رئيس التحرير
عصام كامل

خبير الشأن الروسي الدكتور عمرو الديب: المخابرات المصرية تشارك في تأمين المونديال

فيتو


  • عودة السياحة الروسية لمصر مرتبطة بتنظيم كأس العالم
  • الرحلات الجوية الروسية تعود لمصر نهاية فبراير أو أول مارس
  • العلاقات بين مصر وروسيا تفوق الحسابات الشخصية
  • محطة الضبعة النووية تُبني بقرض مدته 30 عاما دون فوائد
  • قوة العلاقات بين روسيا ومصر دفعت واشنطن للتودد لمصر وتقديم التنازلات
  • أردوغان خادع بوتين بوعود وهمية ودور موسكو في سوريا ليس حماية الأسد
  • أردوغان يحاول بناء الإمبراطورية العثمانية من جديد على حساب سوريا


عاد الدب الروسي لاحتضان الفراعنة مرة أخرى خلال الأعوام القليلة الماضية ليستعيد الجانبان مجد علاقاتهما الثنائية شديدة القوة التي كانت قد تراجعت منذ عقود في صورة تعاون عسكري، ثقافي، سياسي، واجتماعي يظلله تفاهم الرئيسين الروسي والمصري فلاديمير بوتين وعبد الفتاح السيسي.

حاورت "فيتو" الدكتور عمرو الديب الباحث بالعلاقات الدولية في روسيا والذي كشف لها كواليس التعاون الروسي المصري وتفاصيل عودة الرحلات الروسية والسياحة إلى مصر، بالإضافة للدور الذي تلعبه موسكو إقليميًا ودوليًا ومستقبل الأوضاع في المنطقة.

وإليكم تفاصيل الحوار..


* في البداية.. كيف تصف طبيعة العلاقات بين الجانبين المصري والروسي الآن؟
بشكل عام، روسيا بالنسبة لمصر دولة مهمة جدا منذ قديم الأزل باعتبارها الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي والتي تملك كل قوته النووية والصناعية والزراعية مما يجعلها قوة لا يستهان بها خاصة بعد دخولها أزمة جورجيا واجتياحها لها والتي أثبتت من خلالها للعالم عودتها عسكريًا بقوة.

وعلى ذلك، فإن دعمها للنظام المصري أمر شديد الأهمية خاصة بعد عودتها لما كانت عليه في حقبة الستينات من خلال الزيارات المتبادلة والتعاون المشترك خلال السنوات الأخيرة الماضية، والذي تضمن الموافقة على بيع طائرات ميسترال الفرنسية إلى مصر بدلا من روسيا.

بالإضافة إلى ذلك فإن قوة العلاقات بين روسيا ومصر دفعت الولايات المتحدة للعودة إلى التودد لمصر من جديد وتقديم التنازلات إلى القاهرة خوفًا من تحولها لصداقة روسيا والتخلي عن الولايات المتحدة.

* معنى ذلك أن التقارب المصري الأمريكي خلال الآونة الأخيرة ينافي التعاون مع روسيا؟
السياسة الدولية الحالية لا تصلح لتبني مبادئ سياسة المعسكرات فليس من الصحيح القول إن دولة معينة في تحالف مع واحدة ضد الأخرى خاصة وأن روسيا وأمريكا - المتنازعتين ذاتهما - يوجد بينهما تحالفات في أمور مشتركة فالجميع له علاقات مع الجميع ولكن بوجود خطوط حمراء.

* ما مدى التفاهم بين الرئيسين بوتين والسيسي؟
التفاهم الإيجابي بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين يلقي بظله الإيجابية على التعاون بين البلدين بالطبع، على عكس ما كانت عليه الأوضاع وقت حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذي كانت علاقاته بنظيره الروسي سيئة وهو ما ألقى بظلاله على طبيعة العلاقات بشكل سلبي.

وتتأثر العلاقات المصرية الروسية على جميع مستوياتها بالعلاقات الجيدة بين السيسي وبوتين على جميع المستويات السياسية والثقافية والعسكرية، فهناك من 6 إلى 7 آلاف مصري يدرسون في روسيا الآن، بالإضافة لأعداد كبيرة من الروس يدرسون في مصر خاصة بجامعة الأزهر.

* مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في البلدين، ما توقعك لمستقبل العلاقات بينهما خلال الأعوام المقبلة؟
العلاقات الروسية المصرية الحالية والتي تتضمن مشروع الضبعة النووي تشمل قروضا مدتها 30 عاما دون فوائد، بالإضافة لمنطقة صناعية في قناة السويس وتعاون عسكري غير مسبوق بين الطرفين، مما يجعل طبيعة التعاون بينهما أكبر من شخصي الرئيسين ليصبح ارتباطًا بين دولتين وليس أفرادا.

* من وجهة نظرك، هل تؤثر العقوبات الأمريكية التي تم فرضها مؤخرا على روسيا على مسار العلاقات بين القاهرة وموسكو؟
تلك العقوبات الأخيرة التي يمكن وصفها بـ"الضئيلة" تستهدف بعض الأشخاص الروس بعينهم غير المرحب بهم حتى من قبل إصدار العقوبات، وبالتالي فإنها لن تؤثر بقدر تأثير عقوبات تكون أوسع نطاقا منها مثل طرد الدبلوماسيين.

* بصفتك قريب الصلة بموسكو ومطلعا على مدى تطورها التكنولوجي في المجال النووي، ما قناعاتك بوسائل تأمين مفاعل الضبعة؟
ليس من الصحيح الحديث عن وجود عسكري روسي في الداخل المصري ولكنّ هناك حلولا بديلة مثل تمركز سفن في البحر المتوسط أو توفير الحماية من خلال الأقمار الصناعية لنفس المنطقة التي يريدون حمايتها وهي مهمة يمكن لقاعدة محمد نجيب العسكرية المصرية في الوقت الحالي توليها.

* ما تعليقك على توقيت عودة الطيران الروسي إلى مصر؟ وما سر تأخره حتى الآن؟
عودة حركة الطيران بين موسكو والقاهرة ذات صلة ببعض الأمور الأمنية والفنية وليس له أي دوافع سياسية وبالفعل وقعت مصر مع موسكو بروتوكول العودة، وكان من المفترض أن يتم التنفيذ في بداية شهر فبراير، ولكن التأخير في الوقت الحالي متوقف على شركتي الطيران المصرية والروسية مصر للطيران وإيروفلوت.

ويعود التأخير الحالي في التطبيق الرسمي لعودة الطيران إلى ظروف فنية وتقنية وإجرائية بحتة، ولكن المهم هو عدم ربط عودة حركة الطيران بحركة السياحة لأنها ستعود لا محالة ولكن بعد تنظيم بطولة كأس العالم.

وتعتبر عودة الرحلات الجوية بين القاهرة وموسكو في صالح روسيا في الوقت الحالي لأن كأس العالم سيتضمن توجه عدد كبير من المصريين لزيارة روسيا لتشجيع منتخبهم الوطني كما ستستفيد مصر من إعادة الرحلات في التوجه للخطوة التالية وهي عودة السياحة.

* ما تفسيرك لحرص الرئيس الروسي على إجراء زيارة خاطفة لمصر خلال توقيع عقد الضبعة، وما رسائل بوتين السياسية بتعمده زيارة القاهرة بعد دمشق؟
ارتبطت الزيارة بكواليس نهاية العام في روسيا الذي يقدم فيه الرئيس الروسي كشف حسابه لنهاية العام للمواطنين في موسكو إلى جانب رغبته في مناقشة بعض الأمور مع الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن التعاون المصري الروسي في الداخل المصري وفي دول الجوار وهو ما أسفر عن قرار بعودة الرحلات الجوية الروسية إلى مصر والتوصل بعدها لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار بثلاث مناطق في سوريا.

* إذن.. هل تلعب روسيا دورًا في معاونة مصر بمكافحة الإرهاب في الوقت الحالي؟
مصر هي من تساعد روسيا في مكافحة الإرهاب بشكل كبير من خلال أجهزة المخابرات التي تعاون جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في أمور كثيرة على رأسها الاستعداد لتأمين كأس العالم المقرر انعقاده في روسيا.

* ما الرسالة التي أرادت روسيا توصيلها من خلال إصرارها على دعوة مصر لحضور مؤتمر سوتشي حول سوريا؟
علاقة روسيا بمصر وتركيا علاقة صعبة، لأن العلاقات التركية الروسية أقوى من نظيرتها المصرية الروسية نظرا للخداع الذي يمارسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحق نظيره الروسي فلاديمير بوتين بإيهامه بأن كل الأمور في شمال سوريا ومصيرها بيده، بالإضافة لتقديم وعود بمنح روسيا السيطرة على البحر الأسود ومد خط نفط السيل الجنوبي المار بسوريا.

* هل تتأثر التفاهمات الإقليمية بالمنطقة بالتوترات الملحوظة بين موسكو ودول الخليج التي تعد حليفًا رئيسيًا للقاهرة؟
روسيا تسير بنهج الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف، فنرى أول زيارة في التاريخ للعاهل السعودي إلى روسيا وهو ما دعم علاقات شديدة القوة بين السعودية وموسكو، حيث يتولى صندوق السعودية السيادي إنشاء مطار ضخم في روسيا على سبيل المثال، بالإضافة لزيارات كبار قادة المملكة مثل ولي العهد محمد بن سلمان، على الرغم من اختلاف موقف الجانبين الروسي والسعودي تجاه غالبية القضايا الإقليمية.

في الوقت نفسه، تحافظ روسيا على علاقات قوية جدا مع قطر، أكبر منافسي السعودية في الوقت الحالي، حيث تملك الدوحة نحو 15% من شركة روسنفت الروسية، بالإضافة لامتلاكها مباني ضخمة وسط موسكو بالتعاون مع صندوق قطر السيادي.

وتحرص روسيا على امتلاك علاقات مع الجميع حتى اليمن، فهي تحافظ على علاقات جيدة بالحوثيين وفي الوقت ذاته مع الحكومة اليمنية الشرعية الحالية والسابقة.

* ننتقل إلى الملف السوري.. هل يتمثل دور بوتين هناك في حماية الأسد أم أنه يحمل أهدافا جيوسياسية خاصة بروسيا؟
بالطبع لا، لو كان الدور الروسي في سوريا هو حماية الأسد فقط لظهرت مواقف موسكو في صورة شديدة الفجاجة لصالحه، ولكن روسيا تدافع أولا وأخيرا عن قاعدتها العسكرية في طرطوس التي تمثل تواجدها الوحيد بالشرق الأوسط إلى جنب مخاوفها من مد خط غاز قطري تركي عبر سوريا.

ومن الناحية الجيوسياسية والجغرافية فإن وجود قاعدة طرطوس في سوريا هو السبب الرئيسي إلى جانب قاعدة حميم التي أصبحت موجودة الآن بقيمة كبيرة لروسيا، ولذلك فإن موسكو ليست وراء الأسد ولكنها وراء كل من يحافظ لها على تواجدها العسكري.

* كيف يجلس بوتين وأردوغان وروحاني على طاولة مفاوضات واحدة لتوحيد المصالح رغم خلافات التوجهات بينهم؟
الحل السياسي في سوريا بات مستحيلًا، ولكن بشكل عام تعمل روسيا بمبدأ إعطاء "الطُعم" لإيران للحصول على مصالح أخرى من خلفها، وعلى النقيض فإن العلاقات الروسية التركية لا تستفيد منها سوى تركيا التي تخدع الرئيس بوتين وتدفعه لتقديم تنازلات مقابل وعودها بمساعدته في تحقيق حلمه بإنشاء "حلف أوراسي" يضم دولا كثيرة أهمها تركيا التي وعدت روسيا بالخروج من حلف الناتو والتخلي عن حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي وتشكيل الحلف الأوراسي مع روسيا وهو ما يفسر صمت روسيا أمام إسقاط طائرتها في سوريا قبل أيام على الرغم من معرفتها بوقوف تركيا وراء ذلك الحادث.

* إذن.. ماذا يريد أردوغان من سوريا؟
أردوغان يريد احتلال أجزاء كاملة من سوريا سبق وتنازل عنها مصطفى كمال أتاتورك ضمن معاهدة لوزان عام 1923 بهدف توسيع مساحة تركيا ومن ثم إعادة بناء الإمبراطورية العثمانية الزائلة وهو ما يفسر محاربته لمناطق تواجد روسيا داخل سوريا ويفسر أيضا عملية عفرين العسكرية الأخيرة.

* وهل تهدف روسيا للوصول لحل بعينه في سوريا؟ أم أنها ستبقى للأبد؟
روسيا تتخيل أن وجودها الحالي في طرطوس وحميم يحمي مصالحها، ولكن الحقيقة على الأرض الواقع تختلف عن ذلك وتحتم عليها التعاون مع إيران في الجزء الجنوبي من سوريا خلال المرحلة المقبلة لضمان الحفاظ على مصالحها من الغدر التركي الأمريكي.

* ما تقييمك للمؤتمرات الدولية التي تعقد بهدف حل الأزمة السورية؟
من المستحيل أن تصل تلك المؤتمرات لأي حلول قبل أن يتم التخلص من كل تواجد عسكري أجنبي في سوريا وأي تواجد لجماعات إرهابية في داخلها ومن ثم تكون الأرض جميعها تحت سيطرة جهة واحدة يمكنها تنفيذ الحلول المتفق عليها.

* وما مدى تأثر العلاقات الأمريكية الروسية باختلاف مصالحهما داخل سوريا؟
العلاقات الأمريكية الروسية لا تحددها سوريا فقط ولكنها تتأثر بقضايا خفية أخرى كثيرة تتضمن العراق، ليبيا، كوريا الشمالية، إيران، أوكرانيا، أوروبا الشرقية، ومنطقة بحر البلطيق، بعيدا عن حروب الغاز والبترول والحروب الدبلوماسية بين الجانبين.

وتصاعدت تلك التوترات بعد انتصار التحالف الروسي السوري على الجماعات التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وأيضا دعمها لكوريا الشمالية التي تمثل أحد أكبر التهديدات لواشنطن، الدعم الروسي للنووي الإيراني وأعمالها النفطية بالعراق.

* ما تعليقك على اتهامات روسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية وما يقال حول صداقة ترامب لبوتين؟
التجربة التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام الماضي أثبتت أن ما قيل حول صداقة ترامب وبوتين ليس حقيقيًا، ولكن ذلك لا يعني أن ترامب لم يكن يريد إعادة إصلاح العلاقات الأمريكية الروسية، ولكن مؤسسات الدولة العميقة في أمريكا منعته من ذلك، لأن مصالحها مرتبطة باستمرار وجود حرب بالمنطقة لتستمر مصانع الأسلحة والأدوية في العمل.

* أخيرا.. ما الدور الممكن أن تلعبه روسيا في محاولة منها للمساعدة بحل القضية الفلسطينية؟ وما صدى إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني في الكرملين؟
البنك الوحيد الذي يتعاون مع الفلسطينيين هو البنك المركزي الروسي وللأسف عن طريق البنك المركزي الإسرائيلي؛ لأنها الجهة الوحيدة التي تحصل منها السلطة الفلسطينية على المال، ولكن إعلان نقل السفارة الأمريكية القدس وإعلانها عاصمة للصهاينة أخرج أمريكا من دور الوسيط سواء أرادت أو رفضت.

تؤمن روسيا بحل الدولتين كطريق لإنهاء الصراع الفلسطيني والإسرائيلي وهو ما تحاول الضغط على الطرفين لتنفيذه كحل ينهي الصراع باعتبارها تملك علاقات قوية بالطرفين.
الجريدة الرسمية