رئيس التحرير
عصام كامل

دين الحب (4)


عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله قال (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.


عرفت مصر، والعالم الإسلامي أضرحة ومقامات آل البيت، وأولياء الله الصالحين على مدى التاريخ، وكانت البقيع، ومناحي الحجاز، والجزيرة العربية، وأطرافها تكتظ بأضرحة الصحابة والتابعين وآل البيت النبوي، وتشي الصور القديمة بانتشارها في مختلف الأنحاء.

وكان الحجيج وزوار مكة والمدينة، يهتمون بزيارة تلك الآثار الإسلامية الخالدة، ويتبركون بها، وبالتعبد فيها، إلى أن ثارت بالمنطقة نيران الأفكار الوهابية الموغلة في التطرف، لدرجة تحريم كل شيء تقريبا، وتكفير المسلمين الموحدين لأتفه الأسباب، متفوقين بذلك على أعتى الخوارج.

وضع الوهابيون نصب عيونهم هدم الأضرحة والمقامات، أيًّا كان صاحبها، وقاموا بنسف وتدمير كافة المقامات في شبه الجزيرة العربية، لم يراعوا كبار الصحابة والآل الأطهار، والشهداء الأبرار، وما لم تذكره كتب التاريخ أنهم كانوا يستهدفون صناديق النذور فيستولون عليها قبل هدم المباني، ويستحلون أموالها.

على مر التاريخ أحب المصريون آل البيت، وتقربوا إلى الله بحبهم، وتوقيرهم، وظهر ذلك جليا في استقبالهم للسيدة زينب على رأس وفد العترة الطاهرة، في أعقاب استشهاد السبط الكريم الإمام الحسين في "كربلاء"، وتمسكهم بإقامة آل البيت النبوي بين ظهرانيهم، مثلما فعلوا مع السيدة نفيسة، أثناء حياتها، وبعد انتقالها إلى الرفيق الأعلى.

ودأب أهل مصر على احترام مقامات الأولياء وآل بيت المصطفى، والتبرك بها وزيارتها، وإقامة الموالد احتفاء، وتعظيما، وحبا، ونظم الشعر وتقديم الطعام في تلك المناسبات الروحية الجميلة. وما فعلوا ذلك، ولا يزالون، إلا قربة لله، ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وتأكيدا على حبهم له.

أما رفض زيارة الأضرحة والمقامات والتبرك بها فهو أمر حديث وغريب على مصر، انتاب المصريين الذين تأثروا بالفكر الوهابي المتطرف، وفي هذا الصدد، يقول المفتي السابق الدكتور على جمعة: "زيارة الأنبياء والأولياء والتوسل بهم أمران مشروعان، أما الزيارة فهي من زيارة القبور وهي مشروعة باتفاق الأئمة؛ فهي مستحبة للرجال باتفاق كافة العلماء".

ودليل الاستحباب قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ» رواه أحمد.
وإذا كانت زيارة القبور مشروعة فإن شد الرحال من أجلها مستحبٌّ أيضًا، وشد الرحال كناية عن السفر والانتقال، والسفر في نفسه ليس عبادة ولا عملًا مقصودًا لذاته في أداء العبادات.

وقد ذهب العلماء إلى أنه يجوز شد الرحال لزيارة القبور؛ لعموم الأدلة، وخصوصًا قبور الأنبياء والصالحين.

أما قوله صلى الله عليه وآله وسلم - المروي في "الصحيحين" وغيرهما: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَـاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الْحَرَامِ، والمسْجِدِ الأَقْصَى» فخاص بالمسـاجد؛ فلا تشد الرحال إلا لثلاثة منها، بدليل جواز شد الرحال لطلب العلم وللتجارة.

وعليه: فإن شدَّ الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين والأقارب مستحبٌّ؛ لأنه الوسيلة الوحيدة لتحصيل المستحب وهو الزيارة، والقول بأنه حرام باطل لا يُعوَّل عليه.
الجريدة الرسمية