رئيس التحرير
عصام كامل

في مسألة صنافير وتيران!! (2)


إذا ما اتفقنا على أنه إذا كان السلاح الذي يضرب به العدو في حرب المعلومات هو المعلومة الخاطئة، أو المغلوطة، فمما لا شك فيه أن مقاومة تلك الحرب، والممانعة فيها لا تكون سوى بالمعلومة أيضًا.


وإذا كان العدو يعتمد في حربه لنا على معلومات مغلوطة، أو محرفة، أو كاذبة، أو نصف كاذبة، أي إنه يستخدم معلومة صحيحة ليؤسس عليها عشرات المعلومات الكاذبة، أو يستخدم نصف المعلومة، أو يستخدم المعلومة الصحية استخدامًا مغلوطًا، فإنه يجب علينا أن نرد على ذلك، وأن ندفعه عن أنفسنا بنشر المعلومات الصحيحة الكاملة، وبتوضيح الحقائق، وبثها للناس بمنتهى الصراحة، والشفافية، وإلا فسوف تلتهم حرب المعلومات عقول، وقلوب الناس بلا رحمة !

ولعل القضية التي خصصنا تلك السطور لمناقشتها، وبيان الصواب من الخطأ، والحق من الضلال فيها هى أكبر مثال، وأوضحه على حرب المعلومات، والشائعات، وأكبر بيان لمدى شراسة معركة العقول، والقلوب !

والحقيقة أن الخطأ الأكبر في هذه المسألة ليس خطأ المواطن البسيط المخدوع في شعارات براقة، ونخب كاذبة، والواقع تحت براثن حرب شرسة تنهش قلبه نهشًا، وتلتهم عقله التهامًا، وتبتلع فكره، وتصادر تفكيره، وتصدّر له أفكارًا تسيطر عليه تمام السيطرة، وحينها، حين ينهزم العقل فإنه، ولا شك يعادي وليه، ويصادق عدوه، ويبيع وطنه بغير ثمن!

وإنما الخطأ الأكبر، والجرم الأعظم في هذه القضية هو جرم الحكومة التي كان بيدها الأمر، وجرم من يمتلك المعلومة الصحيحة، ولم يبينها للناس، ولم يشرح الأمر ليكون جليًا واضحًا للعالمين، فأصبح المواطن فريسة سهلة، ولقمة سائغة لعدوه ينهش عقله وقلبه نهشًا، فتركته من دون سيف يدفع به ضربات عدوه في عقله، وعاريًا عن درعٍ يصد به طعنات العدو إلى قلبه، ووطنه، ودولته، وبلده، وقياداته.

والحقيقة –كذلك- أني في هذه المسألة، وفي غيرها من شبيهاتها، لا ألوم عدو بلادي بآلياته، ووسائله، وأدواته، وإعلامه على حربهم القذرة، فلوم العدو خارج حدود المنطق، بل هو سفه!

ولا ألوم وكلاء العدو في الداخل على تنفيذهم لأوامر أسيادهم بترويج المعلومات الكاذبة، والشائعات المغلوطة فهم يتقاضون الأجر من عدوهم على ذلك، ولومهم أشد سفهًا من لوم أسيادهم!

وكذلك لا ألوم المواطن المصري البسيط الذي سقط ضحية وفريسة لحرب شرسة، لا طاقة له لمواجهتها بمفرده، ولم يخطر بباله يومًا من الدهر أن يسقط في شباكها، وتحت أنيابها فتنهش عقله وقلبه، حتى لا تكاد تبقى له على رأي أو فكر.

وإنما اللوم فقط لحكومة بلادي، والتي تقاعست تقاعسًا مشينًا ومعيبًا عن دورها الأساس في كشف الحقائق للناس، وتوضيح الحق من الباطل، وتركت المواطن وحده في مهب الرياح الأربعة، يخوض حربًا لا طاقة له بها، ويواجه بنفسه عمل أجهزة استخبارات دول كبرى، لا قدرة للمواطن البسيط على صد عدوانها دون عون مباشرٍ، وغير مباشر من حكومة، وإعلام، وأجهزة دولته.

نعم.. إن اللوم في هذه المسألة منحصرٌ فقط على حكومة بلادي، والتي لم تؤدِ دورها المنوط بها، ولم تجابه العدو تمام المجابهة، ولم تتعامل مع هذه الحرب، وتتصدى للعدو بالطريقة التي تردعه، وتخرسه، بل وتقضي عليه، وعلى أذياله في الداخل، سواءً في هذه المسألة، أو في غيرها.

نعم.. لقد تركت حكومتنا المواطن البسيط يخوض حربًا دروسًا، ويواجه جيوشًا منظمة، وهو –مع ذلك- عارِ الصدر، أعزل عن كل سلاح يدفع به ضربات عدوه، أو درع يصد به طعناته، لتكون النتيجة –مع الأسف- أن يخرج المواطن البسيط من هذه المعركة –إلا من رحم ربي- مهزومًا، قد تسلل العدو إلى عقله شيئًا فشيئًا، حتى احتل عقله تمامًا، وسيطر على قلبه تمام السيطرة، وزرع فيهما ما يريد من التشكيك، والتخوين، ومن ثم يسيطر على إرادته، وفكره، ورأيه، ويوجهه حيث يريد، حتى لو كانت تلك الوجهة في غير صالح وطنه، أو في مصلحة عدوه.

ليبقى لنا أن نبين في المقال المقبل -إن شاء الله- ما نعتقد أنه الحق المبين في هذه المسألة، التي تحولت بفعل العدو، ووكلائه في الداخل إلى فتنة عمياء صماء يسقط في أتون لهيبها من لم يعصمه الله من الزلل.
وفي المقال المقبل للحديث بقية.. إن شاء ربُّ البرية.

الجريدة الرسمية