رئيس التحرير
عصام كامل

المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط بمشروع القرن (نيوم)


مشروع "نيوم" المزمع تأسيسه على أراضي ثلاث دول هي السعودية ومصر والاْردن بتكلفة استثمارية ٥٠٠ مليون دولار، لتصبح المنطقة المحيطة بخليج العقبة هي أكبر مركز جذب عالمي للرفاهية والاستثمار المتطور، ولعل الروبوت صوفيا شبيه الإنسان التي تم منحها الجنسية السعودية كمواطنة فاعلة مركزية نحو ما سيكون عليه مستقبل "نيوم"، وقدمت صوفيا مؤتمر مستقبل الاستثمار كرسالة معبرة عن تطور الذكاء الصناعي لتحقيق أعلي مستويات التقدم والرفاهية الذي عاصرته الحضارة البشرية، ويربط المشروع بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، ولكن الأهم أنه شكل مؤثر من أشكال دبلوماسية المشاريع الدولية التي تؤسس لشراكات إقليمية مستقرة، لتسطر نموذجا مستحدثا لشكل العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة.


"نيوم" هو مستقبل اقتصاد المنطقة وليس السعودية فقط، وهو يقع بالقرب من مسارات التجارة العالمية، وفي منتصف العالم، وبمناخ معتدل وإلي جانب طفرة التكنولوجيا فهي ستكون المنطقة الأكثر أمنا في العالم، والأقل تلوثا وتعزيز كفاءات أنشطة الحياة العامة لتطوير مستوى الرفاهة، ليجذب المستثمرين والمبدعين وأصحاب الكفاءات.

استطاع محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أن يطرح نفسه كرائد للحداثة والانفتاح على الحضارات، وقبول التغيير كخيار إستراتيجي نحو بقاء الأمة فكان "نيوم" هو حلم يداعب خيال الاقتصاديين والحالمين نحو تغيير نمط الصراعات الشرق أوسطية، وتصدير أفكار التطرف نحو الاستقرار والاندماج البناء في الحضارة الإنسانية، ورسم خريطة السلام ولعل الخطوة الأهم هي محاولته نحو إصلاح الخطاب الديني والإصلاح الاجتماعي في السعودية وإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي نحو الإنتاج.

وقد استحسن توماس بيكتي مدير كلية الدراسات العليا والعلوم الاجتماعية وأستاذ الاقتصاد بجامعة باريس عملية تأهيل الدولة السعودية للتفاعل مع متغيرات القرن الحادي والعشرين، واعتبر أن مشروع نيوم هو قبلة المستقبل عبر استقطاب العقول والمبدعين من كل ربوع العالم، من خلال ما يسمي الاقتصاد المعرفي اعتمادا على تقنيات على الذكاء الصناعي التي ستتحكم في المدينة المتطورة.

بالطبع سيمثل المشروع حال نجاحه طفرة اقتصادية نحو الاقتصاد المصري، خاصة في ظل إنشاء الكوبري الرابط بين قبلتي خليج العقبة فوق جزيرتي تيران وصنافير قبالة مدينة شرم الشيخ، بالإضافة إلى المنطقة الحرة التي ستنشأ شمال سيناء، ولكن اللافت للنظر هو تجاهل الإعلام المصري الرسمي والمسؤولين الحكوميين للمشروع، رغم أثره الاقتصادي على الاقتصاد المصري، بما يثير شهية المشككين والمقاومين للتطوير في إمكانية تحقيق مشروع القرن كما وصفته الصحف السعودية، خاصة أن السعودية دولة حليفة، والتغيرات في شكل العلاقة بين الوهابيين الدينيين والنظام الحاكم ستؤثر على الواقع السياسي المصري..

حيث إن القوى السلفية هي امتداد طبيعي للقوي الوهابية السعودية، بل إن بعض المفكرين المصريين يفسرون تنامي الفكر الديني والحركات السياسية الدينية ثم التطرف إلى السعودية، من خلال موجات هجرة المصريين للعمل في السبيعنيات والثمانينيّات، ثم عودتهم محملين بالفكر الوهابي، ورغم ذلك فيلاحظ تسارع رغبة النظام الحاكم السعودي لنزع الفكر المتزمت أسرع من مصر في تطوير الخطاب الديني، بما قد يخلق قوي مقاومة داخلية ربطها البعض بموجة القبض على أمراء ورجال الأعمال السعوديين في حملة مكبرة ضد الفساد.

رغم تخوف البعض من مستقبل الذكاء الصناعي نحو مستقبل البشرية، ولكن المستقبل قادم لا محالة بكل تطوراته وتغيراته، ولذلك فإن مشروع نيوم هو حلم حضاري عالمي، سيتحقق في نيوم أن سعينا لذلك أو غيرها إن لم نسع كشعوب ومجتمعات قابلة للتطور والانفتاح، ولا يمكن تصنيفه كمجرد مشروع استثماري بل هو خطوة نحو تمكين التكنولوجيا والابتكار لتحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وله من الآثار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على مصر والدول المحيطة بما يدفع مراكز اتخاذ القرار لديها لدراسة وتقييم المشروع ورسم إستراتيجية لإنجاحه نحو مشروع يمثل فرصة استثنائية لمستقبل البشرية.
الجريدة الرسمية