رئيس التحرير
عصام كامل

سلاح بريطاني لقطر.. صفقة اقتصادية لا تخلو من رسائل سياسية

فيتو

وقعت بريطانيا صفقة مع قطر لبيع 24 طائرة حربية حديثة من طراز تايفون بكل عتادها، فهل هذه صفقة اقتصادية بحتة بسبب الأزمة الاقتصادية في بريطانيا بعد البريكست، أم أنها اصطفاف مع قطر في خضم الأزمة الخليجية؟

أكدت وزارة الدفاع البريطانية في بيان لها توقيعها اتفاقية مع قطر لبيع 24 طائرة حديثة من طراز تايفون، ووصفتها بأنها "ستكون أول صفقة عسكرية كبيرة مع قطر، أحد الشركاء الاستراتيجيين لبريطانيا".

مشيرة إلى أن المفاوضات حول الصفقة استغرقت سنوات. وأضافت الوزارة أنها تأمل أن يعزز ذلك من الأمن في المنطقة عبركل الحلفاء الخليجيين لكن البيان لم يذكر قيمة تلك الصفقة.

ووصف السفير البريطاني في الدوحة، أجيا شارما على تغريدة عبر تويتر، الصفقة بـ"خطوة مهمة" في العلاقات العسكرية بين البلدين. وحول خلفيات هذه الصفقة ودوافع بريطانيا منها، وخاصة أنها جاءت في ظل الأزمة الخليجية، حاورتDW عربية الدكتور يزيد صايغ، الباحث الرئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.

DWعربية: ما هي دلالات هذه الصفقة بين بريطانيا وقطر، في ظل الأزمة بين دول الخليج؟

يزيد صايغ: الدلالة السياسية للصفقة القطرية البريطانية هي محاولة التأكيد على أن دولًا غربية رئيسية تنظر إلى قطر كحليف موثوق يستطيع الحصول على أسلحة متطورة، وهذا دعم لمقولة قطر أنها ليست مصدر للإرهاب أو أنها ليست في صف إيران،

وسبق لقطر أن عقدت صفقة مشابهة مع الولايات المتحدة، بعد اندلاع الأزمة، فالدلالة ليست عسكرية لأن وصول الأسلحة يستغرق فترة طويلة. إذن، مغزى الصفقة هو سياسي بالجوهر، وهو نوع من الاستمالة، يعني استمالة دول غربية رئيسية للدفاع عن قطر ضد المزيد من الضغط من قبل الأطراف المعادية لها في الخليج.

- هل تعتبر الصفقة التي وصفتها وزارة الدفاع البريطانية بأول صفقة كبيرة مع قطر، انحيازًا بريطانيًا إلى جانب قطر في الأزمة؟

- من الواضح أن بريطانيا من خلال عقد هذه الصفقة، ترسل رسالة سياسية واضحة أنها تقف إلى جانب قطر بما يتعلق بتأكيد سيادتها وأمن وسلامة أراضيها وحمايتها من أي عدوان خارجي، ولكن هذا لا يعني انحيازًا بريطانيًا كاملًا مع قطر ضد الأطراف المقابلة لها في مجلس التعاون الخليجي وخصوصًا السعودية والإمارات. لذلك يمكن أن نعتبر انحياز بريطانيا لقطر هو انحياز شكلي وجزئي فقط، لأنها انحازت فقط لتأكيد ما هو واضح أصلًا، وذلك أن قطر عضو بالأمم المتحدة، ولا يجوز الاعتداء عليها عسكريًا، كما لا يجوز فرض حظر بحري أو جوي عليها بقوة السلاح. بريطانيا عمليًا لا تقوم بشيء سوى تأكيد ما هو مؤكد اصلًا. وهذا لا يعتبرانحيازًا كاملًا لقطر على حساب الدول الأخرى، وخصوصًا أن هناك علاقات تجارية واقتصادية بريطانية واسعة جدًا مع السعودية والإمارات. فهي تزود السعودية بالذخائر التي تستخدم في الحرب في اليمن. لذلك فمن الصعب أن تعتبر السعودية بريطانيا منحازة لقطر وإن كانت ستنزعج لهذه الرسالة السياسية الواضحة.

- هل توقيع الاتفاق في هذا الوقت يرتبط بالأوضاع الاقتصادية التي تواجهها بريطانيا وخاصة بعد البريكست؟

- للموضوع جانب اقتصادي أيضًا ولكن ليس له علاقة مباشرة مع البريكست. فبريطانيا تقوم ببيع الأسلحة لدول الخليج منذ عشرات السنين، مثل صفقات اليمامة 1 و2 مع السعودية في الثمانينات وهذه المسألة ليست جديدة، وشركات الأسلحة البريطانية دائمًا تبحث عن أسواق لها وخاصة في الخليج، فمع أو بدون البريكست كانت الصفقة ستعقد.
لكن لو لم يحصل البريكست ربما كانت بريطانيا تريثت قليلًا بعقد الصفقة، يعني من المحتمل أنها كانت ستقوم بتأجيل الصفقة، ولكن ليس إلغاءها. وطالما أن الصفقة كبيرة فإن الجانب الاقتصادي سيكون مهمًا جدًا للبريطانيين. لكن هذا لا يعني أن بريطانيا وصلت لليأس ومستعدة أن تفعل أي شيء لبيع أسلحتها، لأن ذلك كان سيكلف بريطانيا كلفة اقتصادية أخرى، وهي أن تقرر السعودية أو الإمارات مثلًا ألا تشتري الأسلحة من بريطانيا، فتشتريها من ألمانيا أو فرنسا، ليعاقبوا بريطانيا بنفس الحجم. بريطانيا لن تضحي بعلاقاتها مع السعودية وستبحث عن مصلحتها في الطرفين، لكنها ستقول للطرفين أنها لن تلتزم بحظر يمنعها من ممارسة نشاطها الاقتصادي الطبيعي مع قطر أو مع أي طرف آخر، وبالتأكيد فإن بريطانيا قد قامت بدراسة الموضوع قبل توقيع الصفقة ورأت أنه لا توجد مجازفة كبيرة في عقدها.

- إلى أي حد يمكن أن تثير الصفقة قلق الدول الخليجية المقاطعة لقطر؟

- قد تبدي تلك الدول انزعاجها رسميًا أو يتأسف بعض مسؤوليها، لكن لن تصدر منها أية ردة فعل كبيرة، لأنّ من المؤكد أن بريطانيا قد حسبت المضاعفات السياسية من وراء هذه الصفقة قبل عقدها، فمن الممكن أن تكون بريطانيا قد اتصلت بالسعوديين وأخبرتهم أنهم ليسوا مستهدفين من الصفقة التي ستعقدها مع قطر.

- هل تعتقد أن بريطانيا قد تشاورت مع أمريكا قبل توقيع الصفقة؟ خصوصًا أنها تأتي بعد نحو ثلاثة أشهر من شراء قطر لطائرات إف 13 الأمريكية بقيمة 12 مليار دولار؟

- رغم أنه لا توجد حكومة تعرف كيفية التنسيق مع حكومة ترامب التي من الواضح أنه ليس لديها سياسة واضحة في أي مكان بما فيها دول الخليج، فقد تكون بريطانيا أعلمت وزارة الخارجية أو الدفاع الأمريكية عن عقد الصفقة، لكنني أستبعد ذلك لأن الشركات البريطانية والأمريكية تتنافس على هذه الأسواق، فبريطانيا الآن عرفت كيف تستفيد من الأزمة السياسية لتدخل على الخط، وبالنسبة لقطر فالموضوع مثل بوليصة التأمين، فهي اشترت سلاحًا لن تحتاجه فعليًا، وكأنها اشترت فقط رسالة سياسية من بريطانيا، ولكن هذا ليس شيئًا جديدًا على دول الخليج التي كانت تفعل الشيء المماثل ضد إيران مثلًا، فهي تشتري السلاح من الدول الغربية لكي تأتي لنجدتها عندما تقع في أزمة.

أجرى الحوار: محيي الدين حسين

* يزيد صايغ: باحث رئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، وترأس برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن من 1998 إلى 2003.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية