رئيس التحرير
عصام كامل

مؤتمر المواطنة والأقليات


انطلق فى القاهرة يومى 30 و31 مارس 2013 ، مؤتمر حاشد بعنوان "المواطنة والأقليات تحت حكم الإخوان"، نظم المؤتمر منتدى الشرق الأوسط للحريات بالقاهرة.. وهو المؤتمر الأكبر فى تاريخ مصر الحديث عن الأقليات والمواطنة، حيث شارك فيه بالحضور أو بتقديم أوراق بحثية حوالى 70 سياسيا وأكاديميا وباحثا متخصصا فى الموضوع، وصدرت هذه الأبحاث فى مجلدين بالعربية والإنجليزية لاستشراف واقع ومستقبل الأقليات تحت الحكم الإسلامى.


هو الأول، وربما الأخير، عن وضع الأقليات تحت حكم الإخوان.. وهو الأخطر نظرا للتهديد الوجودى للأقليات من الحكم الإسلامى.. وهو الأشمل لأنه يمثل كافة محاور وأبعاد هذه المخاوف كما يراها المتخصصون، وتحليلها من شخصيات بارزة والتنبؤ بها.. وهو الأكثر مصداقية لأن معظم المشاركين فيه من الأغلبية المسلمة السنية التى ترى بدورها الخطر على هذه الأقليات، والخطر الذى يحيق بالوطن ذاته، ويرأس المؤتمر أيضا شخصان مصريان مرموقان وهما الدكتور أسامة الغزالى حرب والدكتور كمال حامد مغيث.. وهو يأتى فى الوقت المناسب والمكان المناسب تماما، حيث إن القاهرة هى أنسب مكان لينطلق هذا المؤتمر منها، ومن ناحية التوقيت فهو يأتى فى وقت تصاعدت فيه مخاوف الأقليات فى مصر والشرق الأوسط كله من حكم الإسلاميين، كما تصاعدت فيه الاعتداءات عليهم واستهدافهم، وبدأت موجة جديدة وواسعة من نخب هذه الأقليات تأخذ طريقها للهجرة إلى الخارج منذ صعود الإسلاميين للحكم بعد انتفاضات ما سمى بالربيع العربى.

حرص منظمو المؤتمر على الدقة فى اختيار العنوان، فالمسألة الحاكمة للأقليات هى حقوق المواطنة المتساوية، وسقف جميع الأقليات فى مصر لا يتعدى سوى سقف هذه المواطنة الكاملة غير المنقوصة، فمصر التاريخية ومصر المعاصرة تمثل وحدتها سرا من أسرار هذا البلد الخالد، فطبيعتها الجغرافية أسبغت عليها قدرا كبيرا من الحماية السياسية والأمنية، فمصر يحدها من الشرق البحر الأحمر ومن الغرب الصحراء الشاسعة التى تلتحم بالصحراء الليبية، ومن الشمال البحر المتوسط ومن الجنوب منطقة السدود، كما أنها عبر التاريخ شكلت بوتقة تمصير لمن استوطنوها.

ولعل أكثر نقاط الضعف هى شبه جزيرة سيناء، حيث عزلت قناة السويس هذه المنطقة الشاسعة والغنية عن الجسد المصرى، ولهذا كنا حريصين على أن يتحدث عن مشكلة سيناء شخصان بارزان أحدهما باحث متخصص متميز يتحدث عن مشاكل سيناء، والثانى شخصية عسكرية مرموقة يتحدث عن الأمن القومى لسيناء بعد حكم الإخوان، فسيناء بالفعل هى المشكلة الأكثر حساسية هذه الأيام، بعد أن أصبحت حدودها مع غزة تمثل الخطر الأكبر ليس على سيناء فقط ولكن على مصر كلها.

يغطى المؤتمر خلال ثمانى جلسات ثمانية محاور تعالج المخاوف المتنوعة للأقليات فى مصر وهى: "المشاركة السياسية للأقليات تحت حكم الإخوان"، و"وضع الأقليات فى الدستور المصرى الجديد"، و"وضع الحريات الدينية تحت حكم الإخوان"، و"وضع غير المسلمين فى فكر الإخوان"، و"التمييز الدينى تحت حكم الإخوان"، و"الوضع الاقتصادى للأقليات تحت حكم الإخوان"، و" أوضاع المرأة تحت حكم الإخوان"، و"مشاكل الأقليات تحت حكم الإخوان"..

 وسيشارك فى المؤتمر ممثلون عن "الأقباط، والبهائيين، والنوبيين، وبدو سيناء، واليهود المصريين"، وناشطات من المدافعات عن حقوق النساء.

جاءت إضافة مشاكل المرأة لفاعليات المؤتمر لأنها تمثل أقلية وفقا لمعيار انتقاص الحقوق والتمييز المنظم الممنهج ضدها، ولأنها تعانى من مشكلات جمة وصلت إلى حد تجاهل حقوقها فى أهم وثيقة سياسية حقوقية فى مصر وهى الدستور ذاته، علاوة على انحطاط خلقى وصل إلى ذروته فى موضوع الاستهانة بجسدها والتحرش الفج العنيف بل والجماعى بها، كما أن اتخاذ شكلها ومظهرها وموقعها ودورها فى الحياة كمعيار لأسلمة الدولة جعل منها أهم المتضررين مما يسمى بالحكم الإسلامى.

ونظرا لأهمية المؤتمر وتاريخيته لم يتردد كل من الدكتور بطرس بطرس غالى والدكتور شريف بسيونى من توجيه كلمة مهمة للمؤتمر دعما للمواطنة ولحقوق الأقليات المقررة فى المواثيق الدولية، بل إن الدكتور شريف بسيونى قال لى إن توجيه كلمة للمؤتمر هو واجب عليه فى هذا الظرف التاريخى الدقيق الذى تمر به مصر والشرق الأوسط.

وفى ختام المؤتمر يلقى الدكتور عبد المنعم سعيد الملاحظات الختامية ويسلم الجائزة الأولى لمنتدى الشرق الأوسط للحريات( التميز فى القيادة فى المجتمع المدنى)، لاسم الراحلة علا غبور لدورها البارز والأساسى فى تأسيس مستشفى 57357 لسرطان الأطفال، وللسيدة هبة السويدى لدورها النبيل فى معالجة مصابى الثورة المصرية، وللدكتور محمد منير مجاهد لدوره الرئيسى فى تأسيس منظمة "مصريون ضد التمييز الدينى ومكافحة التمييز الدينى فى مصر".. ثم يختتم المؤتمر بحفلة أغانٍ وطنية لفرقة بهية الشبابية لروح شهداء مصر الأبرار.

وحتى لا يحدث لغط حول مسألة التمويل، فإن منتدى الشرق الأوسط للحريات، المنظم الوحيد للمؤتمر، هو منظمة غير ربحية مسجلة فى مصر، وهو ممول بالكامل ذاتيا بالتبرعات الفردية من مصريين، ولم يتلق أى تمويل نهائيا من أى دولة أو حكومة أو هيئة أو مؤسسة أو منظمة أو شركة أو جماعة منذ افتتاحه عام 2007 وحتى الآن.

وينطبق هذا على المؤتمر أيضا، إن النخبة المصرية المميزة، التى قبلت المشاركة فى المؤتمر أو تقديم أوراق بحثية له، جاءت للتأكيد على رسالة مهمة مفادها الرفض الواضح والقاطع لتحويل مصر إلى دولة دينية تنبع الحقوق والواجبات فيها من نصوص دينية، والتأكيد والإصرار والنضال من أجل أن تكون المواطنة التى تعرفها الدولة الحديثة هى مناط الحقوق والواجبات، بما فى ذلك الحقوق المتساوية والمشاركة الكاملة فى صنع مستقبل البلد لجميع المصريين سواء كانوا أقلية أو أغلبية، نساء أو رجالا.

نتمنى أن نخرج من المؤتمر بصورة واقعية بدون تهويل ولا تهوين عن مستقبل الأقليات فى مصر فى ظل توقعات متشائمة عن مستقبلهم ونزيف الهجرة الذى بدأ بالفعل يطاردهم، والأهم أن يكون المؤتمر نقطة انطلاق لكفاح من أجل مستقبل مصر الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية الحرة.
الجريدة الرسمية