رئيس التحرير
عصام كامل

مع «المصري اليوم».. ضد «المكارثية»


جعل الأستاذ مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، من نفسه قاضيًا وجلادًا في آن واحد عندما أصدر قرارًا بتغريم صحيفة "المصرى اليوم" وإحالة رئيس تحريرها ومحررة بالموقع الإلكتروني للتحقيق معهما بنقابة الصحفيين؟، وللأسف لم يجر تحقيقًا قبل أن يصدر مثل هذا القرار الغريب والمثير للجدل؟ ولم يستند إلى أي قانون، ثم.. ماذا لو برأت النقابة الزميل محمد السيد صالح والزميلة المحررة بعدما عاقب الأستاذ مكرم صحيفتهم بهذه الغرامة الكبيرة، ثم على أي شيء تعتذر الصحيفة وما هو الخطأ الذي ارتكبته ويستوجب الاعتذار؟


لقد أفزعنى وهالنى قرار المجلس الأعلى للإعلام بشأن "المصرى اليوم" باعتباره نوعا من "المكارثية الإعلامية" المرفوضة من جموع الصحفيين والإعلاميين في مصر والعالم أجمع وباعتباره "يكمم أفواه الصحف" ويجعل أيادي محرريها ومبدعيها مرتعشة خوفا من الملاحقة والعصف بهم، كما أحزنني قراره بتغريم موقع مصر العربية- أيا كانت هويته- 50 ألف جنيه لنشره تقريرا مترجما نقلا عن "نيويورك تايمز" بعنوان "المصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات" بجريرة أن "ناقل الكفر كافر".

أتفهم أن يصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قانونًا من أجل ضبط الألفاظ التي تصدر إلى المشاهدين من القنوات الفضائية، بعدما تحول التحاور في بعض القضايا إلى أسلوب ردح، وأن يصدر قرارا بإيقاف الإعلانات المسيئة للمجتمع وللدول الأخرى مثل إعلان شركة المحمول "We"، لكننى لا أجد تفسيرا منطقيا لمعاقبة صحيفة بسبب مانشيت عبر عن حقيقة أن أجهزة الدولة حشدت الناخبين في اليوم الثالث لانتخابات الرئاسة بشكل مهنى وحرفى بارع لم يسئ إلى الدولة في شيء.

من يقبل بهذه المكارثية يقبل بحبس الصحفيين في قضايا النشر، وأظن أن هذا القرار يمهد لأرضية غير إيجابية ومناخ غير صحى يسبق إصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي يحارب الصحفيون منذ سنوات من أجل إصداره منزوع الحبس في قضايا النشر، وكما قال صديقى عماد الدين حسين رئيس تحرير "الشروق"، فإن الخوف كل الخوف في هذا القانون المنتظر أن يأتى الغدر من "القادمين من الخلف"، وهو تعبير كروى مجازى يعبر عن اولئك الذين يخرجون في اللحظة الأخيرة ويفاجئوننا بما لم يكن في الحسبان من مواد تصدمنا وتهدر كل حقوقنا وحريتنا في التعبير.

للأسف يأتى هذا القرار الغريب الذي اتخذه مكرم محمد أحمد بعد أيام من معارضته لاحتجاز الإعلامي خيرى رمضان، وبعد أيام أيضا من كلمته أمام فعاليات الملتقى الإعلامي العربي للشباب بجامعة الدول العربية، وقال فيها إن قرارات "الأعلى للإعلام" تحمى حرية الرأى والإبداع وإن مجلس تنظيم الإعلام لا يمثل السلطة التنفيذية الحاكمة، ويمثل الدولة المصرية بأكثر مما يمثل حكومتها، يوازن عسف السلطة وضيق خياراتها ومعاناتها المستمرة من غياب حلم الحرية.

يبدو أن الأستاذ مكرم تنطبق عليه مقولة "عاد لينتقم" فبدأ عهده كرئيس للمجلس الأعلى للإعلام بـ"ذبح القطة" لرئيس الهيئة الوطنية للإعلام وبـ"خناقة" حول أيهما أكثر استحقاقا لمقر وزير الإعلام في ماسبيرو، وكان عليه أن يتشاور مع الأستاذ كرم جبر رئيس الجهة المعنية بالصحافة القومية قبل اتخاذ هذا القرار أو مع نقيب الصحفيين، ولا أظن أن الأستاذ كرم بحكم كونه أستاذى في المهنة طوال أكثر من 16 عاما يقبل بهذه المكارثية، لكنه لم يفعل، ويبدو أن كلام الأستاذ مكرم في المنتديات والمؤتمرات شيء وما يتخذه من قرارات وهو على كرسى السلطة شيء آخر.

والحقيقة أننا لم نرَ أي وزير سابق للإعلام في أي عصر من عصور مصر، ولم نر المجلس الأعلى للصحافة يمارس هذه المكارثية الإعلامية بحق أي صحيفة مصرية حزبية كانت أم مستقلة.

لقد تصادمنا– دفاعا عن حريتنا– مع أجهزة الدولة عندما كان الأستاذ يحيى قلاش نقيبا، وبعد مجيء الأستاذ عبد المحسن سلامة رافعا شعار التهدئة التزمنا الهدوء وتجنبنا الصدام، انطلاقا من الضرورات الوطنية ومقتضيات المرحلة الصعبة التي تمر بها البلد، غير أن قرار "الأعلى للإعلام" الصادم والغريب قد يثير حالة حراك بين كل المناصرين لحرية التعبير في مصر.

أقول للأستاذ مكرم إن دولة مثل أمريكا التي لا يتجاوز عمرها الـ330 سنة، لم تصبح القوة العظمى الوحيدة في العالم إلا باحترامها لحقوق الإنسان وكفالة الحريات وحق التعبير، حتى إن جورج واشنطن أول رئيس لها استهل حكمه بمقولة مأثورة "إذا سلبنا حرية التعبير عن الرأي سنصير مثل الدبة البكماء التي تقاد إلى المسلخ".

الرئيس السيسي نفسه قال في الحوار الذي أجرته معه المخرجة ساندرا نشأت قبل الانتخابات الرئاسية: "اتكلموا زي ما أنتو عايزين، والناس حرة تماما في كل آرائها وتصرفاتها... اللي مش حرة فيه بس هو أن تؤذي البلد بعمل عنيف"، فهل يخالف الأستاذ مكرم كلام الرئيس السيسي ويصادر على مهنة أصحاب الرأى حقهم حتى في نشر الحقائق وليس حقهم في التعبير.

في زمن مبارك صدر قانون 148 لسنة 88 لينص على أن الصحافة سلطة رابعة بعد السلطات الثلاثة "التنفيذية والتشريعية والقضائية"، بما يعنى تقديرا وتكريما لمهنة نالت لقب صاحبة الجلالة، اليوم في زمن مكرم محمد أحمد الذي كان يومًا للأسف نقيبًا للصحفيين في زمن مبارك، ويدرك قيمة حرية الصحافة، تتعرض الصحافة للإهانة ونرى رؤساء تحرير ومحررين يحالون للتحقيق ليس لإتهامهم حتى بسب وقذف مواطنين وإنما لأنهم كتبوا عنوانًا مهنيًا صادقًا ومعبرًا.

أخيرا.. أعلن- كمواطن مصرى أؤمن بحرية التعبير قبل أن أكون عضوا بنقابة الصحفيين– تضامنى مع "المصرى اليوم" و"مصر العربية"، وأرفض قرار المجلس الأعلى للإعلام باعتباره عنوانا صارخا لكبت وتقييد حرية الإبداع والتعبير.

الجريدة الرسمية