رئيس التحرير
عصام كامل

في أزمة السكر.. «المية على الترمس»


المشهد لم يكن مؤلمًا لكثيرين بقدر ما سبب جرحًا لكرامتهم أمام جبروت تجار يعلمون أنهم في دولة لن يُسأل فيها أحد عن مخالفة، عشته وآخرون داخل سوبر ماركت شهير قرب القصر الجمهوري بدائرة الزيتون، يمتلك صاحبه سلسلة فروع أخرى بمناطق مماثلة.

داخل السوق أخذ كل منا يبتاع ما يحتاجه من السلع الضرورية بالتأكيد، فالقدرات الشرائية تراجعت بدرجات تؤكدها مؤشرات وتقارير حكومية دورية حول معدلات التضخم، ولأنني على علم ومتابعة بأزمة "السكر" رفضت الاقتراب منه أو التفكير فيه تاركًا للمهووسين بالبحث عن سلع عزيزة.

على مسافات متفاوتة مني تكررت تقلبات نظرات آخرين على أرفف السلع المباعة التي اختفى عنها السكر، اقتربوا معى من ماكينة "الكاشير" لسداد فاتورة مشترياتهم، هناك كانت السلعة الغائبة تلاصق الواقف على الخزينة، أخيرًا وجدوا ما حاروا في الوصول إليه طويلًا دون أن يدلهم أحد على طريقه.

وقفت سيدة تجمع بيدها 5 أكياس من السكر لتضمها إلى قائمة مشترياتها، فتلقت ردًا قاسيًا:

حاسبي يا مدام.. مش تستأذني قبل ما تحطى إيدك على البضاعة؟

تعجبت ومن حولها وبادرت الشاب الذي يُصغر أبناءها بالرد: أنا أخذت بضاعة مش حطيت أيدي في جيبك..!!

فرد الشاب بسخرية المتغطرس التابع: مالكيش حق في شراء أكثر من كيلو واحد بس.

طالبته السيدة بمراجعة ما قال متعجبة: إنت تقصد إنه هايكفيني أنا وأسرتي.. ولا تقصد إنك تحكم وتتحكم في اختيار نوعية وكمية مشترياتي؟

لم يستهلك جهدًا في جمع كلمات إجابته: شكلك ما سمعتيش عن السوق السوداء.. إحنا بنحاربها علشان البلد ماتقعش.

وقف صديق يرافقنى في جولة التسوق أمام البائع واضعًا يده على أقرب كيس لنوع عادي من السكر مسعرا بعشرة جنيهات، ثم ردد للبائع: أنا عاوز كيلو واحد بس.. مشيني بسرعة بقى.

فرد البائع: هو سعادتك مش شايف اليافطة ولا إيه يا أستاذ...؟!

كانت اللافتة معلقة إلى جوار "الكاشير" مدون عليها عبارة "مسموح بكيلو سكر واحد لكل فاتورة مشتريات تتجاوز قيمتها 40 جنيهًا".

ثار صديقي وطلب صاحب المحل الذي استفزته ردوده الباردة: دى سياسات المحل يا أستاذ.. حاول تحس معانا بأزمة البلد شوية.

انفعل صديقي على المدير: أحس بالبلد ولا بجشعكم اللى مش لاقيين حكومة توقفه؟

فرد صاحب المحل: طيب اتفضل أطلب لنا الحكومة اللى هاتعرف توقفه.. أقول لك.. روح لها خليها تأكلك سكر بمعرفتها.

استفزني الموقف مع علمي بما وصلت إليه "شبه الدولة" من انهيار، فقررت أن أكون كوميديًا لأقصى درجة سودوية تتفق وواقع مشهد لن تغيره سطوري أو كلماتي كثيرًا بالتأكيد، وقلت لصاحب المحل:

باشا.. إنت تقصد إنك تبيع لنا سلعة ميتة على حِس سلعة محتاجينها فعلًا؟

فرد الرجل: بالضبط كده.. هو إنت مش شايف السوق ماشي إزاي؟

فقلت: أنت بتفكرني ببياع الترمس في الشارع زمان.. كنا نلعب الكرة ونعطش ونيجي نشرب من القلل بتاعته بُق مية ثواب، يقول لنا "المية على الترمس".

فاهتز الرجل ساخرًا: اعتبرني بتاع الترمس يا أبو دم خفيف.. وخلص بقى علشان تمشى الطابور.

استجبت لأوامره مُعطِيًا "الكاشير" ورقة فئة الخمسين جنيها: هات بـ40 جنيه كبريت وكيلو سكر يا عم.. أروح أولع في نفسي على ثورتين عملتهم ودستور صوتت عليه ورئيس وبرلمان انتخبتهم.. الله يخرب بيت اللى يزعلكم.

فرد الكاشير: ماتتنططش علينا قوى كده يا أستاذ بالورقة اللى ماتساويش اتنين ونص دولار بتاعتك دي قبل ما تعوم.

خرجت من المحل صامتًا أمام ضحكات صديقي صاحب أزمة وفكرة شراء كيلو السكر، داعيًا عليه أمام زبائن المحل "إنت كده تسخنني أعمل ثورة علشانك وتقف تضحك عليا في الآخر.."، فرد بضحكة أعلى "طبيعة المرحلة الانتقالية بقى هاتعمل إيه.."؟

الجريدة الرسمية