رئيس التحرير
عصام كامل

يوسف إدريس يكتب: محطة المستقبل

يوسف ادريس
يوسف ادريس

في كتابه "خلو البال" وفى أحد الفصول كتب الأديب الدكتور يوسف إدريس يقول: السؤال العام هنا لماذا نحتاج هذه الموجة غير الطبيعية من القلق العام، هل لأن الحاضر مغلق؟ وأقول هذا ليس صحيحا، فحاضرنا اليوم أحسن بكثير مما كنا فيه بالأمس برغم كل ما فيه من أزمات.

نحن قلقون لأن الحاضر يدعو إلى القلق وإلى عدم خلو البال، فالقلق من الحاضر في حد ذاته ليس قلقا خطيرا، القلق الخطير حقا هو القلق على المستقبل ومن المستقبل، المستقبل هو مشاكلنا الدفينة، فنحن نشكو من أزمة المواصلات مثلا، ولكن لو كان لدينا اطمئنان تام أنها ستحل بعد خمس سنوات لما شكونا وكنا تحملنا.

ولكن كيف نطمئن ونحن نرى الأزمة تزداد يوميا في وجود أخبار عن مصنع جديد للسيارات ينتج 60 ألف سيارة كل عام إلى شوارعنا، تصور 60 ألف سيارة فنكاد نفقد أزمة المرور والمواصلات.

إذن المستقبل هو مشكلتنا التي لا نعى بها.. فالحاضر لم يتجاوز بعد حد الخطر، وبإمكاننا حل مشاكله، ولكن لكي نتفرغ لحل مشاكله لا بد أن يخلو بالنا، وبالنا يخلو فقط حين نطمئن إلى المستقبل، ذلك لأن الإنسان كائن مستقبلى.

الحياة سفر، رحلة عبر الزمان وعبر المكان، رحلة نسافر إليها جميعا أنا ومن بعدى أبنائى، ومن الضروري للمسافر أن يكون على شبه يقين بالهدف الذي يريد الوصول إليه فهل نحن مدركون لمحطة الوصول.

الدنيا فكرة عن محطة المستقبل أم نحن كراكبين في قطار المفاجآت، بالمناسبة قطار المفاجآت كان دعاية ظريفة درجت عليها سكك حديد الحكومة المصرية، وفى شم النسيم بالذات يركب القطار ولا يعرفون إلى أي بلد يقصد دمياط ولا الإسكندرية ولا بورسعيد أو مطروح.. وكانت محطة الوصول تبقى سرا لدى السائق وحده يفاجأ بها الركاب.

لكن الآن أصبحنا نركب قطار الحاضر، وبدلا من أن يوصلنا الإسكندرية حيث النسيم العليل نجده يوصلنا أسوان حيث درجة الحرارة فوق الأربعين.

المستقبل هو مشكلتنا ومبعث قلقنا، والغيوم المسدلة فوق أعيننا، وليس الحاضر أبدا.. وبالأدق ليس الحاضر إلا بمقدار ما يغيم المستقبل ونحيله إلى شيء غير ممكن التنبؤ به وغير ممكن الاطمئنان إليه.
الجريدة الرسمية