رئيس التحرير
عصام كامل

«تثيبت أركان الدولة».. هدف إستراتيجي في مقدمة أولويات «السيسي».. «مكافحة التطرف والإرهاب والتلاحم بين الدولة والمواطنين وتحقيق الأمن الداخلي وتحسين مستوى حياة الشعب المصري

 الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي

تتعرض الدولة التي تمر بمرحلة انتقالية للعديد من التحديات الداخلية والخارجية، التي تنعكس آثارها على أركان الدولة ومؤسساتها، وتُعرّض البلاد لحالة من السيولة وعدم الاستقرار السياسي والأمني، ناهيك عن ظهور أزمات اقتصادية، والتأثير السلبى على منظومة القيم في المجتمع، إضافة إلى تراجع الوزن النسبى لهذه الدولة في محيطها الإقليمى والدولى.


وإدراكا منه لأهمية تثبيت أركان الدولة والحفاظ على مؤسساتها والعبور بها إلى مستقبل مشرق، وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه قيادة البلاد في الثامن من يونيو 2014، تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي في مقدمة الأولويات التي ينبغى أن تتمحور حولها مختلف الأهداف الأخرى، وذلك إنطلاقًا من أن الدولة الوطنية القوية المتماسكة هي الضمان القوى للنأى بنفسها عن الأنواء التي تعصف بمثيلاتها في منطقة الشرق الأوسط، وعرضت العديد منها لتهديدات سياسية وأمنية واقتصادية واحتقان مذهبى وعرقى.

تاصيلًا لذلك، أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات كتابًا حديثًا حمل عنوان "تثبيت أركان الدولة.. تحليل رؤية الرئيس السيسي" يتناول تحليلًا كميًا للمقومات الرئيسية لتثبيت أركان الدولة، وذلك من خلال التصريحات والخطب والكلمات والحوارات التي صدرت من الرئيس السيسي سيادته خلال الفترة 2014-2018.

الدولة الوطنية
حظيت قضية الحفاظ على الدولة الوطنية وتثبيت أركانها باهتمام كبير في فكر ورؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي وخطابه السياسي خلال الفترة من 2014-2018، وذلك انطلاقًا مما شهدته مصر منذ 2011 من مظاهر عدم استقرار على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، كادت أن تهدد كيان الدولة المصرية ووجودها.

ولذا فقد تمثل الهدف الأساسي للرئيس السيسي خلال الفترة من 2014-2018 في العمل على الحفاظ على الدولة الوطنية وتثبيت أركانها ومؤسساتها المختلفة بكافة مقوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهي المقومات التي عكستها مفردات الخطاب السياسي للرئيس السيسي من خلال تصريحات وخطب وكلمات وحوارات، حيث تم رصد وتوثيق (2051) فكرة ترتبط بهذه المقومات خلال الفترة من 8-6-2014 إلى 7-6-2018، كما تكرر مفهوم الدولة أو (دولة) نحو (1074) مرة في خطابه السياسي خلال الفترة ذاتها.

مقومات الحفاظ على الدولة
وبصفة عامة، يمكن القول إنه بالرغم مما أبداه الرئيس عبدالفتاح السيسي من أهمية قصوى لمرتكزات ومقومات أداء الدولة المصرية لوظائفها المختلفة في خطابه السياسي خلال الفترة من 2014-2018، فإنه من الملاحظ أن المقومات الاقتصادية للحفاظ على الدولة المصرية، والتي تنصرف إلى مختلف الوظائف الاقتصادية للدولة، حظيت بالدرجة الأكبر من اهتمام الرئيس، حيث استحوذت على نسبة تكاد تقترب من ثلث (32.47%) حجم العينة الإجمالي للدراسة، في حين جاءت المقومات السياسية للحفاظ على الدولة المصرية، والتي تنصرف إلى الوظائف السياسية للدولة، في المرتبة الثانية بنسبة 28.33% من حجم العينة محل التحليل في الدراسة، تلتها المقومات الأمنية، والتي تنصرف إلى أداء الدولة لوظائفها الأمنية، في المرتبة الثالثة بنسبة 21.60%، فيما جاءت المقومات الاجتماعية في المرتبة الرابعة بنسبة 17.60% من حجم العينة الإجمالي للدراسة.

التحليل الكيفي
ومن خلال التحليل الكيفي والموضوعي لمضامين تصريحات وخطب وكلمات وحوارات الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال الفترة الرئاسية الأولى، وما تضمنته من مقومات ترتبط بالأدوار والوظائف المختلفة للدولة الوطنية، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، يمكن توضيح الحقائق الرئيسية التالية:

ارتبط هدف الحفاظ على الدولة المصرية من الناحية السياسية في فكر الرئيس السيسي انطلاقًا من إدراكه العميق لحالة عدم الاستقرار في مؤسسات الدولة، وغياب دور الدولة كفاعل رئيسي واهتزاز ثقة المجتمع بمؤسساتها، علاوة على العنف السياسي وممارسات التخريب والإرهاب الذي لجأ إليه أنصار جماعة الإخوان، فضلًا عن بروز موقف دولي غير موات للظروف والتطورات الداخلية التي مرت بها مصر خلال الفترة الماضية.

كما ترسخ على مدار هذه الفترة أن استعادة مكانة الدولة يتطلب عملا وجهدًا متواصلين، وأن عملية البناء والتنمية مستمرة ووصولًا إلى مستقبل مشرق، واقترن ذلك بتأكيد جازم باستحالة إسقاط الدولة تحت أي ظروف، وأن بناء مصر الجديدة القوية أصبح راسخًا في وجدان الجميع، وتأكيد أهمية بناء دولة مدنية ديمقراطية لتحقيق أهداف وطموحات الشعب المصري، وحاجة التجربة الديمقراطية المصرية لمزيد من الوقت حتى تنضج، وكذلك التزام جميع مؤسسات الدولة باحترام حقوق الإنسان، فضلًا عن حرص الدولة على تعميق وترسيخ قيم التعايش المشترك والتسامح عن طريق الممارسات الفعلية على أرض الواقع. كذلك تأكيد التلاحم بين الدولة والمواطنين باعتبارهما أساس لبقاء واستمرار الدول.

المشاركة في الانتخابات
ومن المفردات التي عكست ذلك، دعوة الرئيس السيسي المتكررة لمختلف فئات الشعب المصري إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي شكلت الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق لانتخاب مجلس النواب، وهو المعنى الذي أكد عليه في كلمته خلال الاحتفال بالعيد الـ62 للفلاح الذي نظمته وزارة الزراعة في 18/ 9/ 2014، بدعوته "كافة فئات المجتمع المصرى وفى مقدمتهم المرأة والشباب إلى المشاركة الفاعلة في الانتخابات البرلمانية التي تشكل المرحلة الثالثة من خارطة الطريق، وتشديده على ضرورة تدقيق الاختيار فيمن سيمثلون الشعب".

ارتكاز علاقات مصر الدولية على أساس من الندية والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وكذلك الحرص على إقامة علاقات متوازنة وديمقراطية لا تميل إلى طرف على حساب آخر، فضلًا عن توجه مصر نحو أفريقيا، باعتبارها دائرة أساسية من دوائر السياسة الخارجية المصرية، وحصول مصر على مقعدٍ غير دائم في مجلس الأمن الدولي للعامين 2016/ 2017.

منح السيسي أولوية متقدمة لدور السلطة التنفيذية في إطار المقومات السياسية للحفاظ على الدولة الوطنية، عبر إصدار التوجيهات للحكومة بإعطاء أهمية قصوى للمشروعات القومية الكبرى اللازمة لتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وللمساهمة في تخفيف معاناتهم، ومطالبة الحكومة بضرورة إحداث تغيير نوعي في إستراتيجيتها تجاه إدارة الأزمات المختلفة، فضلًا عن تطوير الجهاز الإداري للدولة.

الهدف الإستراتيجي
الهدف الإستراتيجي في المرحلة الحالية هو الحفاظ على الدولة المصرية وتثبيت أركانها في مواجهة التحديات المختلفة، وأن الحفاظ على الدولة المصرية وتثبيت أركانها يُعد أهم الأهداف الإستراتيجية التي وضعها الرئيس السيسي في أولوياته، وهو ما أكده الرئيس السيسي في خطابه بمناسبة احتفال مصر بعيد العمال (29/ 4/ 2018) حين قال "إنه على مدار السنوات الأربع الماضية كانت مهمته الأساسية تثبيت أركان الدولة وتعزيز تماسك مؤسساتها، واستعادة الاستقرار الضرورة لمواصلة التقدم".

وأهمية دور المؤسسات الدينية ولاسيما الأزهر الشريف والكنيسة في الحفاظ على الدولة المصرية، وقيادة جهود الإصلاح الفكرى ونشره، فضلًا عن دعم الدولة الكامل لمؤسسة الأزهر الشريف جامعًا وجامعة، وأهمية دولة القانون القائمة على العدل والمساواة، وتأكيد مبدأ استقلال القضاء، وعمل الدولة على ترسيخ دولة القانون واحترام مبدأ الفصل بين السلطات، ومحورية دور الإعلام في توعية المواطنين بخطورة الأوضاع والتحديات التي تواجه مصر، علاوة على أهمية دوره في ظل اعتماد حروب الجيل الرابع على ترويج الشائعات وإشاعة الأكاذيب، في إطلاع الشعب على الحقائق ونشر الوعي وتصحيح وتوضيح المفاهيم للجماهير.

وجود إرادة سياسية حقيقية لمواجهة الفساد في مصر، حيث تواجه الدولة الفساد على محورين، الأول هو الإجراءات الأمنية والملاحقات القضائية، أما المحور الثاني فيتمثل في تعديل التشريعات والقوانين التي تسهل وتصوب أداء الأجهزة التي تكافح الفساد.

التحديات المتراكمة والمزمنة
ارتباط هدف الحفاظ على الدولة المصرية من الناحية الاقتصادية لدى الرئيس السيسي انطلاقًا من إدراكه لضرورة التعامل الجاد مع التحديات المتراكمة والمزمنة التي عانى منها الاقتصاد المصري لعقود طويلة، وذلك بهدف تحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني، وتحسين مستوى حياة الشعب المصري وتحقيق آماله في بناء دولة حديثة ومتطورة.

وحرص الرئيس السيسي على توظيف زياراته الخارجية ولقاءاته مع الفعاليات الاقتصادية، ناهيك عن مشاركاته في كافة الفعاليات الاقتصادية الدولية لخدمة "دبلوماسية التنمية" في مصر، فلا تكاد تخلو مناسبة خارجية للرئيس السيسي، سواء في لقاءات القمة مع رؤساء الدول والحكومات، أو مع رجال الأعمال والمسئولين الاقتصاديين في الدول التي يزورها، من تأكيد أهمية البعد الخاص بجذب الاستثمارات الخارجية كأحد المرتكزات الاقتصادية المهمة للحفاظ على الدولة الوطنية في مصر، في إطار قيام الدولة المصرية بأداء وظائفها الاقتصادية.

الزيارات الخارجية
وفي زياراته الخارجية، دائمًا ما يدعو الرئيس السيسي الدول التي يزورها إلى زيادة استثماراتها في مشروعات التنمية في مصر، والاهتمام الملحوظ بمسألة النهوض بالقطاعات الاقتصادية المختلفة، ولاسيما قطاعات: النفط والطاقة، الزراعة واستصلاح الأراضي، السياحة، الصناعة، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التجارة، قطاع الأعمال العام، علاوة على قطاع الطيران المدني، وقيام مصر بصياغة خارطة طريق اقتصادية عبر إطلاق برنامج إصلاح اقتصادي بإرادة وطنية، بهدف مساعدة الاقتصاد الوطني على التعافي جراء الأزمات التي واجهته خلال السنوات الماضية، وهو ما كان له أثره الإيجابي في تحقيق مصر طفرة غير مسبوقة في مؤشرات التنمية الاقتصادية.

وأطلقت الدولة المصرية العديد من المشروعات القومية الكبرى، وفي مقدمتها مشروع قناة السويس الجديدة – التي تم افتتاحها في 6 أغسطس 2015، وكذلك مشروعات تنمية منطقة المثلث الذهبى الزاخر بالاحتياطيات المعدنية، وتنمية الساحل الشمالى الغربى وظهيره الصحراوي، ومشروع شرق العوينات، ومشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان.

تحقيق نهضة ضخمة في مجال تطوير شبكة الطرق القومية، حيث بلغ ما تم إنشاؤه وتطويره من طرق نحو 7000 كم بتكلفة 85 مليار جنيه، علاوة على إضافة قدرات كهربية بلغت 25 ألف ميجاوات من الطاقة التقليدية والمتجددة حتى يونيو 2018، تكافئ نحو 12 ضعف قدرة السد العالي، بجانب إيلاء أهمية كبرى لمشروعات توفير الطاقة الكهربائية، لاسيما في محافظات الصعيد، وحرص مصر على دعم كافة مبادرات الاتحاد الأفريقي والمشروعات الإقليمية التي تهدف إلى تطوير البنية الأساسية في أفريقيا وخلق شبكة من الطرق في إطار برنامج تطوير البنية الأساسية في أفريقيا PIDA.

الإعلان عن تخصيص مبلغ 10 مليارات جنيه لتنمية سيناء، بهدف دفع عملية التنمية في هذه البقعة الغالية من تراب مصر، الأهمية التي توليها الدولة للصناعات الصغيرة والمتوسطة، نظرًا لما تتيحه من فرص واعدة لتوفير فرص العمل وتشغيل الشباب، والمساهمة في دفع عجلة

القوات المسلحة
الدور المحوري للقوات المسلحة في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة في مصر، عبر مشاركتها في المشروعات القومية الكبرى وشق الطرق وإنشاء الكباري، فضلًا عن تقديم الخدمات العلاجية للعديد من المدنيين في مستشفيات القوات المسلحة.

وارتبط هدف الحفاظ على الدولة المصرية من الناحية الاجتماعية لدى الرئيس السيسي انطلاقًا من أن همه الأكبر وشاغله الأساسي منذ توليه أمانة المسئولية تمثل في الكادحين والبسطاء من أبناء الشعب المصري وكان التخفيف عنهم والارتفاع بمستواهم المعيشى على رأس أولويات الدولة.

والتأكيد على ضرورة مراعاة برنامج الإصلاح الاقتصادي للأبعاد الاجتماعية لحماية الفقراء ومحدودي الدخل والفئات الأولى بالرعاية عبر مجموعة من برامج تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، والتأكيد على أن تطوير منظومة التعليم والمعرفة تُعد مسألة أمن قومي وتأتي على رأس أولويات الدولة المصرية، عبر الاهتمام بالبحث العلمي، وإصلاح التعليم باعتباره ركيزة أساسية من ركائز تقدم المجتمع، بجانب العمل على الاستفادة من التجارب والخبرات الدولية المتطورة في مجال التعليم والبحث العلمي.

إيلاء أهمية كبرى لتطوير المنظومة الصحية، تجسدت أبرز ملامحها في تأكيده على أهمية تسريع وتيرة تطوير منظومة الصحة في مصر، والنجاحات المتحققة في مجال علاج فيروس "سي"، وإيلاء اهتمام كبير بقطاع الإسكان والمدن الجديدة، ولاسيما مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وضرورة أن تصبح مدينة ذكية وصديقة للبيئة، وربطها بشبكة من الطرق ووسائل المواصلات المختلفة، وبدء الدولة في تنفيذ خطة متكاملة للإسكان الاجتماعي والقضاء على العشوائيات، وإيلاء اهتمام كبير بالمرأة المصرية، بإعلان عام 2017 عامًا للمرأة المصرية، ووضع إستراتيجية لتمكين المرأة في إطار رؤية مصر 2030.

وكان للشباب نصيب كبير من اهتمامات الرئيس السيسي، فأعلن عام 2016 عامًا للشباب، وأطلق المؤتمرات الوطنية للشباب، وأطلق أيضًا البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، وأطلق منتدى شباب العالم بشرم الشيخ في نوفمبر 2017، ودعا إلى صياغة إستراتيجية عربية لاستثمار طاقات الشباب العربي في مختلف المجالات.

ودعا السيسي للاهتمام برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وتخصيصه عام 2018 عامًا لهم، فضلًا عن توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال دمجهم في المجتمع، بالإضافة إلى العمل على إعلاء قيمة المواطنة عبر التأكيد على ترسيخ قيم المواطنة ووحدة النسيج الوطني وعدم التمييز على أساس الانتماءات الدينية واحترام خيارات المواطنين.

هدف الإرهاب
ارتباط هدف الحفاظ على الدولة الوطنية من الناحية الأمنية في الخطاب السياسي للرئيس السيسي، بتحذيراته المتكررة من أن العمليات الإرهابية التي تتعرض لها مصر تستهدف إسقاط الدولة المصرية، وهو الأمر الذي جعله يبدي اهتمامًا كبيرًا بالمقومات الأمنية للحفاظ على الدولة الوطنية في مصر خلال ولايته الأولى، لدرجة أن مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف جاءت في مقدمة المقومات التي ارتكز عليها الخطاب السياسي للرئيس السيسي للحفاظ على الدولة الوطنية وتثبيت أركانها– في العينة الإجمالية للدراسة- وذلك بالرغم من احتلال المقومات الأمنية للمرتبة الثالثة ضمن مقومات الحفاظ على الدولة الوطنية خلال فترة ولايته الأولى.

وتبنت مصر إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف على المستويين المحلي والدولي، فعلى المستوى المحلي، أكدت مصر ضرورة المواجهة الفكرية للإرهاب من خلال تصويب الخطاب الديني، وأكدت كذلك أهمية البعد التنموي بشقيه الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب الجهود الأمنية والمواجهة العسكرية لمكافحة الإرهاب والتطرف، كما قامت بإيلاء أولوية كبرى لمسألة مكافحة الإرهاب في سيناء، وبإنشاء المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف، وذلك بموجب القرار الجمهوري رقم (355) لسنة 2017، بهدف حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره، كما قامت بإطلاق العملية "سيناء 2018" التي تنفذها القوات المسلحة والشرطة.

وعلى المستوى الدولي، ارتكزت الرؤية المصرية لمكافحة الإرهاب على مجموعة من العناصر الرئيسية التي أكد عليها الرئيس السيسي في العديد من المواقف والمناسبات. لعل من أبرزها: أهمية تبني إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب لا تقتصر فقط على الترتيبات الأمنية والمواجهات العسكرية، وإنما تمتد لتشمل الجانب التنموي بشقيه الاقتصادي والاجتماعي، فضلًا عن أهمية تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر، وتصويب الخطاب الديني وتنقيته من أي أفكار مغلوطة تخالف صحيح الدين الإسلامي، وضرورة مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية من خلال تعزيز التنسيق بين دول القارة بشأن تبادل المعلومات والتدريب المشترك ونقل الخبرات، فضلًا عن دعم ومساندة الدول التي تواجه الإرهاب، والتحذير من خطر إرهابي جديد يتمثل في استغلال التقنيات الحديثة وعلى رأسها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بغرض التحريض والترهيب ونشر الفكر المتطرف. واتصالًا بما سبق، حرصت مصر على الاشتراك في كافة الجهود الدولية والإقليمية للتصدي للإرهاب.

قوى التطرف والإرهاب
وأطلقت خلال الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 مبادرة الأمل والعمل Hand، لمواجهة قوى التطرف والإرهاب، وأكدت  ضرورة التعامل بحزم مع ما يقدمه البعض على الساحة الدولية من دعم سياسي وإعلامي وعسكري ومالي للتنظيمات والحركات الإرهابية، علاوة على أهمية ترسيخ المؤسسات الوطنية في دول المنطقة التي تعانى أزمات، بهدف ملء الفراغ الذي يتيح الفرصة لنمو الإرهاب، كما كانت مواجهة الإرهاب على رأس أولويات مصر خلال فترة عضويتها في مجلس الأمن الدولي على مدار عامى 2016 و2017 ورئاستها للجنة مكافحة الإرهاب بالمجلس.

وأهمية دور القوات المسلحة يكمن في الحفاظ على وحدة واستقرار الدولة المصرية ومواجهة التحديات المحيطة بها، وكذلك أهمية دور التدريب في رفع المهارات القتالية للقوات المسلحة، كما حرصت مصر على التعاون مع القوى الدولية الكبرى، لاسيما في مجال عقد صفقات التسليح والعقود العسكرية، حيث حصلت على حاملتيّ طائرات الهليكوبتر من طراز "ميسترال"، وكذلك الطائرات المقاتلة من طراز "رافال" من فرنسا، بجانب التعاون مع روسيا في مجال التسليح والتدريب وتبادل الخبرات، علاوة على تحديث وتنويع مصادر تسليح الجيش المصري، بجانب التعاون مع الشركات المتخصصة في مجال الصناعات العسكرية لتزويد القوات المسلحة بأحدث المنتجات العسكرية.

وضرورة دعم وتنسيق الجهود بين مختلف الأجهزة المعنية، وهو المعنى الذي أكد عليه خلال اجتماعه بالمجلس الأعلى للشرطة في 6/ 11/ 2014، بتشديده على "ضرورة دعم وتنسيق الجهود بين مختلف الأجهزة المعنية، مشيدًا بدور الشرطة في استعادة الأمن والانضباط إلى الشارع المصري، مؤكدًا أن الشعب يساند رجال الشرطة ويثمن جهودهم ودورهم في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، مشددًا على ضرورة تفعيل الاستراتيجيات الأمنية الجديدة، بما يتناسب مع التحديات التي تواجه الدولة، وتستهدف وجودها نفسه، وتسعى إلى زعزعة الثقة في قدرة أجهزتها على التصدي لهذه التحديات، بهدف شق الصف وإضعاف إرادة المواطنين، وإرهاق الدولة، واستنزاف مواردها".

العمل على تحقيق الأمن الداخلي، من خلال التأكيد على الارتباط بين تحقيق التنمية الشاملة وبين توافر بيئة أمنية مواتية تطمئن رأس المال وتجذب السياحة والاستثمار وتؤمن للمشروعات الصناعية مناخها المناسب، والحرص على تحقيق التوازن بين الإجراءات الأمنية وحقوق الإنسان، وضرورة تطوير جهاز الشرطة المصرية، وضرورة استعادة القيم الأصيلة للمجتمع المصرى التي يتعين أن تسود في العلاقة بين المواطنين ورجال الأمن، وأهمية التنسيق الكامل في العمل الميداني بين القوات المسلحة والشرطة المدنية في مواجهة مخططات زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، وأهمية توفير التدريب الأمني الراقي وفقًا لأعلى المعايير في مجال العلوم العسكرية، علاوة على عدم السماح لأحد بالعبث بأمن واستقرار مصر.

الأمن المائي المصري
إيلاء أهمية كبرى لمسألة حماية الأمن المائي المصري ومنع أي تأثير سلبي محتمل عليه، باعتباره أحد المقومات الأمنية الرئيسية للحفاظ على الدولة المصرية، ولاسيما في ضوء مشروع سد النهضة الإثيوبي، حيث تؤيد مصر حق الشعب الإثيوبي في التنمية.

وفي الوقت ذاته تنظر إلى قضية مياه النيل باعتبارها مسألة حياة أو موت، وهى خط أحمر بالنسبة لأمنها القومي، وتم التوصل إلى اتفاق إعلان المبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015 بشأن سد النهضة.

كما اقترحت مصر على كل من إثيوبيا والسودان مشاركة البنك الدولي في اجتماعات اللجنة الوطنية الثلاثية المعنية بسد النهضة كطرف فني محايد للبت في الخلافات الفنية بين الدول الثلاث، علاوة على تأكيد مصر على ضرورة تبني رؤية مشتركة للاستفادة الكاملة من الموارد المائية المشتركة غير المستغلة في حوض النيل، عبر التعاون بين دول الحوض بما يؤدي إلى تحقيق التنمية وضمان أمنها المائي.
الجريدة الرسمية