رئيس التحرير
عصام كامل

ملاحظات على مؤتمر شرم الشيخ


تنظيميًا، نجح مؤتمر الشباب والقائمون عليه في توصيل رسالتهم للمجتمع المصري والعربي والعالمي، خصوصًا النظام، فيما يتعلق بتوجهاته نحو التعامل مع قضايا ومتغيرات يستشعر معها خطرًا أو حرجًا، بينها الحريات وكذلك الدعم المادي العربي.


إجرائيًا، ظهرت توليفة الحضور بالمؤتمر معبرة عن انتقائية شديدة لأجهزة حكم ظلت تطبقها منذ بضعة عقود كعادتها، إلا أنها استمسكت في هذه المرة بمصطلح دستوري في دعوة تشكيلات جديدة من الفئات المختلفة انتماءاتها وسماتها، وهو "الكوتة"، فكانت مباهاة كل حزب وحركة وائتلاف ووزارة وجهة ونقابة وتيار بتمثيله داخل المؤتمر عبر عدد محدد.

في المقابل ظهرت حالة من الكيد الإعلامي والإلكتروني وصلت حد السخرية والعتاب للنظام، على دعوة وجوه وتجاهل أخرى، بين المؤيدين أو المعارضين للرئيس، وكأن المؤتمر هو بالفعل للسيسي وليس للشباب، أو أن الأخيرين حلوا ضيوفًا عليه، وهو انطباع يصل حد الحقيقة تمامًا، مع إنكار جهات مسئولة عن التنظيم حق شخصيات معبرة عن واقع الأزمة المصرية في الحضور.

نفس المسافة المقطوعة بين هؤلاء الغائبين والنظام ممثلًا في الرئيس ومجموعة الحكم، عادة ما يشغلها البارعون في اقتناص الفرص وتقديم أنفسهم بطريقة تليق بإمكانياتهم، فتجد مذيعًا يعتبر هطول الأمطار على شرم وغرق شوارعها في بركة من المياه، رخصة وتأييدًا من السماء للمؤتمر والرئيس، وكأن مدينة السلام كانت بحاجة إلى "تاتش الشيخ مذيع" لتعبر عن آلامها التي غسلتها أمطار مباركة.

استثمار الإسقاطات ذات اللون الديني على شرعية القنص ظهر جليًا في استدعاء الساعي بين الصفا والمروة بصحبة والدته لما يشبهها بأنها حالة إيمانية فريدة دائمة الحضور، حين تدعو للرئيس في حج يشهده ابنها صاحب فكرة " 25 – 30 " الأولى بمشاركة ناصريين حصدوا ما أرادوا من 30 يونيو ما قدموا به النموذج الاقتصادي الساداتي الثاني للمصريين على طريقتهم الخاصة.

وأقوى الرسائل التي جنبت النظام حرجًا متكررًا بسبب تركيزه مع أهل الصحافة والإعلام في خطابه السياسي، جاءت من نقيب سابق، وربما آت، تحدث عما يحكم العمل الصحفي، والإعلامي أيضًا، من أخلاقيات وضوابط مهنية، دون مناخ يخدم القائمين عليه يتيح من الحريات ما يدعم اختلافًا إيجابيًا في الرؤى لخدمة قضايا الوطن، التي يريد الرئيس ذاته التعامل معها حسب تصريحاته بجدية، قبل أن يحذر ممن تهدم رسائلهم علاقات مع أنظمة أخرى.

إيمانيات مؤتمر شرم وصلت تصريحات الرئيس نفسه حول مرحلة تقشف مطلوب مقبلة لا محالة، وسط دلالات حول تراجع دعم ومنح أنظمة عربية للحكومة المصرية، لكن الرسالة ظلت أبطأ من التعامل مع واقع مأزوم يتطلب موقفًا مدروسًا لفهم الأزمة المصرية التي يتجاهلها أصحاب القرار، على المستوى الإداري والفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني بالتأكيد.

الأزمة يعبر عنها ظاهريًا التمثيل المختار في المؤتمر، مهما تباينت ردود أفعال حول نتائج حوار "المشايخ الجدد" في شرم مع النظام، وعمليًا ما يجري على الأرض من فوضى يعبر عنها أداء الإدارة على مستويات مختلفة، أشكالها تتعدد كاختفاء وإعادة تسعير سلعة السكر وتوقع برفع أسعار الطاقة والوقود بنهاية العام، وترقب رفع سعر تذكرة المترو مطلع العام المقبل، وبينهما دعوات للحشد ضد فشل الإدارة في 11 نوفمبر دون وضوح جهة أو تيار ورائها، والحديث المهلهل عن نفس "البديل" السياسي الفاشل الجاهز بمخرجات الأنظمة السابقة كافة.

خلاصة ما جرى في شرم أن تنظيمًا جديدًا يخدم رؤية النظام الذاتية للمرحلة المقبلة ظهرت ملامح تشكيله، يميزه قدرة أفراده وقياداته على إعادة استنساخ الخطاب السياسي بصورته الحالية ونقله إلى الشارع بطريقة ربما لا تخدم النظام نفسه، ولن تخدم إلا الوجوه الباقية بعده.
الجريدة الرسمية