رئيس التحرير
عصام كامل

شرقية في منتصف العمر


لسنا بصدد نقد المجتمع الشرقي، ولكن نحاول رصد إحساس وتفاعل المرأة الشرقية في منتصف عمرها، وما تعانيه من تفاعلات نفسية داخلية، وضغوط مجتمعية حتمتها العادات والتقاليد، بإحساس مصمد عن حقوق المرأة كإنسانة لها مشاعر، ولكن بعقلية متحجرة تعتبر المرأة عورة، بدءا من جسدها انتهاء إلى إحساسها وتفكيرها، فما بالك باحتياجها!


فرضت تلك المجتمعات عدة أفكار مجحفة "إن لم تكن ظالمة"، في حق المرأة، سلبتها حريتها في اختيار أدق تفاصيل حياتها، وبعد أن حددت لها أسلوب حياتها، تفننت تلك المجتمعات الشرقية في الحكم على المرأة، وانتقادها، ورفضها، وقد تصل الانغلاقية الفكرية إلى رفض المرأة التي صنعتها تلك المجتمعات.

فمثلا حدد المجتمع الشرقي "رغم ادعائه للتحضر ومواكبة العصر ومتطلباته"، حدد عمر الفتاة التي يجب فيه أن تتزوج!

بصرف النظر عن صلاحية تكوينها الجسماني والنفسي للزواج، فنجد المجتمع الشرقي الريفي، هدفه الأساسي جعل تلك الطفلة المراهقة العمر والفكر زوجة ومن ثم أما!

مع القليل من التمدن نجد نفس المجتمع في الحضر أو المدينة، يمد فترة السماح لتلك الفتاة المرغمة على قدرها لحين الانتهاء من التعليم الأساسي أو الجامعي ولكن على استحياء.

ونجد المجتمع المتدين بطبعه، اللاهث خلف تطبيق تعاليم الدين ظاهريا، الفارض الزواج على القاصرات بحجة سترهن، هو نفسه المجتمع الواصف للمرأة التي لم يكتب لها الزواج بعد بلفظ بذيء إذا صح التعبير فينعتها بالـ "عانس"!

ونجد نفس المجتمع الساتر للفتاة بإرغامها على الزواج المبكر، هو من يطارد المرأة المطلقة بالإساءة لأخلاقها، أو الرصد لتصرفاتها، أو قد يصل بتعنته إلى رفض ولفظ تلك المرأة التي تعرضت لزواج فاشل "وارد حدوثة لأسباب لا حصر لها"، فنجد الكثير من الأسر والأكثر من الرجال يرفضون الزواج من امرأة سبق لها تجربة زواج.

ولا نغفل ذكر حال السيدة الأرملة التي يضغط المجتمع عليها لجعلها زوجة بأي شكل من أي رجل سمحت له الظروف بالزواج، بحجة أن المجتمع يعيب على المرأة الحياة بمفردها دون رجل!

تلك المرأة "بمختلف أوضاعها الاجتماعية" تكون مشكلتها أعمق حينما تكون في منتصف العمر، ذلك العمر الذهبي لفكرها واإحساسها وشخصيتها، حيث إنها "بحكم عمرها الأربعيني"، تكون قد وصلت لمرحلة نضج فكري ونفسي بحكم ما مرت به من تجارب سواء فاشلة أو ناجحة، وما واجهته من أزمات، وما حققته من إنجازات، وما قدمته من تضحيات، وما جنته من مكانة، وبالتالي اكتسبت خبرات..

فتكون لديها إدراك كامل ووعي كبير باحتياجاتها، وكيفية تلبيتها، بطرق تتناغم مع ظروفها ولا تتضارب مع دينها أو مبادئها وخلفيتها الاجتماعية.

انتصاف العمر يعلن بكل وضوح قرب إكمال تلك المرأة العزباء "مطلقة أو أرملة" لرسالتها، فنجدها كأم قد تحملت مسئولية أبنائها من رعاية واهتمام وحنان ودعم وتقويم وتعليم، بكل ما استطاعت من قوة وعزيمة وحب، فلم تبخل بالجهد أو الوقت أو الصحة أو المال، ولم تضن بالأعصاب والإحساس في مواجهة الصعاب، لحماية أولادها وتربيتهم.

منتصف العمر للمرأة هو نقطة فاصلة في حياتها، قبلها كشرقية عاشت من أجل إرضاء من حولها في عطاء بلا حدود، بعدها كإنسانة لها أحاسيس لم تنضب، تحتاج لشريك يكمل معها الطريق بسعادة، ودعونا لا نقل تحتاج من يعوضها عن سنوات عمرها في البذل والمسئولية، وتفانيها لإسعاد من حولها، ناسية ذاتها، وغاضة الطرف عن أحاسيسها المدفونة من قبلها أو المنسية من قبل من حولها من أفراد المجتمع.

والآن هي تتسول حقها في الحياة بما يرضيها، بما يتناسب مع احتياجها، وبما يكفل لها حياة سعيدة بلا ضغوط مجتمعية، أو ملامة.
يستنكر المجتمع الشرقي فكرة الارتباط والزواج مرة ثانية بصفة عامة، مطالبا لها دائما بالاكتفاء بالتجربة الأولى، وإن كانت مريرة أو قصيرة أو بلا حياة سعيدة، أو قد تكون مفتقدة كليا لمفهوم الزواج، وما يحمله من ود واحتواء وسكينة، معللا "المجتمع" بأن الزواج لمرة واحدة وأنت وحظك "أو قدرك".

الشرقية مطالبة دوما بالتضحية من قبل أفراد المجتمع، مطالبة بأن تضحي بعمرها لاحتمال زوج استحالت الحياة معه، واصفين إياه بالأمان وإن خان، وبالعطاء وإن بخل بالإحساس قبل المال، بالقوة وإن كان ضعف شخصيته أفقده احترامها له، معللين ضغطهم عليها بأن تكتفي بظل رجل في مواجهة المجتمع الشرقي بكل ظلمه.

المرأة الشرقية يترصدها المجتمع في تحركاتها وتصرفاتها، يستنكر سفرها بمفردها، كأنها فاقدة الأهلية لأنها بدون شريك، يسلبها حقها في الحياة كما تريد، بل يريد المجتمع أن تعيش كما يريد لها المحيطون بها، يرفض الاعتراف بمشاعرها مدعيا الخوف عليها، يقف عائقا بينها وبين الزواج مرة ثانية بحجة عمرها.. فيعتبرها عجوز متصابية أو طامعة لا ترضخ لحكم القدر بالاكتفاء بزيجة واحدة، أو قد يصل المجتمع إلى أقصى التشدد باستهجانه لفكرة رغبتها في الحياة بسعادة بمفردها، ملقيا لمزاته وغمزاته على تصرفاتها، رافضا لها بسوء نية لأنها بلا رجل بلا حاكم بلا ضابط!

بحكم عمرها ستكون فرصتها للزواج مرة أخرى من رجل في مثل وضعها، أرمل أو مطلق.. ولكن ماذا لو كان متزوجا!
في هذا الوضع... للحديث بقية.
الجريدة الرسمية