رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد بهجت يكتب: البيت الكبير

فيتو

في مجلة "صباح الخير" عام 1967، كتب أحمد بهجت مقالا ضمن ذكرياته في شهر رمضان تحت عنوان (البيت الكبير) يقول فيه:


«اليوم أتناول طعام الإفطار في بيت أمي، ففي الأيام العادية تستضيفني أمى مرة في الأسبوع، وفي شهر رمضان أفطر عندها مرتين في الأسبوع.

وأمي تسير في العقد السابع من عمرها، وهي من الطراز القديم الذي انقرض، إنها وكالة أنباء الحي لعائلتنا وللحي الذي نعيش فيه، وهي أعظم طاهية في الجزء اليابس من الكرة الأرضية.

وهي حين تزعق على الشغالة أو البواب ترتج جدران البيت من المهابة، ويخاف منها المكوجي والجزار وبائع الفراخ.

ولئن كان هذا حال أمي أثناء الشهور العادية، فعن حالها في شهر رمضان وهي صائمة لا يمكن تخيله، فالويل لمن يعترض طريقها وهي صائمة، يصيبه ما أصاب من اعترض طريق ملك المغول.

هي مريضة بالسكر والكبد وضعف العينين، وبعد زواج أبنائها اهتمت بالحياة العامة، فهي عضو في الاتحاد الاشتراكي، إذا صادفها الحال المايل لا تسكت.

مشاكلها في شهر رمضان العطش، ومشكلتها مع أبي أنه لا يأكل كثيرا، وهى تشكو بذلك لكل أبنائها، فهي لا يأخذ الكرم عندها غير صورة واحدة هي الأكل.

فمثلا عندما تضع أمام ضيفها طبق محشي ورق عنب، فمعنى ذلك أنه يجب أن يأكله كله، والويل إذا ترك شيئا، وإذا قاوم لعنت أجداد الضيف.

يخرج الطعام من بين يدي أمي وله رائحة عطرة تدفع حواسك نحوه، غير أني لاحظت طول عمري أني لا أشرب الماء بعد الطعام إلا إذا أكلت في بيت أمي.

إن حريقة تندلع في جوفي وأبدأ في احتساء الماء وراء طعام أمي، وهذا معناه أن طعامها حي، عمل فني حي، عمل فني أعظم من مسرحيات الإذاعة والتليفزيون ومؤسسة المسرح.

وصلت إلى بيت أمي وجدتها صائمة نائمة، فأقسى شيء أن تصوم امرأة عجوز تعيش وحدها في بيت ست حجرات، وهذا هو البيت الكبير كما كنا نسميه.

فكم يختلف صوم العجائز عن صومنا؟

من الغريب أن أسميه بيت أمي ولا أقول بيت أبي، رغم أن أبا هو سيد البيت، هو بيت تجد فيه كنافة تذكرك بكنافة جارية عبد الملك ابن مروان، تجد فيه القهوة المحوجة والماء المعطر بالزهر».
الجريدة الرسمية