رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كبير الأثريين: مكانة المرأة في مصر الفرعونية وصلت للتقديس

فيتو

قال مجدى شاكر كبير أثريين بوزارة الآثار، إن اليوم العالمي للمرأة يوافق الثامن من مارس حسبما أقرته الأمم المتحدة عام ١٩٧٧ تخليدا لذكرى عاملات النسيج اللائى خرجن في مظاهرة كبيرة عام ١٩٠٩ اعتراضا على الظروف القاسية التي كن يعملن فيها ولكن العالم لم يعرف أن المرأة في مصر القديمة من آلاف السنين سبقن العالم وأخذن كل الحقوق.


ورصد "شاكر" كيف أخذت المرأة حقوقها، مَن المرأة ؟ هي الابنة والأخت والزوجة وأعظمهما الأم، مشيرا إلى أنه لن تتقدم أو تزدهر أمة إلا إذا تم إعدادها لتتبوأ المرأة أدوارها الحقيقية، وتمكينها من حقوقها كاملة فهى نصف المجتمع والحقيقة نحن نشهد ردة في حقوق المرأة، مقارنة بما كانت عليه في العصور القديمة.

وأضاف "شاكر" لم أجد ما نعرضه اليوم أفضل مما قاله الوزير الحكيم بتاح حتب في وصاياه، منذ أكثر من 3500 عام، ما نصه حسب الوصايا:

1- إذا أردت الحكمة فأحب شريكة حياتك.... اعتن بها كي ترعي بيتك... قربها من قلبك فقد جعلها الإله تؤامًا لحياتك زودها بكسوتها ووسائل زينتها وزهورها المفضلة... وعطرها المفضل... كل ذلك سينعكس على بيتك ويعطر حياتك ويضيئها.

2- اعمل على سعادتها..ففي سعادتها سعادتك وسعادة قلبك.. حافظ عليها مادمت حيا.فهي هبة الإله الذي استجاب لدعائك.. فانعم بها ولا تفرط بالنعمة التي وهبها الله لك.

٣- لن تحافظ عليها بالقسوة والطغيان..بل ستاثرها بالحنان.. فالمعاملة الحسنة تفعل أكثر من القوة... قدم لها الزهور صباحا واحفر في جبال النوبة واستخرج لها الذهب وقدمه بين يديها ولا تكن قاسيا أبدا لكي لا تثير غضب الرب.

٤- حس بآلامها قبل أن تتألم وبجوعها قبل أن تجوع..أنها تعيش في انفاسك.. وفي نظرك.. وفي جسدك.. أنها أم أولادك.. إذا أسعدتها أسعدتهم... وفي رعايتها رعايتهم... إنها أمانة في يدك وفي قلبك... فنت المسئول عنها أمام الإله الأعظم الذي أقسمت في محرابه أن تكون أخا وأبا وشريكا لحياتها المرأة المصرية هي رمانة الميزان ومركز الدفع والتحفيز على العمل والإبداع وشحذ الهمم والطاقات لدى رجال مصر العظام.

وتابع كبير الأثريين: سبقت مصر العالم في احترام المرأة ومنحها حقوقها كاملة. وتمتعت المرأة في مصر القديمة بمكانة عالية وحظت حقوق كثيرة لم تحظ بها مثيلاتها في العالم القديم، بل في العصر الحديث إلا منذ فترة قريبة، وكان دور المرأة في مصر القديمة كبيرًا ومهمًا للغاية؛ وكانت مساوية للرجل، ومشاركة له في الحياة، وملازمة له في العالم الآخر، وكانت سيدة مجتمعها ووصلت إلى أعلى درجات التقدير فيه وكانت خير رفيق للرجل في الدنيا والآخرة، وامتازت بالسبق والإبداع والتميز في مجالات عدة.

وحملت العديد من الألقاب سواء في البيت أو في القصر أو المعبد أو في المجتمع، وشجع المجتمع المصري القديم على الزواج ونصح الحكماء بالإقدام عليه في سن مبكرة. وكانت سيدة في بيتها. وتنوعت أدوارها في مجتمعها منذ بداية الحضارة الفرعونية، وحملت من الألقاب ما يدل على ذلك مثل لقب "نبت بر" أي "سيدة البيت"، مما يدل على عظم المكانة والتقدير الذي حظيت به في بيت زوجها. فكانت تقوم بأعمال بيتها وتساعد زوجها في عمله مثل العمل في الحقل وأعمال الزراعة وعمل السلال والحصر وتربية الماشية والطيور وطحن الحبوب وتجهيز العجين وخبز الخبز والفطائر في الفرن وصناعة الجعة وورش النسيج، وكانت تعمل كمربية للأبناء والبنات في بيوت كبار رجال الدولة والملوك، وكن أيضًا يعملن في المعابد، وكان البعض منهم يجيدن القراءة والكتابة والحساب.

ومنذ عصر مبكر حكمت المرأة البلاد بانفراد مما يدل على عظمة الشخصية المصرية ومدى تحررها وانفتاحها والسماح للملكات بأن يعتلين عرش مصر مثل الرجال، وكان إسهامها في ذلك لا يقل عن إسهام الرجل.

وكان دور بنات الملوك مهمًا وحلقة وصل في سلسلة تتابع الملوك على العرش نظرًا لما يجري في عروقهن من دم ملكي، وكان لمن يتزوجهن الحق في أن يصبح حاكمًا على مصر، ويوضح ذلك دور الملكات المصريات الرائد وعظمتهن في انتقال الحكم، وفي تكوين ملوك مصر العظام.

وكان يتم تكليف الملكة الأم بحكم البلاد نيابة عن ابنها، الملك الطفل، وتعد هذه الواقعة التاريخية من أوائل الحوادث في هذا السياق، وكان دور النساء مهمًا في الحفاظ على عرش البلاد لأبنائهن حتى يبلغوا سن الرشد، وقد تردد العالم الحديث في اتباع نظام وصاية النساء على العروش، وتم اتباعه في مصر القديمة؛ نظرًا لأن الأم هي الشخص الأكثر ولاء ووفاء وإخلاصًا لابنها الملك الطفل؛ فضلًا عن كونها تنتمي بالدم للعائلة المالكة، وأيضًا كانت متدربة على تحمل مسؤوليتها التاريخية والدفاع عن ابنها الطفل حتى يشب عن الطوق، وكانت الأمهات، وليس الآباء أو الأخوة، اللائي يقومن بهذا الدور المجيد حين يرحل الزوج فجأة وهذه السنة الحسنة سوف يسير عليها العالم بعد ذلك وتصبح من أدبيات وآليات انتقال الحكم في دنيا الحكم والسياسة.

وكانت علاقة المرأة قوية وقائمة على الحب مع زوجها وكانت محل تقدير أبنائها، وصورت المرأة واقفة إلى جوار زوجها في حجم مقارب لحجمه، وتطوق جسده بذراعها، وتضع يدها اليمنى أسفل صدره، وتلامس بيدها اليسرى ذراعه الأيسر في حنان وحب واضحين، ويعد هذا التصوير الفني بورتريها حضاريا معاصرا يعبر عن قمة الحب والتراحم والحنان والتواصل بين الرجل والمرأة في المجتمع المصري القديم، ويمثل الزوج في صورة إنسانية كزوج محب لزوجته وشريكة كفاحه.

وشاركت المرأة المصرية في الدفاع عن الوطن مما يوضح عظمة الدور الذي من الممكن أن تقوم به النساء في تحرير الأوطان وشحذ همم الرجال من الأبطال كي يعيدوا لمصر كرامتها وعزها، وكان للملكة المناضلة تتي شري دور كبير في تحرير مصر من احتلال الهكسوس على يد حفيدها الملك أحمس الأول الذي حرر مصر من الهكسوس وطاردهم إلى خارج الحدود المصرية، وكانت تتي شري وأمه أياح حتب هما الدافع الأساسي وراء تحرير البلاد من محنة احتلال الهكسوس، وفي هذا ما يوضح عظم دور ملكات مصر العظيمات في الدفاع عن أرض مصر الخالدة، وتنشئة الملوك الأبطال الجديرين بحكم مصر، وساهمت أمه الملكة إياح حتب الأولى في تسيير الفرق العسكرية، ولعبت دورًا في الدفاع عن طيبة، وحمت مصر واعتنت بها وبالجنود، وقامت بأداء الشعائر، وجمعت الهاربين وأعادت الفارين، وأنزلت السلام والسكينة على مصر العليا، وطردت المتمردين، وعُثر ضمن آثارها على عدد كبير من الآثار العسكرية مثل فأس يدوية وخنجر وذبابات ذهبية كانت تُستخدم كأنواط عسكرية مما يؤكد على دورها العسكري الفريد.

وحملت الملكة أحمس- نفرتاري اللقب الديني الكاهنة الثانية للإله آمون، ومن خلال هذا اللقب منحها زوجها أحمس الأول وأبناءها للأبد العديد من الأوقاف، وكذلك منحها اللقب الديني الجديد "الزوجة الإلهية للإله آمون" الذي جلبه لها الكثير من الثروات، وهو من الألقاب الجديدة التي ارتبطت فيها نساء البيت المالك بعبادة الإله، ويعد لقب الزوجة الإلهية للإله آمون لقبًا كهنوتيًا ليس إلا، ولم تكن حاملة هذا اللقب زوجة فعلية للإله، ومن خلال هذه الثروات الطائلة التي خصصت لتلك الملكة المعشوقة من زوجها الفرعون، صار ممكنا لهذه الملكة القيام بالعديد من القرابين والطقوس، وأصبح اسمها موجودًا في عدد كبير من المعابد.

ونظرًا لأن تحتمس الثالث كان طفلًا، وكانت أمه إيزيس غير مؤهلة للوصاية عليه لأنها ليست من الدم الملكي، وقامت المرأة الطموح والقوية الملكة حتشبسوت بالوصاية على ابن زوجها لفترة ما ثم داعبها طموحها وبريق السلطة وروعة العرش وإغراء الحكم، فتصرفت كأنها ملك ذكر، وتم ذكرها في النصوص وتصويرها في المناظر في هيئة الملوك من الرجال، وكانت الملكة حتشبسوت عظيمة العظيمات، وجميلة الجميلات، وأفضل النساء، والمرأة القوية التي هزت الدنيا وغيرت الرياح في اتجاهها، وجعلت الجميع يحنون إجلالًا وتعظيمًا لتلك المرأة التي خلبت الجميع بجمالها، وسحرها، وقوة شخصيتها وثراء الأحداث في فترة حكمها اللافت في تاريخ مصر القديمة، وقدرتها الكبيرة على إدارة حكم البلاد.

وتعد المرأة الذكية وصاحبة الشخصية القوية الملكة تى هي الزوجة الرئيسية للفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث، ولعبت تى دورًا كبيرًا في حياة وحكم زوجها وأنجبت له وريثه وولى عهده الملك أخناتون، وفى العقيدة الدينية والملكية لفترة حكم زوجها، اعتبرت الملكة تى إلهة السماء الأم.

وتشير الآثار من عهد أمنحتب الثالث إلى أهمية زوجته تى طوال فترة حكم زوجها؛ فعثرنا على عدد كبير من التماثيل في أحجام ومواد مختلفة تصورها مع زوجها، بينما تظهرها النقوش تساعده في كثير من طقوس العبادة، وتشاركه في الاحتفالات خصوصًا الاحتفال الخاص بجلوسه على العرش، ووصف أحد النصوص الملكة تى بأنها ترافق الملك أمنحتب الثالث مثل الإلهة ماعت حين ترافق إله الشمس رع، وأقام الملك بحيرة للراحة والاستجمام في بركة هابو في غرب الأقصر حبًا لزوجته الغالية قوية الشخصية والحضور الطاغى الملكة الذكية تى، ونرى حكام الشرق الأدنى القديم العظام يتوددون للملكة ويطلبون توسطها لدى أمنحتب الثالث وولدها أخناتون؛ نظرا لأهمية دورها وعظم قدرها في البلاط وعند زوجها وابنها.

وفاقت قوة المرأة الجميلة الملكة نفرتيتى قوة الرجال، وشاركت في أمور الحكم، وكانت ذات دور كبير في تحريك السياسة وتوجيه دفة الحكم في عهد زوجها الملك أخناتون، وربما حكمت نفرتيتى بعد وفاته قبل توت عنخ آمون.

وكانت جميلة الجميلات نفرتارى ملكة قوية ومؤثرة بقوة في عهد زوجها الملك رمسيس الثانى، ولعبت دورًا كبيرًا في الشئون الدبلوماسية في الدولة المصرية العريقة؛ نظرا لما كانت تتمتع به من مهارات عديدة مثل فنون الكتابة والقراءة وأصول وفنون علم المراسلات الدبلوماسية، فأفادت بمهاراتها الكبيرة مصر وزوجها، فضلًا عن حبها لزوجها الملك مما جعل من قصة حب رمسيس الثانى ونفرتارى أعظم قصص الحب والعشاق التي خلدها الإنسان في الحجر والفن قبل أن يخلدها في فنون الأدب والقول.

وكان من فرط وعظم حب وإعزاز وتقدير رمسيس الثانى لزوجته المحبوبة نفرتارى هو تصويرها معه في معظم آثاره، وبناء الآثار الكبيرة والجميلة لها مثل معبدها في أبوسمبل، وتم السماح لبعض الملكات بتشييد مقابر ملكية بين ملوك مصر الخالدين من حكام مصر تكريمًا وتقديرًا لهن، ومن فرط حب رمسيس الثانى الشديد لزوجته نفرتاري أمر الملك المعظم بإنشاء مقبرة رائعة لها في وادى الملكات.

ولم يقتصر الدور على الملكات بل شغلت المرأة كل الوظائف وكان لها كل حقوق وواجبات الرجل فشغلت كل الوظائف فهى الكاهن (آخرها مقبرة الكاهنة حتبت التي أعلن عنها في الهرم) وطبيبة وقاضية وسيدة أعمال له حق التملك والبيع والشراء وتساعد زوجها في زراعته ولها حق اختيار الزوج وحق الانفصال والتعويض المناسب والميراث وتوزيع أملاكها ويكفى انها كانت تلبس ما تشاء من ملابس شفافة تظهر فيها كثير من جسدها وتمشى بحرية دون أن يلوثها أحد بنظراته أو كلامه.

وكانت المرأة في مصر القديمة هي سيدة المجتمع المصري القديم بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وحصلت على ما تحصل عليه مثيلاتها إلا في العصر الحديث بل سبقته وتفوقت عليه وتتمنى سيدة اليوم أن تعود لذلك العصر.
Advertisements
الجريدة الرسمية