رئيس التحرير
عصام كامل

بحر البقر.. قصة الجنون الإسرائيلي ضد مصر!


أمسك طفلك الصغير واهمس إليه.. في مثل هذا اليوم يا حبيبي من 48 سنة العدو الإسرائيلي قتل إخواتك وهم في مدرستهم.. هيسألك فين؟ قوله في مدرسة بحر البقر الابتدائية بمحافظة الشرقية.. ولو سألك ليه.. هما عملوا إيه؟ جاوب على الجزء الثاني من السؤال وقوله لأنهم أطفال أجمل شعب وبعدين اشرحله ببساطة السبب.. شوف يا سيدي:


دول كبرى من اللي بتسمع عنهم دخلوا حروبًا وانهزموا.. والهزيمة لا تقال إلا في نهاية الحرب.. أما المعارك غير الحاسمة فليست محلًا للحكم على الحرب كلها.. ولذلك الدول الكبيرة دي زي ألمانيا واليابان أجبرهم المنتصر على التوقيع على وثائق الاستسلام.. المذل المهين.. ووقعوا فعلا.. مصر خسرت حرب 67 لكن شعبنا البطل رفض أنه يتهزم..

علشان كده انتظر موشيه ديان طويلا استسلام مصر، وجاله الرد بعد المعركة بأيام في رأس العش في موقعة بطولية أسطورية.. ولذلك اختارت الدولة المصطلح الصحيح المرتبط بمعنويات الناس وهو النكسة، والتي سخر منها فئة من المصريين أنفسهم بين سياسيين أصحاب غرض وإعلاميين جهلة لا يعرفون الفرق أصلا بين خسارة حرب وخسارة معركة منها..

ورأينا مؤرخًا كبيرًا يحاول إفهام مذيعة معروفة المفترض أن مهمتها توعية الناس وتعليمهم، وانتهت الحلقة ولم تفهم لأنها أصلا تربية إعلام آخر قلب الحقائق للمصريين، وظل يقول لها هي نكسة وهي ترد: بل هزيمة! حتى ظننا أنها إسرائيلية!

المهم.. الكلام السابق لك وليس لطفلك.. إنما اشرح لطفلك سبب الجريمة التي نتحدث عنها.. أفهمه بأسلوبك أن أبطال الجيش العظيم، وبالرغم من عدم وجود سلاح الطيران استطاعوا أن يحولوا حياة الإسرائيليين إلى جحيم.. وأنه لم يكد يمر يوم بلا عمليات عسكرية فيما نسميه "حرب الاستنزاف".. إلى أن جاء لمصر إعلام تجاهل هذه الحرب تمامًا، وكأنها لشعب آخر ولجيش غير الجيش..

وكأنها ليست بطولات وتضحيات عظيمة لأبناء مصر حتى تولى أمر الجيش شرفاء حقيقيون أعادوا الاعتبار لحرب الاستنزاف الكبيرة.. وللذين سجلوا بطولات من نور ودم في شدوان ولسان التمساح وإيلات الميناء ثلاث مرات وإيلات المدمرة والقنطرة ومئات العمليات بلا مبالغة لأبطال الصاعقة بقيادة البطل الأسطوري إبراهيم الرفاعي الذي عبر رجاله القناة عشرات المرات يدمرون ويفجرون ويقتلون ويعودون بالهدايا للشعب المصري.. وكانت ليست إلا أسلحة نادرة أو أسرى مجرمين!

احكِ لأطفالك لأن هناك من يحاول استبدال العدو بعدو آخر، أن العدو الأول والحقيقي والدائم لمصر واسمه العدو الإسرائيلي لم يستطع وقف حرب الاستنزاف.. فلم يجد إلا الضغط علينا بضرب المدنيين.. فعلها في مصنع أبو زعبل وبعدها بأسابيع في بحر البقر.. وكانت آخر جرائمه.. فبعدها بأيام انتهت مصر من بناء حائط الصواريخ العظيم ليصبح طيران العدو خارج المعادلة تمامًا!

احكِ لابنك أن العدو اغتال 30 أخًا له.. وأصاب 24 وكتب صلاح جاهين قصيدته التاريخية "لموا الكراريس" وفيها قال "دى لطفـلة مصرية وسمرا.. كانت من أشـطر تلاميذى.. دمها راسم زهرة.. راسم رايـة ثورة"! وكتب فؤاد حداد قصيدته المؤلمة "مدرستي" فقال: "مدرستى.. بحر البقر الابتدائية.. كراستى.. مكتوب عليها تاريخ اليوم.. مكتوب على الكراس اسمي.. سايل عليه عرقي ودمي.. من الجراح اللي في جسمي.. ومن شفايف بتنادي.. بلادي بلادي"!

اشرح لابنك أنه ممكن هو نفسه لما يكبر يأخذ بثأر اخوته.. لكن ممكن هو نفسه الظروف وقتها تمنعه.. فعلمه يحكي هو كمان لأولاده.. وهكذا حتى يولد الجيل الذي سيأخذ بثأر الجميع ويسترد الأرض والمقدسات حتى لو بعد ألف عام.. واشرح له معنى أن يعرف تاريخ بلده.. ولا يقع فريسة لعمليات مسح الذاكرة الوطنية التي تتم منذ سنوات.. ولا يصح أن يعرف أطفالنا تاريخ وقصص نجوم الكرة ومطربي الجاز والراب بل ومطربي أغاني المهرجان ولا يعرفون أصل وتفاصيل مشاهد غالية وعزيزة في تاريخهم وقوله إنك حكيت له أو لا...

فالعدو يحكي لأطفاله كل شيء إنما بالمعكوس ويدربهم على ألعاب نحن فيها العدو الذي يجب قتله، ولذلك لا يعطي أذنيه لمن يتحدثون عن توقف خطاب الكراهية.. لسبب بسيط جدًا وهو أنها دعوة غير موجودة إلا هنا.. عندنا.. بينما على الجانب الآخر الكراهية ذاتها بشحمها ولحمها! المجد لكل شهدائنا!
الجريدة الرسمية