رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كدابين الزفّة


للأسف فوجئت بمن يتشفى في الشاب التي ابتلعته ماسورة شفط مياه البحر في قرية "هاسيندا" بدون أدنى اعتبار لحرمة الموت، الذي لا يفرق بين غني وفقير، وقد تكرر الموقف أكثر من مرة فيما يشبه الفتنة في كل حادث يصيب أثرياء مصر، مما يعطي دلالات في غاية الخطورة، إذا لم يتوقف مسئولو الإعلانات في تصوير نصف مصر وكأنها تقيم خلف أسوار الكمبوند والنصف الثاني يتسول العلاج والزكاة والصدقات ووجبات الإفطار كما كان واضحا في كل إعلانات رمضان.


وإذا أرادت الدولة فعلا إصلاح الإعلام فعليها أولا إصلاح الإعلان، لأنه من وجهة نظري سبب كل مصائب الإعلام في هذا البلد وألف باء، الإصلاح هو مكافحة الاحتكار والشللية التي تمكن الهواة والجهلة من صناعة الرأي العام، ذلك أن هناك شركات جديدة تغولت في السوق المصري بدون سابق خبرة، وقامت أكثر من مرة بعمليات اندماج هي في حقيقتها عمليات احتكارية بامتياز، وربما كانت الإعلانات المبالغ فيها قبل المونديال هي التي شحنت الناس ورفعت من طموحاتهم بتحقيق مراكز متقدمة..

وراحت تلك الشركات تمتلك صكوك الوطنية وإطلاق كتائبها على من يتجرأ ويكشف حقيقتها، وقد نجحت بالفعل في تكوين ائتلاف الوطنيين الجدد بالتعاون مع ائتلاف الدببة، فهم الذين يدافعون بالحق والباطل عن أي نقد ولا يتورعون عن اتهام الآخرين بالخيانة والعمالة، حتى لو أبديت بعض الضيق مما حدث في المونديال، وقد سارع السيد نقيب الممثلين بالدفاع عمن سافروا وتبعه ممثل آخر في بيانات مصورة بدون أي حس سياسي..

خاصة وأن الناس انتقدت من سافروا ليس بوصفهم فنانين ولكن لأنهم شوشروا على المنتخب بنشرهم صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي قبل مباراة روسيا، بصورة بدت وكأنها ليلة حنة المنتخب، أي الناس لم تنتقدهم بأشخاصهم، ولكنهم كانوا مثل كدابين الزفّة الذين انتهكوا الحماية النفسية للمنتخب، وتأخذهم العزة بالإثم..

وتخرج إحداهن في وصلة ردح في غاية السوقية للرد على من طالبهم فقط بالسفر على حسابهم، وبعضهم من فرط غيرته على اسم بلدك طالب بالتحقيق فيما جري، وهو لا يقل بشاعة عن صفر المونديال، وإذا كان العيب ليس فيمن انتهك معسكر الفريق ولكنه في إدارة اتحاد الكرة وفِي المدير الفني الذين كانوا كـ "سرحان عبد البصير" في مسرحية "شاهد ماشفش حاجة" لينضموا لشلة كدابين الزفّة..

وليس بعيدا ما جري عن غياب التسويق كعلم ومهنة وفن وإحساس وهو الفريضة الغائبة في هذا البلد، بدءا من الإنجازات الحقيقية وانتهاء بالسلع التي نمتلكها ولدينا فيها ميزات نسبية، ولا يملك أحد أن ينافسنا فيها كالسياحة وقناة السويس والقطن والأيدي العاملة، وبدلا من أن نقوم بالتسويق الجيد لما في أيدينا رحنا نضيف اللمسة المصرية، إما بالمبالغة أو التقصير في معرفة قيمة ما لدينا..

وإذا كنا لا ندري قيمة تلك الثروات فكيف نطلب من الآخرين أن يعرفوها، وخير مثال ما فعلته شركتا الاتصالات والإعلانات في رحلات المونديال في مشهد استفزازي، وفِي توقيت أكثر استفزازا بعد موجة رفع الأسعار التي ضربت كل الفئات تقريبا، وكان يمكن لتلك الشركة أن تقوم بنفس المهمة، وتحقق كل الأهداف لو كان لديها مسئول واحد فيها لديه قدر من العقل والرشد والتخصص، وقام مثلا بإجراء قرعة بين المشتركين، أو دعوة أبناء الشهداء، وتصدير مشكلة الإرهاب في المشهد، ليعرف العالم حجم المعركة التي تخوضها مصر منفردة بالنيابة عن المنطقة والعالم..

أو دعوة الشخصيات التي يعرفها العالم مثل "مجدي يعقوب" و"زاهي حواس" و"عمرو موسى" مثلا، خاصة وإن من تمت دعوتهم لا يعرفهم أحد خارج نطاق القاهرة الكبري، والمصيبة أن كل فكرة نبيلة تتحول لعكسها عند إضافة التتش المصري، وخذ فكرة العمل التطوعي، وهو أرقي القيم الإنسانية، راح بعض مدمني الشهرة يوظفونه بأنانية لمصلحتهم على طريقة اليهودي الذي نعي ولده قائلا كوهين ينعي ابنه ويصلح ساعات، وبدلا من أَن تحقق تلك الخطوة الإعلان الجيد للشركة حدث العكس لدرجة بعض الدعوات على وسائل التواصل بمقاطعة تلك الشركات لسوء اختيارها.

وبغض النظر عن سوء توظيف الحدث الذي يتابعه كل العالم وتلك المصاريف التي تمثل إهدارًا للمال العام، فقد كانت بعض الوجوه الجميلة كافية مثلما نشاهد في مشجعي كل الفرق الكبيرة التي تلعب كرة قدم بجد وليس من خطتها التمثيل المشرف، بل إن المنتخب كان في حاجة لمشجعي الدرجة الثالثة، وهؤلاء هم جمهور الكرة الحقيقي الذي يقتطع من قوته ويجلس الساعات في المدرجات للتشجيع..

ثم إن جمهور ومستهلكي الشركة الحقيقي ليس هؤلاء النجوم الذين يمتلكون عشرات الخطوط من الشركات المنافسة، وهم نفس الوجوه التي لا تتغير، وتجدهم في الساحل الشمالي وبارات وسط البلد والزمالك وعزاءات عمر مكرم حيث الكاميرات في انتظارهم وصفحات المواقع المشبوهة جاهزة للنشر، وهم الذين يحصلون على كل حاجة هم وأولادهم وأحفادهم، وإن لم يعجبنا علينا البحث على أقرب حائط لضرب دماغنا بها على رأي النائبة أمل زكريا، أو على رأي رمز القيم الممثل محمد رمضان اللي زعلان البحر مليان.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل بعض النواب والفنانين ورجال الأعمال وشركات الدعاية والاتصالات فينا وبنا.
Advertisements
الجريدة الرسمية