رئيس التحرير
عصام كامل

ضد الشريعة


ليس فقط الشريعة الإسلامية، ولكن كل الشرائع السماوية أياً كانت، وهنا الأمر لا يعني رفضا للأديان، ولكن يعني بوضوح رفض تحويلها إلى مشروع سياسي لتيار يريد اختطاف البلد، ويعني أنه لا يجب أن يتم بناء الدستور أي دستور على ديانة أيا كانت.


ليس هذا فقط، ولكن لا يجب أن تكون أي أيديولوجيا من أي نوع، أن تكون الأساس الذي ينطلق منه الدستور، واستكمالاً لما كتبته أمس.. لماذا هذا الرفض القاطع بدون لف ودوران؟..

لأن أي دولة، وأي دستور لا يجب أن يكون منحازاً لدين دون الآخر، ولا يجب أن يكون منحازا لأيديولوجيا سياسية أو غير سياسية دون الأخرى.. فالدستور، أي دستور، يعبر عن المشتركات بين كل مواطني الدولة، سواءً كانوا مؤمنين بعقائد سماوية أو غير سماوية، أو غير مؤمنين بأي أديان أو عقائد.. لماذا؟.. 

لأنه إذا حدث وتم بناء دستور منحاز لأي دين أو أيديولوجيا، فهو يؤسس للاستبداد، لأنه يبني مؤسسات دولة منحازة لصالح مواطنين ضد مواطنين آخرين، ليس هذا فقط ولكنه سيبني القوانين والقرارات التنفيذية بمنطق الانحياز لفئة دون الأخرى، أو لتيار أو أيديولوجيا دون الأخرى، وهذه كارثة.

فهذه التفرقة ستكون الأرض الملغمة التي ستنفجر عاجلاً أو آجلاً، وكل الدول التي بنت دستورها ومؤسساتها على أساس ديني أو أيديولوجي عقائدي انهارت وتفككت، ونظرة متعجلة للتاريخ ستؤكد لك أن الإمبراطوريات التي كانت تختفي وراء غطاء ديني أيا كان انهارت، وكذلك الإمبراطوريات التي كان أساسها عنصريا مثل هتلر وجنوب إفريقيا وغيرهما اختفت، ومثلها الإمبراطوريات الشيوعية التي بنت وجودها على أساس أيديولوجي.

ولذلك.. وصلت البشرية بعد دماء وحروب لا أول لها ولا آخر، إلى أن الدول يتم بناؤها على المشتركات بين مواطنيها، وهي المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات، واحترام وتقديس الحريات الفردية والعامة، وهذه الدول هي التي نجحت وتقدمت رغم اختلاف الأديان والعقائد والأعراق.. إلخ.

مازلت أذكر ذلك الشاب الذي كان يصرخ باكياً من الفرح على شاشة التليفزيون أنه لا يصدق أنه يمشي في الشارع بلحيته الطويلة غير خائف، هذا الشاب الذي ناضلت أنا وغيري من أجل حريته، ودفعت من عمري سنوات وسنوات، أنا وغيري، حتى يكون حراً، لم أتصور أنه بعد أن حصل على ما كان بالنسبة له أحلاما مستحيلة، أن تكون معركته المقدسة ليس الدفاع عن حريتي، ولكن أن يدمر حرية غيره، بل ويكون مستعداً هو وكثير من رفاقه لأن يمارس ضدي التكفير والتهديد.. وهو ضمنياً ترخيص بالقتل.

الجريدة الرسمية