رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كأس العالم.. ومزيد من التقسيم والتفتيت!!


تعد آلية التقسيم والتفتيت أحد أهم الآليات التي يستخدمها المشروع الاستعمارى الغربي تاريخيا ضد أمتنا العربية، ويدرك أصحاب هذا المشروع أن وحدتنا هي سر قوتنا، لذلك لابد من وأد أي تجربة وحدوية عربية، لذلك يعد كل زعيم عربي مؤمن بالمشروع القومى الوحدوى هو عدو أصيل لأصحاب المشروع الاستعمارى الغربي، سواء في الماضى أو في الحاضر أو في المستقبل.


وهنا يظهر الزعيم جمال عبد الناصر كأحد أبرز القادة العرب الذين أمنوا بالمشروع الوحدوى العربي، وسعى إلى تحقيقه عبر الوحدة المصرية – السورية، والتي تجسدت واقعا حقيقيا خلال الفترة من 1958 حتى 1961 قبل أن تحاك ضدها المؤامرات لإفشالها، ثم الانقضاض على زعيمها ومحاصرته، في محاولة لإجهاض مشروعه وتجربته الذي يمثل عقبة في طريق المشروع الاستعمارى الغربي.

ومنذ رحيل الزعيم جمال عبد الناصر في مطلع السبعينيات من القرن العشرين، والمشروع الاستعمارى الغربي في نسخته المعدلة الجديدة (الأمريكية – الصهيونية) يحاول بشتى الطرق القضاء على الفكر القومى الوحدوى، بحيث لا تقوم له قائمة مرة أخرى، ولا يولد له زعيم مؤمن به بحجم جمال عبد الناصر، وبما أن مصر هي الدولة العربية الكبرى بين شقيقاتها، وبالتالى لا يمكن أن ينجح أي مشروع وحدوى بعيدا عنها، فقد كان الاستهداف الاستعمارى الغربي الجديد لمصر.

حيث تمكن الغرب الاستعمارى من إقناع الرئيس السادات بالتخلى عن المشروع القومى الوحدوى، ولم يكتف بذلك بل جعل الرجل يؤمن بأن هذا المشروع هو سبب كل الكوارث التي حلت على مصر، فاندفع الرجل بعيدا وارتمى في أحضان العدو الأمريكى، وأعلن أن 99% من أوراق اللعبة في يد الأمريكان، وبناء عليه ذهب إلى كامب ديفيد منفردا، ووقع اتفاقية سلام مع العدو الصهيونى ترتب عليها مقاطعة كل الدول العربية لمصر، وكانت أكبر نجاح للمشروع الاستعماري الغربي الجديد نحو تكريس التقسيم والتفتيت.

وبخروج مصر الإقليم الجنوبي لدولة الوحدة من الحضن العربي، تقدمت سورية الإقليم الشمالى لتقود المشروع القومى الوحدوى، وترفع راية المقاومة في وجه المشروع الاستعماري الغربي الجديد، ويبرز اسم الزعيم حافظ الأسد كقائد جديد مؤمن بهذا المشروع، وحاولت الولايات المتحدة وكيانها الصهيونى استقطابه، مثلما فعلوا مع الرئيس السادات، لكنهم فشلوا في كل محاولاتهم سواء بالترغيب أو الترهيب.

فقد كان رجلا صلبا يمتلك إيمانا وعزيمة لا تلين، وفى الوقت الذي كان الاتحاد السوفيتى القطب الآخر في العالم ينهار لصالح انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالساحة الدولية كقطب أوحد، كان المشروع الاستعمارى الغربي يدق مسمارا جديدا في نعش العروبة، حيث قام الرئيس العراقي صدام حسين بغزو الكويت، وكانت فرصة ذهبية للتدخل الاستعماري الغربي، لمزيد من التقسيم والتفتيت للأمة العربية.

وبعد تحرير الكويت تم الضغط على الزعيم حافظ الأسد، للدخول في مفاوضات سلام مع العدو الصهيونى، لكن الرجل كان من الحكمة والفطنة والوعى بألاعيب العدو، فوافق على الدخول في مفاوضات عربية جماعية مع العدو الصهيونى، وليست مفاوضات منفردة على غرار كامب ديفيد، لكن أثناء المفاوضات جاءت طعنة أوسلو اتفاقية سلام فلسطينى منفردا مع العدو الصهيونى بواسطة ياسر عرفات في العام 1993، يليها اتفاقية سلام أردنى منفردا مع العدو الصهيونى بواسطة الملك حسين بن طلال.

وعلى الرغم من ذلك ظل الزعيم حافظ الأسد يفاوض الأمريكان والصهاينة لمدة عشر سنوات حتى يوم رحيله، ولم يتمكن العدو من النيل من إيمانه وعزيمته وصلابته، وظل مقاوما حتى الرمق الأخير، وعلى الرغم من كل التنازلات والإغراءات التي قدمها له العدو إلا أنه رفض أن يفرط في شبر واحد من الأرض، وقال قولته الشهيرة "من الأفضل أن أورث شعبي قضية يناضل من أجلها على أن أورثه سلاما مذلا ".

وبرحيل الزعيم حافظ الأسد خلت الساحة للمشروع الاستعمارى الغربي، ليمارس كل أشكال التقسيم والتفتيت، والتي برزت بشكل كبير مع انطلاق موجة الربيع العربي المزعوم، واستخدم العدو الأمريكى– الصهيونى الورقة الطائفية والمذهبية والعرقية لمزيد من التقسيم والتفتيت، وهنا برزت سورية من جديد، باعتبارها آخر معاقل المشروع القومى الوحدوى، وبرز معها اسم القائد بشار الأسد الزعيم الجديد الذي وقف منفردا في وجه الغطرسة الأمريكية والبلطجة الصهيونية، مدافعا عن وحدة سورية رافعا راية المشروع القومى العروبي المقاوم.

وعبر السنوات السبع الماضية قام المشروع الاستعماري الغربي باستحداث أدوات جديدة للتقسيم والتفتيت، وكانت أبرز هذه الأدوات هي الجنرال إعلام الأمريكى – الصهيونى في ثوبه الجديد عبر مواقع التواصل الاجتماعى، والذي استخدم ليس فقط في تأجيج الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، وتعميق الفرقة بين الدول العربية، بل ذهب إلى ما هو أبعد بكثير،  فقد وصل إلى إشاعة الفتن والتفرقة بين الشعوب.

عبر ما يبثه من معلومات كاذبة يتم انتشارها دون إعمال للعقل، حيث أصبح الإنسان العربي مسلوب الإرادة وخاضع لتأثير هذه المواقع السحرية التي أصبحت المشكل الأول لوعيه الزائف، وكانت المفاجأة الكبرى والتي أبرزت حجم الفرقة بين الشعوب العربية هي مباريات كأس العالم التي تقام فاعليتها خلال هذه الأيام في روسيا، حيث شاهدنا العجب العجاب، فقد تحولت المباريات من منافسات رياضية إلى ساحة اقتتال سياسي عبر هذه المواقع خاصة فيس بوك.

فقد استخدمت فيها كل مفردات اللغة المبتذلة والبذيئة بل والمنحطة والخادشة للحياء، فكل مواطن عربي يحدد من سيشجع من خلال موقفه السياسي من الدولتين المتنافستين، فإذا كان موقفه السياسي من الدولة إيجابيا، قام بتشجيعها وشن هجوما ضاريا على الدولة الأخرى متهما قيادتها وشعبها بالخيانة والعمالة، وبالطبع كان الهجوم والاتهام الأكبر للدول العربية المشاركة في المونديال، والتي فشلت جميعها في مواجهة الدول غير العربية.

وعبر هذه الحرب الكلامية القذرة على مواقع التواصل الاجتماعى، اكتشفنا حجم الفرقة ليس فقط بين الدول العربية على مستوى حكامها بل على مستوى الشعوب أيضا، وهو ما يعنى نجاح المشروع الاستعمارى الغربي في تحقيق أهدافه، ليس فقط في تقسيم وتفتيت الدول العربية، بل وتقسيم وتفتيت وحدة شعوبها التي ظلت متماسكة لفترات طويلة، لكنها انهارت بشكل مفاجئ عبر مواقع التواصل الاجتماعى الأداة الاستعمارية الجديدة، وإذا كان مشروع الوحدة بين الدول العربية حلما صعب المنال، فإن محاولة إعادة وحدة شعوبنا العربية يعد الآن دربا من دروب الخيال، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
Advertisements
الجريدة الرسمية