رئيس التحرير
عصام كامل

إسماعيل إبراهيم يكتب: الخطأ الشائع في احتفال المسلمين بالهجرة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 يرتبط الاحتفال بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس برأس السنة الهجرية في الأول من محرم، ويتبارى خطباء المساجد في شرح أحداث الهجرة، والدروس المستفادة منها في تلك الأيام، ولكن الحقيقة هي أن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بدأت فعليًا في صفر، ووصل إلى المدينة المنورة في ربيع الأول.


وذهب كثير من العلماء الذين سردوا أحداث الهجرة، ومنهم ابن هشام وابن كثير وابن حجر، إلى ذلك الرأي، حيث قال ابن كثير في كتاب «السيرة النبوية»: روى أحمد، عن عمرو بن دينار قال: إن أول من ورَّخ الكتب يعلى بن أمية باليمن، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في ربيع الأول، وأن الناس أرَّخوا لأول السنة، ورجَّح ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم وصل لدار الهجرة لثنتي عشرة ليلة خلت منه، وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور. 

وروى البخاري في حديث االهجرة للسيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمْ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ فَعَدَلَبِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّل».

أما عن بداية السنة الهجرية شهر محرم فقال محمد بن سيرين: قام رجل إلى عمر فقال: أرِّخوا، فقال عمر: ما أرِّخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر: حسن، فأرِّخوا، فاتفقوا على الهجرة ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان، ثم قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام، فأجمعوا عليه، وليس كما يظن البعض أنه بداية هجرة النبي.

في حين ذهب بعض العلماء إلى أنهم بدءوا السنة الهجرية بشهر محرم لأنه كانت بداية نية النبي وعزمه على الهجرة، فقال ابن حجر في كتابه الفتح: وَقَدْ أَبْدَى بَعْضهمْ لِلْبُدَاءَةِ بِالْهِجْرَةِ مُنَاسَبَة، فَقَالَ: كَانَتْ الْقَضَايَا الَّتِي اُتُّفِقَتْ لَهُ وَيُمْكِن أَنْ يُؤَرَّخ بِهَا أَرْبَعَة: مَوْلِده وَمَبْعَثه وَهِجْرَته وَوَفَاته، فَرَجَحَ عِنْدهمْ جَعْلهَا مِنْ الْهِجْرَة، لِأَنَّ الْمَوْلِد وَالْمَبْعَث لَا يَخْلُو وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ النِّزَاع فِي تَعْيِين السَّنَة، وَأَمَّا وَقْت الْوَفَاة فَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِمَا تُوُقِّعَ بِذِكْرِهِ مِنْ الْأَسَفِ عَلَيْه، فَانْحَصَرَ فِي الْهِجْرَة، وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيع الْأَوَّل إِلَى الْمُحَرَّم لِأَنَّ اِبْتِدَاء الْعَزْم عَلَى الْهِجْرَة كَانَ فِي الْمُحَرَّم، إِذْ الْبَيْعَة وَقَعَتْ فِي أَثْنَاء ذِي الْحِجَّة وَهِيَ مُقَدِّمَة الْهِجْرَة، فَكَانَ أَوَّل هِلَال اِسْتَهَلَّ بَعْد الْبَيْعَة وَالْعَزْم عَلَى الْهِجْرَة هِلَال الْمُحَرَّم فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَل مُبْتَدَأ، وَهَذَا أَقْوَى مَا وَفَقْت عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَة الِابْتِدَاء بِالْمُحَرَّمِ.

 وذكروا فِي سبب عمل عُمَر التَّارِيخ أشياء: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم الْفَضْل بْن دُكَيْن فِي تَارِيخه وَمِنْ طَرِيقه الْحَاكِم مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ «أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَر: إِنَّهُ يَأْتِينَا مِنْك كُتُب لَيْسَ لَهَا تَارِيخ، فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاس، فَقَالَ بَعْضهُم: أَرِّخْ بِالْمَبْعَثِ، وَبَعْضهمْ أَرِّخْ بِالْهِجْرَةِ، فَقَالَ عُمَر: الْهِجْرَة فَرَّقَتْ بَيْن الْحَقِّ وَالْبَاطِل؛ فَأَرِّخُوا بِهَا، وَذَلِكَ سَنَة سَبْع عَشْرَة. فَلَمَّا اِتَّفَقُوا قَالَ بَعْضهمْ اِبْدَءُوا بِرَمَضَان فَقَالَ عُمَر: بَلْ بِالْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ مُنْصَرَف النَّاس مِنْ حَجّهمْ، فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ».
الجريدة الرسمية