رئيس التحرير
عصام كامل

المفهوم الصحيح للعبادة


ليس هناك شرف في الدنيا والآخرة أسمى وأجل وأعلى وأرقى وأقدس من شرف انتساب العبد بعبوديته لله تعالى، فالعبودية لا يعدلها ولا يرقى إليها شيء، وفي مقام العبودية وقف الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه. يزهو ويفتخر ويتباهى قائلا: "كفي لي فخرا أن أكون لك عبدا.. وكفى لي عزا أن تكون لي ربا.. أنت لي كما أحب فوفقني لما تحب"، والعبودية تعني الملكية لله تعالى وحده لأنه تعالى هو الخالق والواجد ومالك كل شيء ومليكه سبحانه.


هذا وهناك خلط بين مراسم العبودية وجوهرها وحقيقتها.. فمراسم العبودية تتمثل في الولاء والطاعة والانقياد لله عز وجل. ومظاهرها تتجلى في الامتثال للأوامر والنواهي الإلهية، وإقامة أركان الدين وحدوده، ولا يتأتى ذلك إلا باتباع هدي النبي الكريم صلى الله على حضرته وعلى آله وصحبه وسلم.. أما جوهر العبودية فهو مقام العبد بين يدي مولاه جل علاه مقام الذل والانكسار والعجز والافتقار والعوز الكامل له سبحانه في كل شيء.

وهذا المقام والحال يقيم العبد في حال العز والغنى. ففي الإفتقار إليه جل وعلا يكمن الغنى الكامل. وفي الذل إليه تبارك وتعالى يكمن العز الكامل، وفي التقيد بأوامره ونواهيه تكمن الحرية الكاملة. هذا ولعز العبودية وشرفها قال السيد المسيح عليه السلام أول ما نطق في مهده: "إني عبد الله "...

هذا وقد وصف سبحانه وتعالى نبيه ورسوله وأحب خلقه تعالى إليه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بصفة العبودية عندما أخبرنا سبحانه وتعالى عن رحلة الإسراء والمعراج في القرآن الكريم، حيث قال عز وجل: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى"..

هذا وقد يقصر الفهم لدى البعض أن العبادة قاصرة على إقامة أركان الدين من صلاة وصوم وزكاة وحج والالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية، وهذا فهم قاصر فكل المعاملات بأخلاقيات الدين عبادات. إفشاء السلام ورد التحية عبادة.. تبسمك في وجه أخيك وإدخالك السرور على قلبه ومؤازرته في وقت المحن والشدائد، وإغاثته ومد يد العون والمساعدة له عبادة والكلمة الطيبة صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق عبادة، وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان في معاملة الجار عبادة، والسعي في طلب العيش الحلال عبادة.

وفي الحديث: "من بات كالا.. أي متعب مرهق.. من عمل يده غفر له".. والإحسان إلى اليتيم والأرملة والفقراء والمساكين عبادة.. والصدق والوفاء بالعهود وأداء الأمانة وكظم الغيظ والعفو عن المسيئ والإحسان إليه عبادة.. وكل المعاملات الطيبة الحسنة مع كل الخلق بما في ذلك الحيوان والطير والنباتات والجمادات والأرض التي نحيا عليها عمارتها وإصلاحها وعدم إفسادها والإفساد فيها عبادة..

عزيزي القارئ من هنا نعرف أن مفهوم العبادة مفهوم متسع فسيح غير قاصر على إقامة الأركان كما ذكرنا.. هذا وللعبادة روح وقلب وهما الصدق والإخلاص.. هذا ولكل جارحة من جوارح الإنسان عبادة. فعبادة العين الغض عن المحارم. وعبادة اللسان الإمساك عن الغيبة والنميمة وشهادة الزور والقول الفاحش البذيء والاشتغال بذكر الله تعالى. وعبادة اليد الإمساك عن الأذى بأي شكل من الأشكال. وعبادة القلب بأن لا يحمل غلا ولا حقدا ولا حسدا ولا كراهية ولا ضغينة لأحد وألا يتعلق بحب الدنيا.

وعبادة العقل في التأمل والتفكر في آيات الله تعالى وعظيم إبداعه.. وعبادة النفس بمخالفة الهوى وضبط شهوتها وقناعتها ورضاها بقدر الله تعالى وقسمته.. وعبادة البطن بألا يدخل فيها مطعما من حرام أو محرم.. وعبادة الفرج بإجتناب الزنا واللواط.. وعبادة القدم بالامتناع عن خطوات المعصية والسوء.. هذا وإن لم تثمر العباداث حسن في المعاملات فلا قيمة لها..

وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له"..
الجريدة الرسمية