "يوسف": "لو أنك من خصوم عبد الناصر عليك أن تسلم بأنه كان ذا رؤية ثاقبة، تختلف معها حقك، ولكنه كان يرى أن أفريقيا هي العمق الاستراتيجي لمصر، وهذا الإيمان بأهمية أفريقيا لم يكن عند من أعقبوه، في عهد عبد الناصر كسبت مصر أفريقيا من خلال دعم حركات التحرر الوطني للشعوب الأفريقية، نيلسون مانديلا المناضل العظيم الذي احتفلنا بمئوية ميلاده من أيام، كان يأتي مصر ليحاول مقابلة عبد الناصر، ولكن لم تسمح الظروف، أما في عصر السادات ومبارك، فقد ساق القدر لمصر رجلا يعشق أفريقيا بدون قصد، وهو الراحل الدكتور بطرس غالي الذي كان يؤمن بأن الدائرة الأفريقية هي الأولى للسياسة المصرية وليست الدائرة العربية، وبذل جهدا خرافيا في أفريقيا وأصبح له علاقات وطيدة مع قادة ورؤساء هذه الدول وليس نظراءه، وللأسف اختفى هذا الدور تمامًا وأصبح الملف الأفريقي في يد وكيل وزارة".

كارثة بكل المعايير
عاصر "يوسف" -بطبيعة الحال- نكسة 1967 بكل تفاصيلها وتداعياتها، فقد كان في عنفوانه، حيث وصفها بأنها "كانت كارثة بكل المعايير"، مضيفًا: "أريد أن أؤكد أنني أعتز بالتجربة الوطنية قبل 67، فقد كانت تجربة تنمية شاملة، ثقافية..اقتصادية، ولكن عيبها الأساسي أن ساقها السياسية لم تكن قوية وربما لم تكن موجودة، التنظيم الواحد الذي قامت عليه ثورة يوليو كان يعاني من عيوب عديدة، ولكنها في المجمل كانت تجربة وطنية لها أبعادها التنموية وأبعادها الثقافية، ودورها تجاوز الدور الإقليمي، ريادة العالم العربي، أفريقيا، قيادة حركة عدم الانحياز وهي تجربة رائدة، ثم جاءت هزيمة 67 لتكشف عيوبا جسيمة فيها".
بخليط من المشاعر المتضاربة عن النكسة، أردف قائلًا: "ما زلت أذكر في أيام الهزيمة، ونحن نقف في الشارع ضمن المتطوعين في الدفاع المدني، حضرت يومي 9 و10 يونيو في الشارع ولحظات ولادتها، والأثر لا تتخيله كنت وقتها أشعر بأن كل شيء انتهى ولن تقوم لنا قائمة مرة أخرى، ولكن الجهد المخلص الذي بذل بعد الهزيمة بأيام، وأسابيع، وشهور أعاد لي الثقة في أننا يمكن أن نفعل شيئا".
"يوسف" تابع: "بعد الهزيمة بأسابيع، اندلعت معركة "رأس العش"، ثم غارات الطيران على تجمعات العدو في سيناء، وفي أكتوبر 67 تم إغراق إيلات أكبر مدمرات العدو، ثم حرب الاستنزاف والعمليات الجسورة للبحرية وتدمير ميناء إيلات، وحرب الاستنزاف عامة ناجحة، انتهاء بحرب أكتوبر المجيدة".
استطرد "يوسف" قائلًا: "بالتأكيد ستبقى هزيمة 67 بدلالاتها ودروسها ولكن أثبت الشعب المصرى على أنه قادر على تجاوزها بالجهد الذي بذل في إعادة البناء العسكري وفي الارتقاء بالمستوى الذي وصلت إليه القوات المسلحة المصرية، مما جعلها تخوض حرب أكتوبر 73 وتحقق فيها انتصارا تاريخيا على كل المقاييس العسكرية"، مضيفًا: "أعتقد أن الانتصار كان كافيًا ليعيد الثقة إلى نفس كل مصري، نعم الهزيمة في 67 كانت قاسية، ولكن المهم أننا تخلصنا من آثارها العسكرية بهذا الجهد والانتصار العظيم، ولكن مازلنا لم نعالج الشق السياسي، فما تزال الحياة السياسية ضعيفة، وهو العيب الأساسي في تجربة يوليو، لم يكن هناك حياة سياسية فيها تنوع وممارسة المعارضة والنقد الذاتي.. إلخ وحتى الآن أستطيع أن أؤكد أننا لم نتجاوز هذا الضعف".
يلتقط "يوسف" أنفاسه ثم يكمل: "هذه حقيقة تاريخية، وفي فترات الازدهار لمصر دور خارج الحدود، وإذا كان هناك "عبد الناصر"، فإنه كان هناك أيضًا "محمد علي" وكلاهما حاول أن يكون له دور إقليمي، أنا من الذين يقولون إن مصر بدون عمقها العربي وعمقها الأفريقي ستخسر كثيرا، وإذا لم تخرج خارج حدودها لكي تؤثر في محيطها الإقليمي، فإن هناك من سيطرق بابها ويتدخل في شئونها ويحاول تطويقها وتطويعها ليسخرها لخدمة أغراضه".

التوظيف السياسي لنصر أكتوبر
يتوقف "يوسف" مليًا عند انتصارات أكتوبر، لكن يرى أن المشكلة بدأت من التوظيف السياسي لهذا الإنجاز، مضيفًا: من المعروف والثابت من تصريحات السادات نفسه، أنه كان يريد حربا تحرك المسار التفاوضي، وهذا تفكير سياسي سليم، ولكن إسرائيل كانت مستريحة من الوضع قبل الحرب، وقد نجح السادات في هذا، وبالرغم من حدوث الثغرة إلا أن ما حدث كان إنجازا بكل المقاييس، الذي كان يحرك السادات كيفية استثمار هذا الانتصار، ويبدو أنه رأى لا طريق إلا ما قرره، فأعلن مبادرته الشهيرة وحدث ما حدث من انقسام شديد في المواقف المصرية العربية حول التسوية"!
وأردف "يوسف": "نعم.. كان من الممكن توظيف انتصار أكتوبر بطريقة أفضل، ولكن المبدأ العام كان سليما، التفاوض من موقع القوة، وتتفاوض من منطلق ثوابت، وللعلم أول من قبل التسوية السلمية الزعيم جمال عبد الناصر بقبوله قرار424 لمجلس الأمن في نوفمبر 67، وهذا القرار يتضمن أمرين: عدم اكتساب الأراضي بالقوة المسلحة وبالتالي يترتب عليه انسحاب إسرائيل لحدود 4 يونيو، وحق جميع دول المنطقة في العيش بأمان، ومن منظور مجلس الأمن إسرائيل دولة أصيلة، الثمن الذي دفعته مصر في المفاوضات لاسترداد سيناء أكبر بكثير من الثمن الذي كان ممكن دفعه"!

الجامعة العربية.. أرادوها ضعيفة
باعتباره أستاذا للعلوم السياسية، فإن حوارًا مع الدكتور "أحمد يوسف" لن يخلو من العروج على جامعة الدول العربية، التي يراها الكثيرون بلا قيمة أو جدوى، ولكن لضيفنا الكريم رأيًا آخر، حيث قال: مؤتمر القمة في الخرطوم بعد نكسة 67 هو من أنجح المؤتمرات القمة العربية،لأنها أوجدت منهجا ملائما لمواجهة كارثة الهزيمة في 67، لأنها وضعت أسس الحركة السياسية للعرب" لا صلح.. لا تفاوض.. لا اعتراف" الأهم من هذا أنها دعمت دول المواجهة من دول الكويت والسعودية والمملكة الليبية، لا شك هذا لعب دورا مهما في تسهيل إعادة البناء العسكري، من أسباب هذا النجاح، كان هناك مفهوما موحدا للأمن القومي العربي، وإن الخطر الأول على هذا الأمن العربي هو الخطر الإسرائيلي، ونود أن نذكر هنا أن قبل نكسة 67 كانت العلاقات المصرية السعودية في أسوأ مراحلها، وإن هناك صداما عسكريا في اليمن وإن كان بشكل غير مباشر، ولكنه كان صداما حقيقيا، ولكن الهزيمة في 67 جاءت بخصوم الأمس يجتمعون ويصفون خلافاتهم ويحددون هدفهم بأن العدو، وأن التهديد الأول يأتي من إسرائيل... ولكن لو نظرنا اليوم فإن العدو لم يعد متفق عليه بين العرب.
ثانيا أيضا متفق معك أن فاعلية الجامعة العربية قلت وضعفت ولكن أرى أنها مظلومة، لأن مؤسسوها أردوا لها أن تكون جامعة للحكومات وليس أعلى منها، في الاتحاد الأوروبي لا تستطيع دولة مخالفة السياسة الزراعية التي يقرها الاتحاد، أو السياسة الجمركية، لو نظرنا إلى ميثاق الجامعة العربية سنجد نصا أن قرارات الجامعة بأغلبية الأصوات، ولكنها لا تلزم إلا من وافق عليها، وهو نص غريب وبالتالي عندما ضم الملك عبد الله الضفة الغربية للأردن في عام 1950، رفض القرار جميع الدول الأعضاء،ولكن وزير الخارجية الأردني أعلن أن القرار غير ملزم، تطبيقا للنص الغريب السابق.
وأيضا في الحرب المغربية الجزائرية صدر قرار بعودة انسحاب القوات، اعترض وزير الخارجية المغربي لأن القرار غير ملزم لهم لأنه لم يوافق عليه، بنية الجامعة بنية حكومات، وبالتالي عندما كان هناك توافق بين الحكومات تكون قرارات الجامعة قوية وشديدة الفاعلية، وأذكر هنا في عام 1961 عندما هددت القوات العراقية بدخول الكويت، وفشل مجلس الأمن في إيجاد حل لهذا التهديد وأصدر قرارا بإحالة المشكلة إلى المنظمة الإقليمية المختصة، وكانت الجامعة العربية، ونجحت الجامعة بالرغم من الخلافات المصرية السعودية إلا أنه كان هناك إجماع على احترام السلامة الإقليمية لكافة حدود الدول، اجتمع مجلس الجامعة وقرر أولا الموافقة على استقلال دولة الكويت، وذلك ردا على إعلان عبد الكريم قاسم الرئيس العراقي على أن الكويت جزء من العراق ولابد أن تعود للدولة الأم، ولكن مجلس الجامعة رفض ذلك، وأعطى الحرية للكويت بعد إعلان استقلالها الاختيار بأن تتحد مع العراق أو مع السعودية أو تبقى مستقلة كما ترى مصلحتها، ثانيا طلبت من أمير الكويت أن يطلب من إنجلترا سحب قواتها التي جاءت للحماية من أي عدوان عراقي محتمل، ثالثا تكوين قوة حفظ سلام عربية لمواجهة أي عدوان عراقي محتمل، ونفذ القرار تماما وخرجنا من الأزمة سالمين، لو قارنا هذا بما حدث في عام 1990 كارثة غزو الكويت، لم يكن ممكنا فعل نفس الشيء، فلم يكن هناك توافق عربي كما كان، وعلينا نذكر أن مصر في الستينات تقود وكلمتها مسموعة، أما في أوائل التسعينات كانت موازين القوى مختلفة، ولم تعد مصر تأمر فتطاع.
......
الآن الجامعة العربية ليس هناك توافق بين أعضائها، مثلا الصراع السوري، هناك دول بذلت الغالي والنفيس من أجل إسقاط نظام بشار الأسد، وهناك دول تؤيد هذا النظام، وهناك دول مثل مصر كانت تقول الأولوية للحفاظ على كيان الدولة السورية الوطنية، الأغلبية ذهبت إلى أن النظام السوري لم يعد يمثل سوريا واستبعدت من الجامعة، وأرى أنه كان خطأ كبيرا بغض النظر عن طبيعة النظام الذي لا يزال ممثلا في الأمم المتحدة، لو أن النظام السوري بقى ممثلا لها في الجامعة لأمكن الضغط عليه من خلال الأمم المتحدة، وللأسف الجامعة العربية طلبت ووافقت على التدخل الأجنبي أو الناتو في ليبيا، ومن أيام تطلب حكومة التوافق مرة أخرى نفس الأمر، وإذا كانت حكومة التوافق غير قادرة على حماية نفسها، واعتمادها على التنظيمات لحمايتها، الآن الجامعة العربية هي مرآة لحالة وواقع الدول العربية إذا صحت العلاقات صحت الجامعة العربية.
تصرف أحمق من صدام حسين
ويعود د. أحمد يوسف بذاكرته إلى عام 1990 ويقول: علينا أن نتفق على أن غزو العراق كان تصرفا أحمق من صدام حسين، ومصر عندما تجد قوة إقليمية ستهيمن على الوطن العربي، لابد لها من موقف، لأن هذا سيكون ضد مصالحك، العراق كان القوة الإقليمية الأولى، ليس في العالم العربي فقط بل الشرق الأوسط، وصدام حسين لو أفلت بالكويت، فلن تستطيع قوة تقف أمامه، سيكون قد وضع يده على بترول الكويت، وبترول السعودية تحت رحمته، من هنا كان تحرك مصر ضد صدام حسين كانت أسبابه معروفة لدى المراقبين، أنا لم أكن أحب أن يحدث غزو الكويت، ولم أكن أحب تدخل الأمريكان، ولكن هناك أشياء فرضت عليك!
نعلم أن صدام خرج من الحرب العراقية الإيرانية قوة عسكرية عربية لا تقهر، أثناء الحرب كان قوام جيشه اثنين مليون، جيش يحارب 8 سنوات لديه خبرة عملية، تكنولوجيا متقدمة، لم يكن ممكن إخراجه من الكويت بالقوة العربية، جيش مصر كان 400 ألف فقط وسوريا أقل وفي الحرب مصر أرسلت 50 ألفا فقط وسوريا 30 ألفا، للأسف الذي أوقعنا في هذه الكارثة هو صدام حسين ولم يكن أمام مصر موقف آخر.

محاولة اغتيال مبارك
يتوقف "يوسف" قليلا عند المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس الأسبق "حسني مبارك"، لأنها – بوجهة نظره- كانت دالة وكاشفة وتعكس الحالة المصرية الأفريقية، حيث أوضح قائلا: "شعر الأفارقة بتضاؤل الاهتمام بهم، وجاءت حادثة الاعتداء على موكب الرئيس مبارك في إثيوبيا 96 لتصبح القطيعة نهائية، بعدها لم يحضر مبارك أي مؤتمرات قمة أفريقية باستثناء مؤتمر عقد في سرت بليبيا وذهب وألقى كلمته وعاد مباشرة للقاهرة، ويلاحظ أن جميع المناصب الدولية التي دخلت مصر للمنافسة عليها، لم تحصل عليها، لأن أفريقيا اعتبرت مصر خرجت من الإطار الأفريقي، ولكن هذا الوضع اختلف حاليا مع الرئيس السيسي جذريا، هناك إحساس بأهمية أفريقيا.
الحديث عن محاولة اغتيال "مبارك" كان دافعا لأن يتحدث عن زمن الرئيس الأسبق الذي أسقطته ثورة 25 يناير، حيث قال: "كنت متفائلا جدا بتولي الرئيس الأسبق حسني مبارك الحكم، بسبب بدايته الطيبة، تولى الحكم بعد فترة شديدة الاحتقان السياسي على كافة المستويات، علاقات مصر بالدول العربية محتقنة، السادات عادى كل القوى السياسية..إلخ، وبالتالي ما زلت أذكر أول قراراته هو الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وأظهر تفهما شديدا معهم، كان هذا مصدر التفاؤل بالنسبة لي"، مضيفًا: مبارك ورث علاقات مصرية عربية في منتهى السوء، مقطوعة بالكامل، والخلافات كانت جزءا منها الحملات الإعلامية، ولكن مبارك "عقلا" سياسة السادات، وكلنا نتذكر أن السادات اتفق ووقع على اتفاقيتي كامب ديفيد، وهي ليست اتفاقية واحدة كما يعتقد البعض، الأولى الخاصة بمصر والسادات يملك حق التفاوض والاتفاق عليها بحكم أنه رئيس مصر، الثانية اتفاقية تحدد إطار السلام في الشرق الأوسط، ولكن لم يفوضه أحد من الدول العربية، ولقد فعل السادات هذا لحفظ ماء وجهه أمام الجميع، الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين في كتابه "حواراتي مع السادات"، السادات أكد له أنه سيعيد كل الأراضي المحتلة وسأعيد الجولان لحافظ الأسد وسأفرض عليه الجزية! إلى هذا الحد كان السادات واثقا من النتائج التي سيصل إليها مع إسرائيل، ولكن جاءت الاتفاقيتان لتشعلا الوطن العربي ضده ومصر وسياسة السادات، وأعتقد أن الدول العربية لم تحسن إدارة الأزمة، الشىء الإيجابي ويحسب لمبارك، أنه أوقف أي هجوم إعلامي لفظي على الحكام العرب، وبسبب هذا وعفة اللسان التي تحدث بها مبارك ساعدت وساهم ذلك في عودة العلاقات العربية إلى مصر".

الحرب العراقية الإيرانية
محطة أخرى مهمة يتوقف "يوسف" عندها وهي الحرب العراقية الإيرانية لما كان لها من صدى واسع في زمنها، حيث قال شيخ أساتذة العلوم السياسية: "أفرزت الحرب العراقية الإيرانية، نتائج مثيرة، صبت في صالح عودة العلاقات المصرية العربية، لأن صدام حسين افتقد مصادر السلاح وقطع الغيار، وكانت الثورة الإيرانية تعتمد في تسليحها على علاقتها القوية بالاتحاد السوفييتي بل كان المصدر الرئيسي لذلك، وبالرغم أن صدام حسين كانت يتزعم ما سمي بجبهة الصمود والتصدي بعد اتفاقيتي كامب ديفيد إلا أنه لجأ إلى مصر لأنها لديها صناعات أسلحة معتبرة، فلم تبخل عليه، فتغيرت مواقف الدول المقاطعة لمصر وعادت تباعا".
وتابع: "مبارك له الفضل في عودة العلاقات العربية المصرية، في المقابل دور مصر عربيا كان تابعا، مصر لم يكن لها مبادرة في السياسة العربية في الثلاثين عاما، بالإضافة إلى ضياع الدور الأفريقي".
لا يزال "يوسف" يتحدث عن "مبارك" قائلًا: "داخليا، استمر الضعف المزمن في البنية السياسية، بل لا يوجد أي بنية سياسية صحية، يذكر لمبارك أمران، الأول: أنه جرب أن تجرى انتخابات حرة التي حصل فيها الإخوان على 88 مقعدا في مجلس الشعب، فتوقفت بعد المرحلة الأولى، وهذا انعكاس على ضعف البنية السياسية، الأمر الثاني أنه أعطى حرية إعلامية غير مسبوقة.
أما الجريمة التي لا يمكن التسامح فيها - بنظر "يوسف"- فهي بيع القطاع العام، بأسلوب النهب والسرقة، القطاع العام هو حصيلة نضال وكفاح الشعب المصري في عقود طويلة، مضيفًا: أرى في الخصخصة انعكاسا لجزء من النفوذ الأمريكي في مصر، وختم حياته السياسية بكارثة أخرى وهو تمازج الثروة والسلطة مما أدى إلى سقوط السلطة وفسادها، وآخر التتمة التوريث.

زمن الإخوان
وعن زمن حكم الإخوان.. قال "يوسف": "عندما فاز محمد مرسي، قلت نحن على أعتاب ديمقراطية جديدة وهؤلاء الإخوان منذ عشرات السنين يحاولون الوصول للسلطة، فلنجرب ونحترم التجربة واختيار الصندوق، ذهلت من عدم الكفاءة في الحكم، ذهلت من طابع الميلشيات في الحكم، بل إنهم لا يعرفون شيئا مطلقا عنه، والحقيقة أنني لم أصدق أننا استطعنا نزعهم من الحكم، فهذا يعد إعجازا.

وأخيرًا.. السيسي
ويختتم "يوسف" الحوار بالحديث عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدًا أن هناك تشابهًا حقيقيا بين عبد الناصر والسيسي، ولكن الظروف مختلفة، التشابه في اللعب دور عربي، ودور أفريقي، الكرامة الوطنية وإعلاء قيمة الوطن، أعتقد أن الرئيس السيسي جيد في سياسته الخارجية، وعلى النحو الداخلي معجب جدا بالمشاريع الكبرى التي تقام، ولكن نختلف في الأولويات، ولكن يؤخذ على النظام الحالي الشق السياسي ولا تزال مصر تعاني من ضعف البنية السياسية.

تركيا والإخوان
يقفز "يوسف" إلى الملف التركي بتفاعلاته وتراكماته، مؤكدًا أن تركيا هي التي تتخذ موقفا غريبا من مصر، ترعى الإخوان المسلمين، لا ترعاهم فقط بل تصدر تصريحات على مصر وقيادتها في منتهى البذاءة، تركيا هي التي بادرت مصر بالعداء، ومع هذا لو أن هناك بادرة مصالحة حقيقية من أردوغان، ستكون الاستجابة من مصر جيدة.
وبالنسبة لإيران، يجزم "يوسف" بأنها تتمنى تحسن علاقتها مع مصر، ولكنها خطوة مكلفة جدا، لأن أكبر تحالفات مصر مع السعودية والإمارات، ولا يمكن لمصر أن تنحو نحوا مضادا مع نهج هاتين الدولتين، ولكن يمكن لمصر أن تلعب دور الوسيط لتهدئة العلاقات مع إيران، لأن المواجهة مع إيران ستضر الجميع.

المصالحة الفلسطينية
وبشأن القضية الفلسطينية، يقول "يوسف" إن القاهرة قدمت أقصى ما في وسعها،لإتمام المصالحة بين السلطة وحماس، المصالحة لن تتم لأن هناك من الجانبين مستفيدين من الوضع الحالي، حماس يراودها حلم الدويلة المستقلة في غزة، السلطة مستفيدة من الوضع الراهن، بالتالي الإخفاق في المصالحة ليس مسئولية مصرية، ولكنها مسئولية فلسطينية في الأساس، بالمناسبة صفقة القرن سذاجة أمريكية تساوي على الواقع الوهم، لو حدث وأعلن ترامب ما يدعيه، سيكون ساذجا بالرغم من مرور ما يقرب من عامين على حكمه، فإنني أتوقع أن يكون هناك ما سيثير حفيظة إسرائيل، في مقابل ما أعلنه لهم في قضية القدس ونقل السفارة الأمريكية.

مشكلة انفصال الأكراد
الحقيقة فوجئت باجتياز العراق مشكلة انفصال الأكراد بسلاسة غير متوقعة، وأصبح الأكراد جاهزين لإقامة فيدرالية بديمقراطية حقيقية، لأن الأكراد أدركوا أن حلم إقامة دولة بعيد وربما يحتاج إلى قرون، مشكلة العراق الحالية ويهددها هو طائفية الحكم، حتى ما يحدث لا يرضي الشيعة أنفسهم، وما يحدث في البصرة شديد الأهمية والخطورة، هذا النظام البغيض فشل في إرضاء الشيعة الذي ينتمي لهم، الحل الوحيد ظهور بديل وطني يجمع الشيعة والسنة ومعهم الأكراد لإنقاذ العراق، وهذه عملية في غاية الصعوبة ولكن لن أفقد تفاؤلي.

مساندة الفريق شفيق
كنت من وقفت مع الفريق أحمد شفيق وكان هذا عكس كل الثوار، وعندما فاز محمد مرسي، قلت نحن على أعتاب ديمقراطية جديدة وهؤلاء الإخوان منذ عشرات السنين يحاولون الوصول للسلطة، فلنجرب ونحترم التجربة واختيار الصندوق، ذهلت من عدم الكفاءة في الحكم، ذهلت من الطابع الميلشيات في الحكم، وبدأت الأمور تتضح بأنهم غير جاهزين للحكم، غير فاهمين شيء، بل أنهم لا يعرفون شيئا مطلقا عنه، والحقيقة أنني لم أصدق ما حدث وأننا استطعنا نزعهم من الحكم، فهذا يعد إعجازا، وكما قال الرئيس السيسي، إنهم كانوا يعدون العدة للحكم خمسمئة سنة.

ومن فلسطين إلى سوريا.. يتوقع "يوسف" أن سوريا ستعود إلى بر الأمان، مضيفًا: "مع اختلافي مع النظام السوري، إلا أنه أظهر صلابة وتمسكا بوحدة الدولة السورية وعقد تحالفات فاعلة، مع روسيا وإيران وبالتبعية مع حزب الله، النفوذ الأمريكي لا يعنيني وسيزول، النفوذ التركي سيزول ما إذا اتفقت سوريا مع الأكراد الذين يعتبرون المبرر لدى الأمريكان والأتراك للاستمرار، المشكلة الأكبر هي التخلص من الوجود الإيراني، وهذا سيطول بعض الوقت".
وبخصوص العراق يرى "يوسف" أن أزمة العراق الحالية تكمن في طائفية الحكم، مضيفا: "ما يحدث حاليًا لا يرضي الشيعة أنفسهم، وما يحدث في البصرة شديد الأهمية والخطورة، الحل الوحيد ظهور بديل وطني يجمع الشيعة والسنة ومعهم الأكراد لإنقاذ العراق".

مو- صلاح
وبعيدًا عن التاريخ والسياسة.. قال "يوسف" إنه يعشق محمد صلاح، باعتباره النموذج للمصري الخلوق، المكافح.. لأول مرة يكون في تاريخ مصر، لاعب يصبح واحدا من أفضل ثلاثة على العالم، هداف أقوى دوري في العالم، نال كأس أحسن هدف في العالم.. وعشقي له يشبه عشقي لأم كلثوم رحمها الله!
كما أعشق الفنان أحمد الحداد خاصة في دوره الرغاية وأبحث عنه في اليوتيوب، كما أنني أجيد الطبخ من الصغر لأنني أحببت أن أساعد والدتي فكنت أصغر أشقائي وعشت فترة معها بمفردي.. أجيد كل شيء والفريك بالأرز الأشهر بين أهلي والأصدقاء.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو".
Advertisements
الجريدة الرسمية