رئيس التحرير
عصام كامل

دعوة للتحرش


كلكم متحرشون لا أستثني منكم أحدًا.. نعم، هو مجتمع ذكوري تجري في عروقه سمات التحرش، لا يستطيع غلق عينيه وسد أنفه عن الآخرين.. مجتمع عليه نخبة من فقراء الفكر والثقافة والمدنية يتشحون فقط بعباءة طويلة تجر الأرض جرا لتكنس أروقة الطرقات عند ذهابهم لصلاة الجمعة ولم يعلموا من أمر دينهم إلا أنها مطية يتم امتطاؤها حينما تأتي رغبته هو.


فهو الفعل والفاعل هو صاحب الجتة التي يمتلكها بقبضة يد واحدة ولا تملأ يده طبعا.. مجتمع يصرخ ليل نهار بأناشيد العورة.. عورة.. عورة... جسدها عورة لا بد أن يدفن هذ الجسد.. فمن منكم لم تنبت داخله بذرة الجسد العورة... ستتزعزع هذه الفكرة داخل النفس الأمارة بالسوء... فالعورة مثيرة جميلة.. مستفزة للاكتشاف والقنص. 

هي خبيئة لا بد من الوصول إليها.. هي الممنوع المرغوب.. ممنوع بكل صراخات الألسنة وسرادقات الحرمان ممنوع لأنه ممتع. ومرغوب وجميل.. يا لها من فكرة الممنوع المرغوب الذي يعبث بالنفوس المحرومة المهزوزة النفوس التي لم ينبت بداخلها يوم أنشودة فكر ولا ثقافة ولا عدالة لترقي بمنحى الرغبات المطلقة إلى مناح أكثر إنسانية ومتعة ورقي بإرادة إنسان طبيعي يحمل إرادته بكل فخر وعزة.... إنسان غير مقهور.

صناعة التحرش هي صناعة ضاربة في القدم في هذا المجتمع المغترب عن هويته، ولا أعلم تاريخيا متي حدث هذا، أو متي تم الإصابة به وهل ساهم مهاويس الدين المنافقون في غرس هذه البذرة؟!

فصناعة القهر تعمل بمنتهي الجدية داخل هذا المجتمع ولن تبقي شيئا.. القهر الظلم.. الجوع.. العنف الذي يتم تصديره للفرد في يوم هو من أوله إلى آخره... العنف المنحدر من ظلم قائم يصلى ليل نهار في أروقة الحياة... الكفر بالعدل والحق يولد العنف.. الكفر بحقي في احترامك آدميتي وعنفك معي سيجعلني الأعنف ضد كل ما تقع عليه يدى.

عندما تغدو المنظومة عنيفة بلا شك في كل ما يخص هذا الفرد من حرية وكرامة من تعليم هو قمة القهر والعنف من إعلام رقيع كاذب لص يختال بأكاذيب مضللة طول الوقت لصناعة أبطال كلهم جلادون يكفرون بالحق والرحمة... إعلام يطعم الأفراد الإحساس الدائم المهين بالحرمان وباتساع الجانب بينهم وبين الحياة وأنهم حقراء، هنا تكن قيمة الجودة في إتقان صناعة التحرش.

عندما تنجح بإبهار في حرماني من القوت والتعليم واللعب والترفيه الآدمي، وحرماني حتى من الحب الذي تم تصنيفه فعل فاضح، عندما تحرمني من الجنس والعلم والحب واللعب وتحرم على الحياة وتطرحها كخطئية كبرى... الناتج كائن مكبوت.. قنبلة حيوانية غير موجهة.. كائن لا يعلم عن نفسه غير أنه حقير.. فبالتأكيد سيتصرف بأحقر مما يعلم عن نفسه.

عندما تجيدون صناعة التحرش لا تنصبوا لى المشانق، فأنا صناعة أيديكم. 

التحرش هو جزء من حياتنا وهو ليس التحرش الجنسي فقط، فهناك التحرش الفكرى، فهناك من يعتدى على الآخر فكريا لاختلافه معه أو عقائديا.. وحتى الاعتداء اللفظي هو تحرش، خاصة إذ وصل إلى حد القتل والقهر لمجرد الاختلاف الفكرى!

كيف تجرمون هذا الفاعل المتسكع في الحياة والطرقات لا يمتلك شيئا غير منظومة من القهر تقع على رأسه كل يوم في تفاصيل حياته، وأن تكون أدواته لسحق نفسه المتألمة هزيمتها هي المخدرات والجنس فلن يثنيه أي قانون عن ممارسة الاعتداء لتعبيره عن ذاته المسحوقة المغتالة بالفعل.

هو مقهور ومحروم ويعلم أن الجسد هو العورة الممنوعة عنه ولا سبيل له... فهو محمل بكل أطياف الصورة عن المرأة التي لا يعرف عنها غير أنها خاطية ولعوب وأنها الصيد الوحيد السهل المتاح له بالاعتداء عليه.

ليست لدى الرغبة مطلقا في الدفاع عن المغتصبين ولا منتهكي الأجساد، ولم أتعاطف مع هذا التكوين، لكن تسترسل أمامي صور كثيرة لمجتمع للأسف يكاد يكون متحرشا بالإجماع.

التحرش الجنسي في مجتمعنا آفة متوغلة لها أشكال متنوعة، لم تقع أنثي بين جدران حوائط مع ذكر إلا وتحرش بها، صور كثيرة متعددة تبدأ من رئيس العمل وتصل للطبيب وتترنح على صفحات النت وتتسكع في الطرقات بين المارة ويحكي عنها في الفصول الدراسية.. وتتوارى تحت مسميات لا يصدقها الذكر أبدا داخل نفسه كالصداقة والزمالة والجيرة.. لكنها ستتجلى مرات صارخة عندما تكون الحالة واضحة تقع تحت مسمع ومرأى الناس في حادث عام في مكان عام أو ينتج عنها جريمة صارخة.

محوران أساسيان تتلخص فيهما الآفة:
الأولى هي فكرة الذكر الشرقي عن ذاته وعلاقته بالمرأة وأنها علاقة اعتداء وانتصار من طرفه.
الفكرة الثانية أنها عورة لابد من انتهاكها لكشف المستور.
أعتقد أننا على حافة سقوط كارثي لمجتمع تم تشويهه.. فإذا أردنا القضاء على التحرش لا بد أن نجيد أولا صناعة الإنسان لأنه هو الذي سيقضي على صناعة التحرش.
الجريدة الرسمية