رئيس التحرير
عصام كامل

بشائر انتفاضة ثالثة.. «لأجلكِ يا مدينة الصلاة نثور» (فيديو وصور)

فيتو

قبل نحو ثمانية قرون وقف أبو عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس، منحني الظهر منكس الرأس، يسير حاملا ذل العالم فوق كتفيه ويقترب من الملك فرناندو الذي كان ينتظره على جواده، ليمنحه خاتمه الذهبي الذي يختم به المراسيم والقرارات ومفاتيح القلعة والقصر «هذه هي مفاتيح الجنة يقدمها لك خويدمك أبو عبد الله»، ويجهش بالبكاء ويمضي في طريقه، ومن خلفه تلومه والدته قائلة: «ابكِ مثل النساء ملكا مضاعا.. لم تحافظ عليه مثل الرجال».


وما أشبه اليوم بالبارحة، إذ يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، وإن كانت الجغرافيا قد تحولت بوصلتها من الغرب إلى الشرق، حتى وصلت إلى أرض فلسطين، وتحديدا عند القدس، التي يبدو أن العرب سيتنازلون عنها مرغمين لكيان سرطاني بغيض.

وأمس، أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، قراره بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس لتكون عاصمة الكيان الصهيوني، في الوقت ذاته كانت عيون الشباب المقدسي شاخصة على شاشات التليفزيون تنتظر أن يتقبل الله رجاءهم وأن يعيد ترامب التفكير وتنجح بيانات الشجب والإدانة العربية والغربية في فرملة جموحه، إلا أن الواقع لا يغير بالدعاء وحده.



وانطلقت مسيرات التنديد والرفض من أبناء القدس – المقدسيين – واصفين القرار بأنه «قرار من لا يملك لمن لا يستحق»، وتكرار لوعد بلفور الذي كرس لزرع الفتنة الصهيونية في قلب بلاد العرب لتفرقهم، وباتت شوارع وأزقة القدس مكتظة بالشباب الغاضب.



«لا ننتظر شيئا من العرب، كان عليهم أن يهبوا لنجدة القدس منذ سنوات تجرعنا فيها كؤوس الذل والعار، والشعوب والقادة العرب من حولنا لا يحركون ساكنا».. هكذا قال إبراهيم عبد القادر أحد الشباب المقدسيين والغضب ينفجر بداخله، يبدي تعجبه من حالة الصمت والسكون التي أصابت الجميع: «متى يتحرر العرب من عبودية الغرب؟»، بلادنا ستقوم على أيدينا ولن نترك قدسنا حظيرة للخنازير.


في أعقاب نكسة 1976 وهزيمة الجيوش العربية وتمكن الكيان الصهيوني من أن يجد لنفسه موطئ قدم وتتسع رقعة سيطرته على الأراضي الفلسطينية والعربية، صدح صوت فيروز الملائكي لتعرب على طريقتها عن حزنها لضياع القدس «عيوننا إليك ترحل كل يوم، تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد.. لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي».

«الجميع بعد خطاب ترامب مباشرة خرجوا في مظاهرة عفوية في ميادين ومراكز المدن متوعدين بانتفاضة جديدة» هكذا قال الصحفي المقدسي إبراهيم عنقاوي.

«الحزن خيم على الجميع، نفقد آخر خطوط دفاعنا ضد الكيان المحتل، نشعر أن الغصة في الحلق تملكت من أجسادنا وسرت قشعريرة في أوصالنا تشعرنا بالخزي أكثر من الألم، نطالع الشاشات العربية والمواقع الإخبارية نبحث عن حل في وجوه قادتنا العرب لعلنا نجد من يصمد في مواجهة دبابات العدو الغاشمة، فلا نجد سوى شجب وندب وإدانة».. بهذه الكلمات وصف عنقاوي الأمر. 

«الدول والشعوب العربية منشغلة في مشاكلها السياسية والأمنية والاقتصادية والنزاعات الداخلية، والهم الأكبر للدول الخليجية الآن كيفية مواجهة إيران ولا مانع من التطبيع مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، العرب تركوا ثالث الحرمين يباح تحت أقدام قوات الاحتلال».

يعتقد إبراهيم أن الوضع في طريقه للاشتعال: «الجميع هنا كما تقولون بالمصري على آخره»، الغضب تملك الجميع وبتلك القرارات بات من المستحيل أن نبقى صامتين، الآن نحن في طريقنا لانتفاضة ثالثة لن تترك وراءها الأخضر واليابس.

«اليوم شهدت جميع المدن الفلسطينية مظاهرات حاشدة رفضا للقرار وأغلقت المحال التجارية أبوابها، وأُعلن إضراب شامل شمل جميع المرافق الحكومية عدا القطاع الصحي، وتشهد الآن العديد من نقاط التماس والحواجز العسكرية الإسرائيلية مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وجنود الاحتلال.. الوضع قارب على الانفجار سيكون غدا يوما يذكر في التاريخ».. يصمت قليلا يجمع شتات فكره «لن نترك قدسنا في أيدي الكيان المحتل».



ماذا عن يوم غد؟ من الممكن أن تصفه باليوم الموعود، إذ نحى الفلسطينيون أزماتهم الداخلية جانبًا وتوحدوا على أن ينطلقوا في انتفاضة ثالثة ضد قرار ترامب، من غير المعقول أن يمر حدث تاريخي كهذا ويقف أصحاب الأرض مكتوفي الأيدي وبلادهم تسرق منهم بقرارات تُملى عليهم من أمريكا.

«على السلطة الفلسطينية سحب الاعتراف بإسرائيل ووقف كافة أشكال التعامل الأمني والاقتصادي معها بل يجب الذهاب بعيدا نحو حل السلطة الفلسطينية، وهذه الخطوة يجب أن تخطوها أيضا مصر والأردن بقطع العلاقات مع إسرائيل كخطوة أولى على القرار الأمريكي، كذلك يجب على الفلسطينيين أن يسرعوا في خطوات المصالحة والوحدة، والشروع بحملة إعلامية عربية واسعة، أما فصائل المقاومة فعليها أن تطلق العنان لأجنحتها العسكرية من جديد لأن ثمن القدس غالي».. يطالب إبراهيم العرب بالتحرك لكن بدا أن آذان العرب صماء.



الجريدة الرسمية