رئيس التحرير
عصام كامل

السيد البدوي: قنوات الحياة استنزفت مواردي.. والسياسة وراء أزماتي الأخيرة

فيتو

  • السياسة أشرف عمل بعد النبوة... و"لو عاوز كراسي كان زماني رئيس وزراء"
  • خلافات "بيت الأمة" كلها فيس بوك ولا يوجد أزمات سياسية
  • ندفع أخطاء الحقبة الناصرية حتى اليوم
  • لو استمر حكم الملكية "الديمقراطي" لأصبحت مصر دولة متقدمة
  • غايات عبد الناصر كانت نبيلة لكن وسائله كانت فاسدة
  • والدي كان يقول لي أيام عبد الناصر "الحيطان لها ودان" ولا تتحدث في المدرسة
  • الإرهاب انتهى ولا يجب أن يتخذه البعض شماعة ليعلق عليها "وأد الحريات"
  • أقسم بالله السيسي لم يتآمر على مرسي وكان جادا في احتواء الخلاف معه.. والرئاسة لم تكن "في دماغه"

السياسة.. التاريخ.. الاقتصاد، ثلاث ملفات لا يتقن كثيرون الحديث فيها.. قليلون أيضا من يمتلكون خبرة إدارتها بـ"التي هي أفضل"، ويعتبر الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، واحدًا من الذين استطاعوا تحقيق نجاح مهم في ثلاثتهم، فـ"البدوي" واحد من أبرز رجال المال والأعمال في مصر والمنطقة، وفي الوقت ذاته يترأس حزب الوفد "بيت الأمة"، أما التاريخ فحياته الحزبية منحته خبرة لا يستهان بها في قراءة الماضي، وتحليل الظواهر والمواقف بما يسمح له بتقديم رؤية متزنة.
"البدوي" الذي يستعد للحصول على "استراحة محارب" من العمل السياسي، بعد انتخاب رئيس جديد لـ"بيت الأمة"، أكد أنه سيعود من جديد لـ"البيزنس" الذي تأثر بالعمل السياسي، وساهمت السياسة في تكبده خسائر كان لها تأثير واضح عليه.
بحكم منصبه السياسي.. كان "البدوي" حاضرًا في واحد من أشد المواقف صعوبة في تاريخ مصر الحديث، موقف عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، بعدما باءت جميع محاولاته بالفشل، ويكشف رئيس حزب الوفد كواليس اللحظات تلك، ويزيح اتهامات عدة طالت بعض من شاركوا في المشهد، وتحملوا مسئولية "إزاحة الإخوان".
"البدوي" تحدث أيضا عن الأزمات التي ضربت "بيت الأمة" في الأيام الأخيرة، سواء السياسية أو المالية، كاشفًا حقيقة "التفويض" الذي حصل عليه من "الهيئة العليا"، الذي يرفعه في وجه مثيري الأزمات داخل "الوفد".. وعن تفاصيل هذا الأمر، والسيناريو الذي أعده لفترة "ما بعد الوفد"، وملفات أخرى كان الحوار التالي:

لتكن البداية من "بيت الأمة".. صراحة ما الأسباب التي ساهمت في تزايد معدلات الأزمات داخل حزب الوفد؟
كلها خلافات "فيس بوك" كلام ينشر على مواقع التواصل الاجتماعى بين الأعضاء، استفزاز من عضو لآخر، أو خطأ أيضا من عضو لآخر، لكن لا توجد أزمات سياسية بمعنى الأزمات، كل ما في الأمر– كما سبق وأشرت- خلافات بين الأشخاص وتجاوزت حدود الخلاف، وحدود الرأى ومبادىئ وثوابت وقيم الوفد، وللأسف ارتكبتها قيادات بحزب الوفد، لكننى اتخذت موقفا وأعطيت فرصة، ولن يكون هناك تهاون في أي مخالفة لمبادئ وقيم حزب الوفد، ولن نقبل أي تجاوز من عضو مهما كان منصبه ضد أي عضو مهما كان حديثا، ومعى تفويض من الهيئة العليا بالفصل، وبالفعل اتخذنا إجراءات وفصلنا البعض وحسم الخلاف، وأصبح هناك إلى حد ما هدوء بين الأعضاء على فيس بوك، وأنا في حالة ترقب، وأراقب أي خطأ ومفوض في الفصل مباشرة..

من وجهة نظرك.. هل ترتبط الأزمات الموجودة في الوفد حاليا بالانتخابات المنتظر عقدها على رئاسة "بيت الأمة"؟
بالطبع مرتبطة بانتخابات رئاسة الحزب المقبلة، وأمر طبيعى أن يكون هناك استقطاب، وطبيعى أن يسعى كل مرشح لضم مؤيدين له، وأيضا من الطبيعى ترشح أكبر عدد ممكن حتى يتم اختيار الأفضل لرئاسة الحزب.

هل هناك سيناريو معين وضعته لمرحلة ما بعد رئاستك لـ"الوفد"؟
بعد انتهاء الفترة الثانية لى سأظل كبيرا للعائلة الوفدية، وهذا لقب شرفت به من الوفديين جميعا، وهو لقب أعتز به أكثر من أي موقع شغلته في حياتى، وأغلى من منصب رئيس الوفد، أن أكون كبيرا للعائلة، ولا يستطيع أي شخص أن ينزع منى هذا اللقب، أو ينزع من كبير العائلة سلطاته عليها، وأريد أن أشير هنا إلى أن السياسة هي أشرف عمل بعد النبوة، رعاية أمور الناس ورعاية مصالحهم رسالة سامية، لكننا حولنا الأمر لخناقات، أمارس السياسة بمبدأ الزعيم الراحل مصطفى النحاس سياسة الحقيقة، و"لو كنت عاوز كراسى كان زمانى رئيس وزراء مرتين".

أي من المرشحين سيحصل على دعمك وصوتك في الانتخابات المنتظرة؟
قبل إعلان التقدم رسميا للرئاسة، سنأتى بمجموعة القيادات ونحاول التوافق على مرشح، لو توافقنا على شخص بنسبة 60% سيكون من الصعب أن يخوض شخص آخر الانتخابات، لو لم نقرر ذلك ستكون الانتخابات مفتوحة أمام الجميع، سيكون صوتى مثل أي وفدى، ولا أرجح شخصا على الآخر.

بعيدًا عن الانتخابات.. لماذا تصاعدت الأزمة المالية بحزب الوفد وخاصة مع نهاية الفترة الثانية للسيد البدوي؟
هناك فارق بين ميزانية الحزب وميزانية الصحيفة، ميزانية الحزب كانت 10 ملايين جنيه، والصحيفة كانت 61 مليون جنيه، إيرادات الحزب كانت تحصل على إيجار من الصحيفة 500 ألف جنيه في الشهر، وعندما توقفت الإعلانات في الصحيفة وتراجعت في الصحف جميعها، مرتبات الصحفيين استهلكت الـ61 مليون في 8 سنوات، وعندما اندلعت الثورة تراجعت الإعلانات، فصرفت مرتبات للصحفيين، وطرحنا هذا الأمر في الهيئة العليا عشرات المرات، وكانت هناك اقتراحات، البعض طالب بغلق الجريدة، وإعطاء مكافأة نهاية الخدمة للموظفين، لكن قرار الهيئة العليا كان الاستمرار، في صرف مرتبات العاملين، كنا نحصل على 6 ملايين جنيه في العام من الجريدة، لكننا لم نحصل منذ 6 سنوات على شىء، وخاض الوفد خلالها انتخابات كثيرة ومصروفات كثيرة.

لا نزال في مربع الأزمات المالية.. ما السر وراء الأزمة التي تعرضت لها خلال الأشهر القليلة الماضية؟
العمل السياسي أخذنى من أعمالى وهو سبب خسائرى، أترأس مجموعة كبيرة للغاية من الشركات،، والجميع بعد انتهاء المدة الثانية لى في رئاسة الوفد سيرى أعمالى، الحزب يشغل ذهنى 24 ساعة يوميا، لأنه مؤسسة كبيرة عدد أعضائها يتجاوز نصف مليون، وأتابع كل ما يحدث، ورئاسة الوفد ليست أمرا هينا فعندما تركت العمل التنفيذى في الوفد من عام 2006 إلى 2010، وكنت عضو هيئة عليا، كان لدى أعمال تحتاج لخمسين عاما لإنجازها، وحدث ارتباك في إدارة أعمالى الفترة الأخيرة بسبب انشغالى بالوفد، فتحت مصانع في دول عربية وأوروبا وسويسرا، قناة الحياة استنزفت الموارد، قبل 30 يونيو كنت أكسب منها لكن بعدها بدأت الخسائر.

لنبتعد قليلا عن "الوفد".. كسياسي ورئيس حزب مهم في الشارع السياسي كيف ترى الأربع سنوات الماضية للرئيس السيسي؟ وهل تؤيد ترشحه لفترة رئاسة ثانية؟
حقيقة.. الرئيس نجح نجاحا كبيرا في تثبيت أركان الدولة المصرية وحمايتها من الانهيار، نظرا لأنه كان مخططا أن تنهار وتتحول إلى دولة متحاربة أهليا حتى لا يكون هناك استقرار، وتنحصر في مشكلات داخلية، ونجح في القضاء على الإرهاب، أو على الأقل عودة الإرهاب إلى ما كان عليه قبل 25 يناير، وبالحديث عن الإرهاب.. لا أريد أن يتخذ البعض الإرهاب شماعة ليعلق عليها وأد الحريات، الإرهاب انتهى وما نواجهه الآن جماعات متطرفة كانت متواجدة منذ 1981، ولدينا الخبرة والكفاءة لمواجهتها.

كيف ترى هجوم رئيس مجلس النواب على الأحزاب السياسية في الفترة الأخيرة؟
الهجوم على الأحزاب السياسية ليس في محله، وإذا كان رئيس مجلس النواب يريد أن يعيب فعليه أن يعيب على المناخ السياسي الذي يحكم نشاط وحركة الأحزاب، الحزب السياسي هو انعكاس للمناخ السياسي الموجود في أي دولة بالعالم، ولو أن المناخ السياسي الموجود في الدولة هو مناخ ديمقراطى تعددى حقيقى نشط، ستجد الأحزاب قوية ونشطة، فقبل أن نلوم على الأحزاب لابد أن نلوم على المناخ السياسي الموجود في المجتمع، كنا ننتظر بعد ثورتين أن يعاد الاعتبار للأحزاب السياسية كقنوات رئيسية من قنوات المشاركة السياسية.

من وجهة نظرك.. هل التمويل من الممكن أن يساهم في عودة الاعتبار للأحزاب؟
الاعتبار يعاد للأحزاب ليس بالتمويل، وإنما بتشريعات، عندما كنت في لجنة الخمسين التي وضعت الدستور، طرحت أن تكون الانتخابات 50% منها قائمة و50% فردى، على أن تتحول فيما بعد إلى قائمة كلها، لكن كان في هذا التوقيت المناخ لا يسمح، فعندما يهاجم رئيس البرلمان الدكتور على عبدالعال الأحزاب، فلديه أكثر من 250 نائبا حزبيا في البرلمان، فكيف يهاجم، وأيضا لابد أن يبحث رئيس البرلمان عن التشريعات التي تقوى الأحزاب قبل مهاجمتها.

ما الوقت الذي شعرت الأحزاب فيه بالقوة؟
حزب الوفد وأيضا الأحزاب السياسية قبل عام 1952، كانت قوية، نظرا لأن المناخ كان يسمح بهذا التوجه، لكن الأحزاب محاصرة منذ 1953 حتى اليوم، منذ هذا الحين حلت الأحزاب، عادت الأحزاب بشكل ورقى، يعنى بقرار سلطوى من رئيس الجمهورية عدا الوفد حينها، وتكونت منابر يمين ويسار ووسط بقرار من رئيس الجمهورية أنور السادات حينها، ثم تحولت هذه المنابر إلى أحزاب وفقا لقرار رئيس الجمهورية، كما أن الأحزاب شهدت حصارا سياسيا لمدة 30 عاما أيضا، وحزب واحد هو الذي كان يحتكر السلطة، وبعد 25 يناير غابت التشريعات التي تقوى هذه الأحزاب.

الآن.. ما المطلوب من القيادة السياسية فعله لإعادة الاعتبار وتقوية الأحزاب السياسية؟
آن الأوان للرئيس السيسي أن يقرر أمرين، أولهما هو الديمقراطية ودعم التعددية الحزبية، أما الأمر الثانى فهو إنهاء القوانين المكملة للدستور التي تحقق العدالة الاجتماعية، وترفع الظلم الاجتماعى عن الطبقات الفقيرة، وهى مسئولية مجلس النواب، وأتمنى أن تكون على رأس اهتماماته، والوفد لم يتخذ قرارا بتأييد الرئيس السيسي في الانتخابات المقبلة، لكن القرار الأكيد أنهه لن يكون له مرشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

بالعودة سنوات للوراء.. وتزامنًا مع اقتراب "مئوية ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر".. كيف ترى الحقبة الناصرية؟
من أجل أن نحكم على أحداث أو تاريخ لابد أن نرد هذه الأحداث للتاريخ الذي وقعت فيه، والظروف التي كانت محيطة به، ولا يوجد شك أن الحقبة الناصرية أو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حاول أن يحقق عدالة اجتماعية وتحقيق الاستقلال، ورفع المبادئ الـ6، وهى إقامة حياة ديمقراطية سليمة بناء جيش وطنى قوى، وعدالة اجتماعية، والوفد كان مؤيدا لها، لكن للأسف لم تتحقق مبادئ الثورة، فإقامة حياة ديمقراطية سليمة، لم تحدث، وإقامة جيش وطنى قوى، أقيم بالفعل جيش وطنى قوى لكنه هزم فى1967 بسبب القيادة، والجيش الذي انتصر في 1973 من حيث الإعداد هو نفس الجيش الذي هزم في 1967، لكن القيادة اختلفت، والمعدات والأسلحة التي كانت فى1967، كانت أفضل من معدات 1973، لكن القيادة كانت فاشلة، والسلطة يتحملها رئيس الجمهورية، كان هناك عدوان على الديمقراطية وتأميم للإعلام، ومن كان يكتب كلمة يزج به في السجون.

إذن.. هل ترى أن عهد عبد الناصر شهد تكميمًا للأفواه؟
في عهد عبد الناصر كان والدى يقول لى: لا تتحدث في المدرسة، الحيطان لها ودان، وكانت هذه الفكرة سائدة، عصر استبداد شهد ما لم تشهده عصور أخرى من تعذيب وإهدار لكرامة الإنسان، أحداث السجن الحربى، كانوا يتعاملون مع المواطن المصرى ليس كإنسان، لا أستطيع أن أقول إن عبد الناصر لم يكن زعيما وطنيا، الغاية كانت نبيلة بالنسبة له، لكن الوسائل كانت فاسدة، وهى التي ضيعت مصر حينها، وحتى الآن ندفع أخطاء الحقبة الناصرية، في عام 1965، بدأت مصر الانطلاق في الصناعة، ومنذ 67 تحول الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد حرب، مواردنا استنزفت في هذا الحين، وإلى عصرنا هذا نعانى من الحقبة الناصرية، ومصر لو استمرت بحكمها الديمقراطي والملك الذي كانوا يقولوا عليه فاسد، لكانت متقدمة.

نعود إلى السياسة مرة أخرى.. حدثنا عن كواليس اجتماعات جبهة الإنقاذ الوطني قبل 30 يونيو؟
قبل 30 يونيو كان هناك اجتماع في منزلى، كان يحضره عمرو موسى وحمدين صباحى، ومحمد البرادعى، وعبد الغفار شكر، وسامح عاشور، وسيد عبد العال، ومجموعة كبيرة من قيادات جبهة الإنقاذ، وكنا في هذا الحين مجتمعين تجهيزا ليوم 30 يونيو، اتصل بى أحد مساعدى وزير الدفاع، وأبلغنا رسالة أن وزير الدفاع يرجوكم أن تقبلوا الحوار، نظرا لأن المجلس العسكري يعلم ما لا تعلمون، وهناك آلاف من المسلحين في سيناء، ويخططون لحرب أهلية، ولن نسمح بإراقة نقطة دم واحدة.
وبالتالى لا مجال لاتهام الرئيس السيسي أنه تآمر على مرسي، يوم 22 يونيو كان الرئيس السيسي يحاول أن يوفق بين جبهة الإنقاذ، وبين الرئيس المعزول محمد مرسي، واتصل بى اللواء محمد العصار، وكان جالسا حينها معى الدكتور منير فخرى عبد النور، وطلب منى أن ندخل في حوار مع الإخوان، أي احتواء للموقف، بالتالى من يقول إن السيسي كان يخطط للانقلاب على مرسي غير صحيح تماما، وأنا شاهد على ذلك.

هل كانت هناك مساعٍ حقيقية لاحتواء الخلاف حينها؟
ما دار بينى وبين اللواء العصار يعنى أن الرئيس كان جادا في احتواء الخلاف، لكننا كنا نعلم أنه لا يمكن احتواؤه، وقلنا في هذا الحين أنه إذا أصر المجلس العسكري على دعوة جبهة الإنقاذ، لن نذهب جميعنا لكن سنفوض شخصا منا، وكان المفوض في هذا الحين هو الدكتور محمد البرادعى، لأنه كان المنسق العام في تلك الفترة، وكان كل ستة أشهر تختار جبهة الإنقاذ منسقا عاما لها بالتناوب بيننا، بالتالى استغل البرادعى هذا التفويض، وأصبح يمثل جبهة الإنقاذ إلى أن أصبح نائبا لرئيس الجمهورية.
كنا مطلعين على أمور كثيرة، والرئيس السيسي في 22 يونيو كان وزيرا للدفاع، يعلم أن هناك آلافا كثيرة موجودة في سيناء، ولديهم أسلحة لا تستخدم إلا في المعارك العسكرية، وكان لديه المعلومات التي لم تكن لدينا، بالتالى كان يجب علينا أن نترك القائد، وأقسم بالله السيسي لم يكن ينوى الترشح لرئاسة الجمهورية ولم يكن في دماغه الترشح.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ«فيتو».
الجريدة الرسمية