عربات الفول أولا !!
من سيدي بشر لكوم الدكة، لمساكن شيراتون، للتبليطة في إمبابة، للعاشر، والعبور لمساكن الأربعين بالسويس، لخلف البورصة بالقاهرة، لمقبل في بني سويف، للحواتم بالفيوم، للعلمين أمام بوابة ٦ في مارينا، مرورا بالمنصورة وسوهاج وبنها للعباسية لمطلع المقطم، لحدائق حلوان وحدائق أكتوبر، يلتف المصريون من كل الطبقات الآن صباحا ومساء حول عربات الفول والطعمية والبيض والباذنجان والعيش البلدي الساخن ومعهم الطرشي والبصل والأخضر.
يتناولون وجبة لا تتجاوز الخمس جنيهات، وغالبا ما يحمل كل موظف عددا من الساندوتشات للزميلات اللائي لا يستطعن الوقوف بالعربة، ولا أحد يعرف أن اللمة هي سر الخلطة التي تجذب كل الطبقات إليها، بحكم أنها الوجبة الشعبية الأولى، والتي أبدع المصريون في تقديمها بالزيت أو الزبد أو الطماطم وبالبيض.
مما دفع الأثرياء لإقامة العربة كمشروع في الأحياء الراقية لمزاحمة البسطاء في رزقهم، وهناك بيزنس كبير وعشرات الألوف من العاملين في التسوية والنقل والبيع وتوضيب وإعداد الأطباق والساندوتشات، وقد أصبحت تلك العربات هي مصدر الرزق الوحيد للغلابة، وخاصة على الطرق السريعة، وأصبحت تنافس المطاعم في إفطار الموظفين.
ولهذا قامت المطاعم الكبري بحملات ضد أصحاب تلك العربات تارة بعدم نظافة الأكل ومزاعم حول إضافة مواد كيماوية سامة لتطفيش الزبائن، وقيام أصحاب تلك المطاعم بتحرير شكاوى في الأحياء وشرطة المرافق ضد أصحاب عربات الفول والكبدة والبطاطا والترمس.
وفجأة راحت لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان تناقش مشروع قانون مقدم من الحكومة لتقنين وتنظيم عربات الفول وغيرها من عربات الأكل المناظرة بالشوارع، وأهم شرط هو سداد رسم عشرة آلاف جنيه للحصول على ترخيص مؤقت لمدة ستة أشهر، ويتم تجديده وفقا للشروط التي سيتم الإعلان عنها، والغريب أن يتم ذلك قبل شهر رمضان بأيام، حيث يلتف المصريون يوميا في طقس جميل على السحور، حول تلك العربات أفرادا وعائلات رجالا ونساء.
والغريب أن تلك العربات كانت تخضع لإشراف إدارة الأسواق في الأحياء، ولكن تم إلغاء وإيقاف التراخيص لهذه العربات من عقدين من الزمان، ولهذا تتعامل الأحياء مع تلك العربات على إنها إشكالات طريق، لأنها كانت تشترط في الترخيص القديم أن تكون متحركة، وليست ثابتة، وكانت تحصل على شهادة صحية للبائعين لا تتجاوز رسومها عشرة جنيهات بعد إجراء الفحوص والتحليلات التي تثبت خلوها من الأمراض الفيروسية.
وبينما تتجبر السلطة على أصحاب عربات الفول تترك متعمدة سيارات الأكل الضخمة في الشوارع الكبري بالعاصمة، وتترك أيضا متعمدة عشرات الآلاف من المقاهي في كل شوارع مصر، بل إن هناك أكثر من مائة ألف توك توك على الأقل في شوارع المحروسة بدون تراخيص، ومثلهم من السيارات الملاكي التي تعمل كميكروباص أمام عيون الجميع، وتلك السيارات يمكن أن تضيف لخزينة الدولة مئات الملايين من الجنيهات فقط، ولو تم ترخيصها بدلا من تركها تمرح وتعبث في الشوارع بدون لوحات وإذا ما ارتكبت حادثا لا يستطيع أحد ملاحقتها، ولهذا أصبحت ملكا لكثير من البلطجية وخاصة في العشوائيات.
بل إن مخالفات البناء في شوارع مصر بمثابة فعل فاضح في الطريق العام، ولو كانت الدولة جادة فعلا في تطبيق القانون وتسديد جزء من المديونية المحلية، لقامت بتحصيل تلك المخالفات بدلا من مطاردة المصريين في أرخص وجباتهم والتجبر على البسطاء، وربما يكون من حق السلطة انتزاع العشرة آلاف جنيه من عربات الفول، يوم تطبق القانون، على كل مرتكبي المخالفات في شوارع المحروسة، وإذا فتحنا الملفات فسوف تأتي عربات الفول في آخره وليس أوله.
