رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الحليم حافظ يكتب: دروس من الحياة

فيتو

في مجلة الكواكب عام 1959 كتب المطرب الفنان عبد الحليم حافظ مقالا قال فيه :


" إن كنت لم أخرج من الجامعة فإنني أؤكد أن جامعة الحياة أعمق في دروسها وأبلغ أثرا ولي دروس وعبر كثيرة منها. أول درس المرض علمني المرض حكمة كنت أسمعها وأرددها كالببغاء، ولا أفهم معناها وهي أن الصحة تاج فوق رءوس الأصحاء لا يراه إلا المريض".

وتابع:" علمني المرض أن الصحة أثمن ما فى الوجود، وعلمني المرض أن الناس يحبونني، وأن هذا الحب كنز أكبر من كل الأرصدة في البنوك. وحين ذهبت إلى لندن للعلاج لم أشعر يوما أنني بعدت عن القاهرة، فقد كنت كل يوم أتلقى عشر مكالمات ومائة خطاب ووفودا تجئ وتروح تطمئن على حالي وتتمنى لي الصحة والراحة".

وأضاف :" علمني المرض درس الطاعة، فإنني أخللت بشروط ونصائح الأطباء بضع مرات، وكانت النتيجة أن دفعت الثمن غاليا أياما قضيتها في فراش المرض. فما أحلى درس الطاعة وما أنفعه. علمني المرض الصبر، فالليالي الطوال في الفراش البارد تحطم الأعصاب لكني مرغما صبرت عليه، فما باليد حيلة".

واستطرد "عبد الحليم في مقاله:" إلا أن المرض علمني أن اقرأ كثيرا في كل المجالات، ومن قراءاتي الكثيرة زاد وزني في الفكر والعمق والتأمل. الدرس الثاني "الحب" علمني الحب كيف أحس فإن دروس الحب لا تقل في نفعها عن دروس الموسيقى، وإذا كنت لم أجرب حبا اعتبره حب العمر، فإن زورق الحياة يمضي بنا ولا يخلو أمره من نسمة رقيقة تمنحه إلى الأمام دفعة".

وتابع:" هذه النسمات مرت في حياتي وعلمتني أن الحب الحقيقي هو الحب الذي لا مصلحة فيه ولا تجارة، لا مساومة، وهو الحب الذي يخلو من تهمة التدبير السابق والترصد. فأنت لا تقول لنفسك سأحب هذه الفتاة وأكره تلك. لكن الحب أحلى ما في الحياة، وأحلى ما فيه العذاب، وأدعو لكم بالحب مش بالعذاب فالحب هو الحياة".

وأختتم "عبد الحليم" مقاله قائلا:" الدرس الثالث (الشهرة ) حبي في الشهرة مع حرصي على كرامتي علمني أن أشد حيلي وحدي وأمضي على الطريق، ولما حصلت على الشهرة تعلمت أن لها ثمنا يجب أن يدفع. المظهر، السيارة، الملبس، وكل هذه أعباء لا فرار منها غير أن الثمن أفدح، وهو بعدي عن الناس، عن الحياة البسيطة، غير أنني أدفع هذا الثمن راضيا".
الجريدة الرسمية