رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا يفشل الإعلام التقليدي دائما؟


منذ ثلاثة عقود – أو أكثر قليلًا - انتشرت نظريات الإعلام التي ترصد الارتباط بين سلوك الجمهور وبين تطور تكنولوجيا وسائل الإعلام حتى أن أساتذة الإعلام في الغرب أعلنوا وفاة نظريات "التأثير المباشر" لوسائل الإعلام غير مأسوف عليها، ومع ظهور الأقمار الصناعية والطفرة التي حدثت من جانب القنوات التليفزيونية بدأ التركيز على النظريات الإعلامية المفسرة لسلوك الجمهور، ومع ظهور الإنترنت ومن بعده شبكات التواصل الاجتماعي التي تنوعت وتغلغلت تغير "خطاب" نظريات الإعلام وتحول للحديث عن "التفاعلية"، نعى أساتذة الإعلام في الغرب إلى الباحثين نظريات "واضعي الأجندة" و"حراس البوابة".


فالإعلام لم يعد إعلاما، ولم يعد مجرد استخداما ولكنه تطور بشكل غير مسبوق، فأصبح المستخدم منتجًا للأخبار والأفكار، ومروج ومؤثر، وشكل الإنترنت نموذجا لما وصفه "مارشال ماكلوهها” في الستينات وتحديدا في كتاب "فهم وسائل الإعلام" ما أطلق عليه "القبلية" أو "عودة القبلية"، فأصبح الإنترنت مجموعات، ومجتمعات، وكتائب إلكترونية. ومع ثورات الربيع العربي هزت عروش دول عربية، وجدت أنظمة الحكم أن الإعلام يجب أن يعود إلى ما كان عليه لأن "من فات قديمه تاه".

وحاولت القنوات الفضائية في بعض الدول العربية السيطرة على الجمهور المحلي، أو على الجمهور العربي، وفشلت هذه القنوات واشتد الصراع بين الإعلام التقليدي وبين السوشيال ميديا.. الإعلام التقليدي متسلحًا بقيم "التصدي للعشوائية الإلكترونية" و"الإخبار الكاذبة".

لم ينس الإعلام التقليدي أن يذكر الجمهور المحبط إعلاميا أن داعش انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وأن وسائل التواصل الاجتماعي جرت على العباد كوارث لم نر مثلها في البلاد، فيما استمرت وسائل التواصل الاجتماعي على التركيز قضايا الديمقراطية، والقمع، وغياب الشفافية، والفساد وهي قضايا تعاني منها الدول العربية بدرجات مختلفة.

أعود إلى السؤال الرئيسي أسباب الفشل الدائم للإعلام التقليدي، ليس لأن الإعلام التقليدي يختلق الأكاذيب حول وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لأن الإعلام التقليدي محكوم مثله مثل الناس، ومأمور في معظم الدول العربية، والقائمين على الإعلام التقليدي يعرفون أن هناك خطوطا حمراء، وأن هناك رقابة ذاتية فاقت ما كانت قبل ثورات الربيع العربي، وأن الولاء للوطن أصبح في كثير من الأحيان مرتبط بتأييد الأطر الإعلامية للإعلام التقليدي.

الإعلام التقليدي سيفشل دائمًا لأنه لم يعد يتمتع بهوامش الحرية التي كانت متوفرة، ولأنه يصر على إعادة الجمهور إلى "دوامات الصمت".. ما لم يتمتع الإعلام التقليدي بحرية ويواكب نهم مستخدمي شبكات وسائل التواصل الاجتماعي إلى استهلاك المعلومات سيظل ينتقل من فشل إلى فشل، وسيظل الناس يبحثون عن المعلومات المرتبطة بالقضايا الشائكة خارج أسوار الإعلام التقليدي.

الجريدة الرسمية