رئيس التحرير
عصام كامل

على هامش «حريق الراشدة» .. كيف أنقذ شباب القرية «العواجيز» و«المواشي» من جحيم اللهب؟ (فيديو وصور)

فيتو

كان الشاب الثلاثيني «زكريا أحمد فارس» - أحد سكان قرية الراشدة – في طريق العودة إلى قريته بعد قضاء مشوار خاص في مدينة الخارجة، وعلى بعد 10 كيلو مترات من القرية رأى لهيب النيران يصعد إلى عنان السماء، شعر بخوف وقلق يتسرب إلى داخله وسارع بالتقاط هاتفه المحمول وأجرى عدة اتصالات لم تفلح سوى مكالمة واحدة لأحد جيرانه، يسأله عن مصدر تلك النيران: «النار بتاكل البلد يا زكريا» وانقطع الاتصال.


اشتعل حريق كبير، مساء الجمعة، في قرية الراشدة إحدى قرى محافظة الوادي الجديد، وبفعل الرياح سرعان ما انتقلت النار إلى جميع منازل القرية والنخيل الموجود بمحيطها.



وعمدت قوات الحماية المدنية والإطفاء بالتعاون مع محافظة الوادي الجديد، إلى الدفع بماكينات بحاري ونقالي لسحب وضخ المياه من القنوات المائية، و9 سيارات فنطاس مياه و15 عربة إطفاء من مراكز الخارجة والداخلة وبلاط لإخماد حريق قرية الراشدة، وإليكم تغطية خاصة.

تواصلت «فيتو» هاتفيا مع عدد من شهود العيان من أهالي القرية ليرووا تداعيات الكارثة التي ألمت بالقرية.

«كانت كارثة فوق احتمال البشر، شعرنا جميعًا أن يوم القيامة قد آن وقته، النيران تأكل الأخضر واليابس، لم تترك منفسًا لأحد، المنازل تحترق، النخيل يحترق، الأدخنة تتصاعد للسماء، والرجال والنساء والأطفال يذرفون الدمع، ويهرولون يمينًا ويسارًا وحالة من الفوضى العامة أصابت الجميع»، يقول زكريا فارس أحد سكان قرية الراشدة بالوادي الجديد.

قرية الراشدة هي إحدى القرى ذات الوجود السكاني المتوسط، إذ يبلغ عدد السكان نحو 20 ألف نسمة منقسمة إلى عائلات كبرى، يحيط بالحيز السكاني نخيل من ثلاث جهات مختلفة، تمثل تلك النخيل مصدر رزق لأغلب العائلات الموجودة داخل القرية، فور اشتعال النيران بدأ الأهالي في ترديد التكبيرات.


15 دقيقة كانت الفترة التي قضاها «زكريا» حتى يصل إلى داخل القرية، اتجه مسرعا نحو منزله وأَخلاه من الأثاث وأسطوانات الغاز ونقلها إلى أحد المنازل البعيدة عن النار، وبدأ شباب القرية في تنظيم الصفوف وترتيب أنفسهم وتشكيل مجموعات تختلف مهامها، ويلتقون على هدف واحد هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحماية الأهالي والحيوانات، يقول زكريا: «كنا نحو 1000 شاب تجمعنا على بعد 500 متر من النيران وبدأنا في تقسيم أنفسنا إلى مجموعات، فهناك مجموعة تولت حفر طرق آمنة لخروج الأهالي إلى مساحات واسعة بعيدة عن النخيل والنيران باستخدام الجرارات، فيما قامت مجموعة أخرى بإخراج أنابيب الغاز من المنازل وإبعادها عن أماكن الحريق، والمجموعة الثالثة تولت مهمة إسعاف الأطفال الذين تعرضوا للاختناق».

لم يقتصر عمل الشباب على حماية الأهالي فقط، لكن كان هناك زاوية أخرى أدركها الشباب أن دون مصدر رزق لتلك الأسر ستكون الحياة مريرة، لذا تم عمل مجموعة مهمتها الأولى إخراج المواشي من الحظائر وإبعادها عن النيران ووضعها في مساحات واسعة لن تمسها النار.


«الأمر كان حقا كارثة، شهدنا دموع الرجال تسقط أمامنا، نحن قرية هادئة لسنا على خط المواجهة في أية أزمة، ولم يكن في الحسبان أن تلتهم النيران منازلنا، بعد إخلاء المنازل من الأهالي والمواشي بدأنا في عملية الإطفاء، كل منزل أَخرج ما يمكن أن نحمل بداخله الماء لإطفاء النيران كانت المحاولات ضعيفة وقليلة أمام نيران ارتفعت والرياح خدمتها، لكننا نجحنا في تقليل الخسائر قدر الإمكان حتى حضور قوات الحماية المدنية".

كان الحاج السيد عمران، يمارس يومه المعتاد في الغيط، حتى رأى ألسنة اللهب ترتفع إلى الأعلى، أمسك هاتفه المحمول وأجرى اتصالا بنجلته: «ألحقني يابا النار بتاكل البيوت وجاية علينا»، يقول الحاج عمران: «رَمحت على البيت لقيت النار بتعلى كل ما أقرب، كانت النار بعرض كيلو وصلت البيت لقيت النار والعة فيه، شعرت بمرارة في حلقي وتسمرت في مكاني حتى لفت انتباهي أحد الجيران وأبلغني أن أسرتي خرجت من المنزل قبل وصول النار إليه، تنهدت وبدأت أبحث عن أسرتي».



«مَن اقترب احترق» النيران بفضل الرياح توسعت في دقائق قليلة وبدأت تنتقل من منزل لآخر ومن نخلة لأخرى، لم يعد هناك أحد بمأمن على نفسه أو أسرته، الكل يهرول في الطرق والشوارع بحثا عن ما يساعده على إطفاء الحريق في ظل صعوبة الوصول إلى القرية وبُعدها عن المراكز في المحافظة.

«منزلي احترق بالكامل لم يعد يصلح للحياة، سيحتاج أقل تقدير شهرا من العمل حتى يعود مرة أخرى إلى حالته، الكتب الدراسية لنَجتلي وأخيها احترقت وضاعت في الفوضى التي أصابت القرية، حتى الملابس لم يعد لدينا شيء نستر به أنفسنا» يقول الحاج عمران.



كعادة أهل القرى الطيبين المعروف عنهم وقفتهم بجانب بعضهم البعض في الأزمات، بدأت الأهالي الذين لم تتضرر منازلهم في استقبال الأهالي الذين احترقت منازلهم، يقول الحاج عمران: «انتقلت منذ أمس إلى منزل أحد الجيران، بالطبع استقبلنا بشكل حسن ورحابة صدر، فنحن أهل في القرية والشدائد تقوى الرابطة بيننا».
الجريدة الرسمية