رئيس التحرير
عصام كامل

ثروت عكاشة يكتب: نهر المعرفة

فيتو

في مجلة التحرير عام 1953 كتب الدكتور ثروت عكاشة مقالا قال فيه:


الثقافة ملتقى علوم الحياة فهى كالبحر تصب فيه أنهار المعارف جميعا علما وفلسفة وفنا وأدبا، ثم هي صورة لما يخالج وجدان الناس ومشاعرهم وحواسهم عامة، والثقافة الحقة علم وعمل معا.

أن المثقف بين العلم والعمل صاحب موقف وله رأى يضيف إلى الوجود جديدا، والمثقف عالم وقائد معا.. إخناتون، سقراط، الكندى، الفارابى، ابن سينا، فولتير، أندريه مالرو، طه حسين والعقاد.. كلهم أخذ حظه أولا من الثقافة ثم كان بعد هذا صاحب رأى واتجاه، ثم غدا يحمل لواء التوجيه، ويسعى لحمل الناس على اعتناق مايرى، لا يعنيه ما يرى من عقبات ومشاق.

والثقافة هي حافز للبشر على التضامن من أجل الارتقاء برفاهيتهم العقلانية والوجدانية، وبهذا تكون الثقافة ألزم ما تكون للمتعلم وغير المتعلم على السواء، فحين يسعى المتعلم إلى إثراء ذهنه بالمعلومات يسعى المثقف إلى الارتقاء بسلوكه وبذوقه ومداركه وفكره ووجدانه بل وإلى تحسين أدائه حتى في عمله التخصصى مما يكون له أثر في إحداث تغيير جوهرى في المحيط الذي يعيش فيه.

والمثقف الحق هو الذي يشارك في أحداث عصره بكل ما أوتى من جهد وقوة ورأى ليدحض باطلا ويقيم حقا، واجبه أن يفعل مثل فرسان القرون الوسطى الذين كانوا على حظ كبير من الجود والنبل والتضحية حين كانوا يجوبون البلاد على متون جيادهم علهم يجدون مأزوما يفرجون عنه، أو من وقع في ضائقة فينقذونه.

من هنا كان على المثقف أن يعيش قضايا عصره، لا فكاك له منها، فهذا واجبه الأول الذي من أجله كان مثقفا، وواجب المثقف أن ينهض بمن نزلوا إلى حضيض الجهل ليرتفع بهم إلى مرتبة أعلى لها حظها الثقافى الواسع، لا يعنيه أن يكون هذا الجهل في بيئته القريبة أو في بيئة بعيدة.

والمثقف بطبيعته رائد في مجتمعه، سباق إلى التجديد فكرا وتعبيرا، فالثقافة تنطوى على عنصر حركى تحولى، لأنها لا تصلح إلا إذا كان هدفها التطوير والارتقاء.
الجريدة الرسمية