رئيس التحرير
عصام كامل

وعيناه.. موطن وحياة

فيتو

وفي الليل عندما خيم الظلام، وأصبحت عتمته حالكة، ونجمات صغيرة تلمع في السماء، عمدت لنافذتي في نفس الزاوية التي طالما أحسست بالأمان في كنفها، أو لعلي أرتب أفكاري الشاردة وربما- في بعض الأحيان- تلك الأفكار الشريدة العبثية.


هدوء يسود، هدوء أكثر من المعتاد حد الارتياب، وإذ بإحدى الشرفات المجاورة تصدر موسيقى كلاسيكية غير مألوفة لي، كسرت موسيقاها حاجز الصمت الذي طال هذه الليلة، تعجبت كثيرا من مصدر الصوت، وخاصة أنها موسيقى أغنية قديمة من أغاني "الست" لم آلفها صدقا، ولم أتحامل لأسمعها، بيد أنها جذبتني للمرة الأولى رغم أنني أعرف هذا المقطع آنفا، مقطع ظل يتردد صداه في أذني وأراني أبتسم بدون وعي، حينما تدندن أم كلثوم قطعة موسيقية آنستها صدقا.

"ياما الحب نده على قلبي، ماردش قلبي جواب، ياما الشوق حاول يحايلني وأقوله روح يا عذاب، ياما عيون شاغلوني لكن ولا شغلوني، إلا عيونك إنت دول بس اللي خدوني، خدوني وبحُبك أمروني".

خطفت هذه الكلمات روحي للحظات، والبسمة لا زالت ترتسم، وكأن هذه المقطوعة قد لخصت حياتي السابقة التي لا أعدها حياة، لا شيء سوى عبث وخيالات وهمية، وبين حياتي الحاضرة التي تلخصت بك ولا سواك!

أجدني أتهرب كثيرا من عينيك، لا لشيء سوى أنني أخشى أن يأسرني سحرهما وأجدني هائمة على وجهي، حينها ستكون أنت عالمي الذي أخشاه وأخشى غيابه، وسحقا للحضور جميعا في غيابك!

تعجبت كثيرا، كيف أنا!

لكن علّ لي عذري لتخطف أنفاسي وخاطري تلك الكلمات العذبة التي لم ألق لها بالا من قبل، لكن أظنني أحسستها الآن، فما إن وجدتك، لم أجد بُدا من سجن عينيك، ذاك السجن الذي أسرني وارتضيته فكان جنتي الأبدية.

وحينما تلتقي عيناي بعينيك الحانية، أشعر وكأن الزمن يتوقف رويدا رويدا، ليسمح لذاك البريق المنبعث منهما أن يخترق قلبي فيخفق بقوة كأنما قد وجد ضالته.

وإن سألوك عما تحتاج؛ فأنت تحتاج السكن، ليس ذاك السكن الذي يظنون، إنما أن يسكن قلبك ويأوي لمن يحب، فإذا سكن القلب طابت الروح أينما كانت.

فأنت الذي جئت لتنقذني من بحر لُجي تعثرت به روحي، وكنت أنت طوق النجاة!

وفي حضرتك تبدو كل كلمات الحب وعباراته الهائمة مستهلكة، غير صالحة للتعبير عما أكنه، فقد تجاوزت الحد اللا نهائي من الشعور، وتخطت الكلمات في وصفك، حروف الأبجدية التي كان مفادها في حروف أربع؛ "أُحبك" ولا أكتفي!

ولأنني لا تراودني فكرة وجودي بدونك، تلك الفكرة التي تنهش روحي كلما جالت بخاطري، أطردها سريعا، فإنني وبكامل إرادتي يا عزيزي قد تُيمت بك، وآثرت السير بدربك وإن حفته المخاطر، وتركت طريقا زينته الورود للهواة!

فلست أنا بتاركة سبيلك ولا هاجرته، إنما أنا المرابطة دوما لجوارك!
الجريدة الرسمية