رئيس التحرير
عصام كامل

الروائي الفلسطيني الفائز بجائزة البوكر: لو جاء مانديلا نفسه زعيمًا لفلسطين لن ينصلح حالنا

فيتو
18 حجم الخط


  • المنطقة العربية تدخل في حالة فوضى والفلسطينيون جزء من هذه المصيبة
  • التفرقة بين الفلسطينيين بأوروبا وغيرهم.. أوهام
  • لست مع أو ضد البرغوثي والأزمة الفلسطينية الآن تتخطى نطاق الأشخاص
  • الفلسطيني يعاني عدم وجود مجتمع مستقر
  • الأديب الفلسطيني يحمل قضية وهما مختلفا ولا يمكنه تجاوز القالب السياسي
  • اتهام "مصائر" بالتطبيع مجرد تراشقات وقراءات سياسية

لا  يمكن تطبيق المعايشة مع الإسرائيليين إلا بعد استرداد الأرض والحقوق الفلسطينية
القضية الفلسطينية دخلت نفقا مظلما بعد "أوسلو"

هو خيط غير مرئي يربط الفلسطيني بوطنه المسلوب أينما ارتحل، فقضيته تتخطى إطار جسده وتمتلك الروح مهما حاول الابتعاد والترحال في مدن العالم، تزوره رائحة الميرمية كل ليلة، يرى قبة المسجد الأقصى في الأفق، يسمع حكايا جدته عن البلاد البعيدة ويرسمها بريشته، فتنطبع وتنقش على جدار قلبه.

الكاتب الروائي ربعي المدهون الذي عاش سنوات عمره في لندن، لم يكن ليسلم من حلم العودة الفلسطينية، فصار قلمه مدواه لعقله يكتب من ذاكرته قصص البلاد، حتى فازت روايته الأخيرة "مصائر.. كونشرتو النكبة والهولوكوست" بجائزة البوكر لعام 2016، ليكون أول فلسطيني يفوز بالجائزة منذ تدشينها.

وفي حوار جمع "فيتو" بالكاتب، دار الحوار على النحو التالي:

- لماذا اختفى الأدب الفلسطيني عن الجوائز الثقافية بعد وفاة عمالقته أمثال محمود درويش وسميح القاسم ؟
الأدب الفلسطيني لم يختف أبدًا، ولكن هناك فوارق في الإنتاج الأدبي بين مرحلة وأخرى، لذا يمكن القول أن الكساد السياسي وتراجع الإنجازات في الفترة الماضية كان وراء إلقاء الضوء على الإبداعات الفردية لتقديم دور أفضل على المستوى الإبداعي كنوع من التعويض عن تراجع السياسة والوضع الفلسطيني.

- الأدب الفلسطيني دائمًا مختلف عن أقرانه، فما هي الوجبة المختلفة التي يقدمها ؟
هو ليس مختلفًا في البنية الإبداعية، وإنما يختلف من حيث الهم الأساسي الذي يحمله الكاتب لأنه يملك قضية مختلفة، فالفلسطيني يعاني دائمًا من عدم وجود مجتمع مستقر لتمزقه وتشتته منذ حرب 1948، الأمر الذي أعطى للفلسطيني طبيعة قضية مختلفة عن أقرانها يستطيع تناولها في إنتاجه الأدبي.

- إذا أسرت القضية الفلسطينية أدبائها في القالب السياسي ؟
أكيد، فإلي أين يمكن أن يتجاوز القالب السياسي إذا كان مسيطرًا على حياته بالكامل، فالعالم العربي يمتلك مشكلات اجتماعية طبيعية يمكن أن يتناولها في إنتاجه، أما الفلسطيني يمتلك كارثة كبرى وهي عدم وجود مجتمع أو دولة مستقرة من الأساس، لذا لا يمكن أن ينفصل عن واقعه وماضية.

- بطلة روايتك "مصائر" أوصت بنثر ترابها في فلسطين، فهل أصبح اللاجئ يتعامل مع وطنه على أنه مقبرة فقط ؟
لا أظن ذلك، فهي اختارت نثر ترابها في فلسطين لأنها تمتلك نوعا من محاولة تصفية علاقتها بماضيها وتطهير الذات، أو ربما تحاول التكفير عن ذنبها عندما أحبت ذلك البريطاني وهربت معه، لذا تحاول العودة برمادها إلى الأرض مرة أخرى، وهو ما ينطبق على جميع اللاجئين، فالفلسطيني يريد العودة إلى الأرض حتى ولو صار رمادًا.

- اتهمت روايتك الفائزة بالبوكر – مصائر – بالتطبيع، فهل كنت تتوقع ذلك الاتهام ؟
حقيقة لا أستطيع فهم هذا المصطلح ولا اعترف به على الإطلاق، فالمعنى الحقيقي للتطبيع هو العيش في حياة طبيعية، وهو مالا يستطيع الفلسطيني تحقيقه في ظل الاحتلال، أما في ما عدا ذلك فهو مجرد اتهامات وتراشقات سياسية، إما أن تكون ناشئة عن الغيرة في الأوساط الثقافية والمثقفين من بعضهم، والعجز عن اللحاق بموكب تطوير الرواية، أو تكون مجرد مواقف وقراءات سياسية.
وأنا لست زعيم حزب ولا أبرم اتفاقيات سياسية لأتهم بالتطبيع، وما أطرحه هو عمل أدبي لا بد أن يقرأ وينقد بشكل أدبي فقط، بعيدًا عن المواقف والتراشقات السياسية.

- اتهمك البعض بالموافقة على مبدأ التعايش بين الفلسطيين والإسرائيليين، فما ردك ؟
من ناحية عملية هم الآن يعيشون فعلا تحت أرض واحدة، فئة منهم محتلة (المحتل) والأخرى تحت طاولة الاحتلال، ولكن مانطمح له هو العيش في مجتمع طبيعي في ظل وطن متحرر بعيدًا عن الاحتلال، وبعد تحقيق جميع مطالب الشعب الفلسطيني يمكن الحديث حينها عن المعايشة، أما المعايشة حاليًا فهي غير منطقية ولا وجود لها، لأنه لايمكن العيش مع الاحتلال، ولا يمكن تطبيقها على الأرض إلا بعد دفع إسرائيل ضريبة ما ارتكبته طيلة هذه السنوات ابتداء من حرب 1948، إضافة إلى اعترافهم بحق عودة اللاجئين.

- إذا كيف تفسر ماجاء في روايتك "مصائر" عن المعايشة ؟
ماجاء في الرواية هو مجرد أمر متخيل للمستقبل.

- تعيش فلسطين حالة من العزلة الثقافية، حيث يهاجم الكثير من الأدباء العرب عند سفرهم لمدنها بحجة التطبيع.. فما موقفك من ذلك ؟
هو أمر سياسي بحت، ومن وجهة نظري أرى هذا الموقف خاطئ تمامًا، فأنا لا أطالب العربي بزيارة إسرائيل أي الأراضي الواقعة تحت الحكم الإسرائيلي، وإنما بزيارة المدن الفلسطينية كمدن الضفة الغربية، لأن الفلسطينيين بحاجة إلى هذه الصلات خاصة الثقافية.
وهناك أسماء أدبية كثيرة زارت فلسطين، للتعرف على الفلسطيني على أرض الواقع في حياته اليومية عبر الحواجز، وما يتم تداوله عن الأختام الإسرائيلية هي غير صحيحة إطلاقًا، فإسرائيل لا تختم أي ورقة للضيف الزائر لمدن السلطة الفلسطينية، وإنما توافق على زيارته من خلال طلب تقدمه السلطة فقط.

- هل أجهضت الثورات العربية القضية الفلسطينية وجعلتها في معزل عن اهتمام المواطن العربي ؟
أصارحك أن المنطقة العربية بأكملها تدخل في حالة فوضى تتداخل فيها العوامل الإقليمية والدولية وتراث 1400 عام من النكد والتخلف الذي يحتاج إلى إعادة هيكلة وتأهيل، والفلسطينيون جزء من هذه المصيبة.

- هل يتعرض اللاجئ الفلسطينى في الدول الأوروبية لأي مواقف أو مضايقات ؟
لا.. أنا فلسطيني الهوية ولكني أقيم في بريطانيا مثلي مثل أي مواطن بريطاني، لي مالهم وعلي ماعليهم، وأوهام المضايقات والتفرقة ليس لها وجود على أرض الواقع.

- برأيك ماهي السياسات الأكثر جدوى على الأراضي الفلسطينية، حماس أم فتح ؟
لا هذا ولا ذاك، فالقضية الفلسطينية دخلت مأزقا طويلا منذ اتفاقية اوسلو وتخلي إسرائيل عن كل مامنحوه عمليًا للسلطة الفلسطينية، لذا لا أرى سوى أفق شديد التعقيد.

- هناك مطالبات عديدة بشأن ترشح الأسير مروان البرغوثي للرئاسة الفلسطينية، فما رأيك ؟
لا أمتلك موقفًا ضد أو مع البرغوثي، فالأزمة الفلسطينية الآن تتخطى بمراحل نطاق الأشخاص، فلو اننا نملك نيلسون مانديلا نفسه زعيمًا للبلاد، لن يجدي هذا نفعًا مع الوضع الفلسطيني الراهن، فالوضع الفلسطيني متردي للغاية وكذلك المنطقة العربية بأسرها، لذا الأزمة لا تكمن في أشخاص وإنما في إعادة النظر للمفاهيم والأزمة بشكل عام.

- ما الإضافة التي وهبها لك عملك الصحفي في عالم الأدب ؟
الكثير، فالعمل الصحفي أعطاني جملة من التقنيات التي أحاول الاستفادة منها ومن كل ماتعلمته في خلق عالم سردي وأدبي جديد، حتى الموسيقى استطعت توظيفها، وهو ما يظهر في عنوان رواية مصائر.. "كونشرتو الهولوكوست والنكبة".

- ما قصة تعلمك للموسيقى وولعك بها ؟
لم أكن يومًا محترفًا بالتأكيد، وإنما كنت عازف "ماندولين" عندما كنت أدرس في القاهرة، ثم تحولت للعزف على آله الجيتار.. أنا فقط أحب الموسيقى وأهوى العزف ولكن لم أنتم يومًا لفرقة موسيقية ولا أعزف إلا لنفسي فقط.. لا أكثر.

- من هو المؤثر الأدبي والمكون الأساسي لشخصية ربعي المدهون الأدبية ؟
لا أؤمن كثيرًا بمسألة التأثير الأدبي، فأي نص أقرأه يؤثر في ويعطيني شيئًا منه، لذا.. فأنا نتاج قراءات مستمرة ومطالعة دائمة، وأنا حصيلة كل ما قرأت وتعلمت في حياتي، لذا أحاول قراءة كل مايعجبني بعض النظر عن خلفيات المؤلف أو جنسيته.. فأنا أحب وأنتمى للعمل الجيد فقط.

- يعتبر الشاعر محمود درويش من أكثر الشخصيات تأثيرا على أي أديب وشاعر فلسطيني، فهل لم يمسسك جزء من هذا التأثير ؟
بالطبع درويش قامة أدبية وشعرية كبيرة، استطاع أن يؤثر في كل شخص فلسطيني داخل الحقل الأدبي والإبداعي من خلال فلسفاته، ولكن ليس شرطًا أن يؤثر في كل شخص، أنا أقرأ لدرويش ولكن لم يؤثر على أي كاتب.

- شاركت مؤخرًا في ملتقى تجديد الخطاب الثقافي بالقاهرة.. فهل ترى أي نتيجة حقيقية وطائلا من وراء هذه الملتقيات ؟
الملتقيات والمؤتمرات مفيدة في جميع الأحوال، سواء إن خرجت بتوصيات أو لم تخرج، وسواء إن كانت هذه التوصيات سيتم تنفيذها أم لا، ولكن الفائدة الحقيقة التي تكمن في الملتقيات هي الالتقاء بهذا العدد الكبير من المثقفين من جميع العالم العربي، إضافة إلى الاستماع لعدد أكبر من الأفكار والآراء من خلال الندوات المقامة الملتقيات.
أما النتائج الملتقيات، فمن المعروف أن مثل هذه المؤتمرات لم تستطع في حياتها حل أزمة ما بالعالم، لذا فالغرض الحقيقي من إقامتها هو فقط إثارة حالة من الجدل الفكري وإعادة النظر للأمور.

- بماذا يحلم ربعي المدهون ؟
أظن أنه لم يتبق لي الكثير من الأحلام، فقدت أنتجت روايات استطاعت أن تفوز بالجوائز من الناحية الأدبية، أما على الصعيد الشخصي فأظن أنه لم يتبق لي سوى أن أحلم برؤية أحفادي.

- ماطبيعة العمل الجديد الذي سيقدمه المدهون ؟
مازلت في مرحلة تقليب أفكار وإعداد، ولكن عادتي ألا أطرق الباب مرتين، ولا أعيد تكرار نفسى سواء في الموضوع الذي أتناوله أو اللغة التي استخدمها.
الجريدة الرسمية