رئيس التحرير
عصام كامل

ثروت الخرباوي يكتب: «من الغباء ما قتل».. أعضاء بمكتب الإرشاد صوتوا لتنحي مرسي في 30 يونيو.. ونائب المرشد أكد أن القيادات العسكرية لا تستطيع التحرك دون أوامر الرئيس

ثروت الخرباوي
ثروت الخرباوي

>> التنظيم الدولى عرض على "المعزول" الهروب إلى اليمن أو قطر أو تركيا إلا أنه رفض
>> عصام العريان طلب المساعدة من إخوان الخارج فنصحوه بالاستجابة لمطالب الشعب

>> الشاطر: نمتلك المال والسلاح والعلاقات مع أمريكا وأوروبا ومن الأفضل للجيش أن يحمي الشرعية حتى لو سالت الدماء أنهارا

اقتربت الساعة واطمأن الإخوان، ورغم أن الشارع المصري كان يغلي إلا أن قيادات الإخوان كانت تظن أنها في النعيم المقيم، ويبدو أن المتنبي شاعر العرب الأكبر كان يصف الشعب المصري حينما قال: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله... ثم أنه كان يصف الإخوان في الشطر الثاني من البيت، حينما قال: وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم، نعم كان الشعب المصري يشقى في نعيم الإعداد لثورة تطيح بالإخوان، في حين كان الإخوان في الجهالة ينعمون.

قامت نسبة كبيرة من الشعب المصري بالتوقيع على استمارة حركة تمرد التي كانت تشبه إلى حد كبير التوكيل الذي حرره الشعب لسعد زغلول قبل ثورة 1919، وكانت هذه الاستمارة هي المسمار الأخير في نعش الإخوان، ولكن الله طمس على قلوبهم فلم ير أحدهم الشمس وهي ترتفع ساطعة فوق مصر، وقالوا إنما سكرت أبصارنا، ولكي تهدأ قلوب إخوانية كانت واجفة قرر خيرت الشاطر في الخامس عشر من يونيو أن يجتمع مع باقي قيادات العصبة الإخوانية في قصر الاتحادية، وكان اختياره القصر من قبيل التأكيد على أن الإخوان سيبقون في الحكم إلى ما شاء الله، وكان الحضور مع خيرت هم محمد مرسي رئيس الدولة، ومحمد بديع المرشد، ومحمود عزت ومحمود غزلان ورشاد بيومي وعصام الحداد وأحمد عبد العاطي، وبدأ الاجتماع بكلمة من خيرت الشاطر قال فيها: إن كل شيء يسير على ما يرام، وإنه استطلع الأحوال في الشرطة وداخل القوات المسلحة، وإنه على يقين من أن الشرطة المصرية ستقف بجوار محمد مرسي باعتباره الرئيس الشرعي، وإنها ستحميه من أي خروج أو انفلات من القوى التخريبية أو من جبهة الخراب ـ يقصد جبهة الإنقاذ ـ

وفي ذات الاجتماع أكد محمود عزت على أنه طلب من رؤساء المكاتب الإدارية للإخوان في المحافظات أن يوجهوا أنشطتهم في الفترة الحالية على تعليق "بوسترات" على الحوائط تندد بجبهة الخراب، وتدخل عصام الحداد في الكلام موضحا أنه صاغ بنفسه العبارات التي سيكتبونها في "البوسترات" وشرح المستهدف من هذه العبارات وأنها ستخلق حالة "برمجة ذهنية" للشعب تربط ما بين الخروج على الشرعية وبين التخريب.

انتهى الاجتماع وحالة الاطمئنان تسود بين الجميع، ويومها أصدر محمود عزت منشورا داخليا للإخوان تم تعميمه على جميع المكاتب الإدارية تطلب منهم الهدوء والثقة في القيادة وأنه لن يحدث أي شيء يمس شرعية الرئيس، وأن الشعب لن يستجيب لمحاولات الخروج عن الشرعية، إلا أن الهدوء الذي كان في قمة الجماعة لم يصاحبه هدوء مماثل لدى القواعد التي كانت في حالة قلق لم تنفعه المنشورات الداخلية وعبارات الاطمئنان، فالواقع الذي كانت القواعد تراه كان مختلفا عن الرسائل الإخوانية التي تأتي إليهم من القيادات، فالشارع يمور بالغليان والغضب من كل القرارات التي كان مرسي يتخذها، ونشاط حركة تمرد في جمع التوقيعات كان يحالفه النجاح، ومحاولات الجماعة في جمع توقيعات لحركة أخرى أطلقوا عليها "تجرد" لم تحظ بأي نجاح، بل نالت سخرية لاذعة من الشعب ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي.

جاء يوم العشرين من يونيو والغضب الشعبي يتصاعد، وهنا بدأ القلق يتشرب إلى القيادات، فاحتاج الأمر إلى اجتماع جديد انعقد في فيلا خاصة لخيرت الشاطر في التجمع الخامس ضم القيادات السابقة التي اجتمعت من قبل بمن فيهم الرئيس محمد مرسي الذي كان في كل اللقاءات مستمعا، كان اللقاء عبارة عن محاضرة ألقاها خيرت الشاطر في الحاضرين قال فيها إن التجارب السابقة لدى الشعب المصري تؤكد أنه لا يمكن أن يثور الشعب مرتين في خلال عامين، وأن الطاقة النفسية للشعوب تتأبى على الثورة الثانية، وأن فكرة الثورة لا يمكن أن تحدث مرة أخرى إلا بعد مائة عام، وأجرى قياسا مع ثورة 1919 أكد من خلال قياسه أن الثورة المصرية الشعبية السابقة على ثورة "تسعتاشر" كانت هي ثورة المصريين ضد الحملة الفرنسية والتي كانت عام 1789 وأُطلق عليها ثورة القاهرة الأولى، وبالتالي تكون ثورة "تسعتاشر" قد جاءت بعد مائة وعشرين عاما من ثورة المصريين الأولى، ثم جاءت ثورة يناير 2011 بعد ثورة "تسعتاشر"بنحو تسعين عاما، لذلك فإنه يرى أن مصر لا يمكن أن تثور مرة أخرى إلا إذا وجدت ظروفا مماثلة للثورات السابقة على أن يكون هذا بعد نحو مائة عام، أكثر قليلا أو أقل قليلا.

وكان سؤال محمود عزت للشاطر في تلك الجلسة هو: وما هي ترتيباتك بالنسبة للقوات المسلحة، هل يمكن أن ينحاز الجيش للمظاهرات التي ستخرج؟.
قال الشاطر ردا على عزت: إن الجيش لن يقف إلا مع الشرعية وإنه لا يمكن أن يقف مع مظاهرات يخرج فيها بضعة آلاف، وأنه أجرى استطلاعا عن طريق بعض مراكز الاستطلاع التابعة للإخوان اتضح فيها أن عدد المتظاهرين لن يزيد عن عشرة آلاف مواطن وأنهم كلهم سيعودون إلى بيوتهم قبل المغرب، ثم أردف قائلا: وعلى العموم لقد رتبت أموري وسأجلس مع وزير الدفاع السيد عبد الفتاح السيسي.

قال عزت بهدوء: هذا هو أهم شيء في القصة كلها، فوزير الدفاع سيكون عنصرا فاعلا في الوقوف معنا لذلك يجب أن يكون حديثك معه جامعا بين ذهب المعز وسيفه، ولا يغرنك أنه متدين وأن تدينه سيدفعه للانتصار لنا، إذ لو زادت أعداد المتظاهرين فمن الممكن أن ينحاز لهم.


قال الشاطر واثقا: هذا ما سأفعله، يا أخ محمود المثل يقول أرسل حكيما ولا توصه، أنا عارف تماما من أين تؤكل الكتف.
انتهى الاجتماع وقد عاد بعض الاطمئنان للقيادات الكبيرة في الجماعة، إلا أن حالة القلق زادت بين قواعد الإخوان، خاصة بعد أن أصدر وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي تصريحا في الثالث والعشرين من يونيو، قال فيه إنه سيعطي مهلة مدتها أسبوع للقوى السياسية المتنازعة للتوافق والمصالحة، والغريب أن قادة الإخوان استقبلوا هذا التصريح على أنه يصب في مصلحتهم وأنه يعتبر تنبيها للقوى السياسية بالامتثال للشرعية وعدم الخروج عليها.

وبعد هذا التصريح بيومين عادت قيادة الإخوان للاجتماع في ذات الفيلا الخاصة المملوكة للشاطر، وقد أكد الشاطر لهم أنه اجتمع مع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وأنه أطلق أثناء اللقاء عدة رسائل تهديد وتحذير، حيث قال للسيسي إن الإخوان سيبقون في الحكم مدة لن تقل عن خمسمائة عام، وأن أحدا كائنا من كان لن يستطيع إزاحتهم من الحكم، وقال الشاطر وكله ثقة: وقلت له إننا نمتلك قوة المال والسلاح فضلا عن العلاقات الوثيقة بأمريكا ودول أوروبا، وأنه من الأفضل للجيش أن يحمي الشرعية حتى ولو سالت الدماء وأصبحت أنهارا، ثم أردف ضاحكا: وكنت وقتها أشير له بيدي وكأنني أحمل مسدسا، وأوجه يدي ناحيته حتى يفهم أننا من الممكن أن نقتله لو وقف مع المظاهرات.

وحين سأله محمود عزت: وماذا كان رده عليك؟
قال الشاطر: لم يرد، ابتسم فقط!.
بعد هذا الاجتماع اختفى محمود عزت، وقرر رشاد البيومي البقاء في فيلا يمتلكها في السادس من أكتوبر بعيدا عن الأنظار، وذهب خيرت الشاطر للإقامة في فيلا يمتلكها في مدينة الغردقة، وأسرع محمد بديع إلى مرسي مطروح ليقيم في شاليه يمتلكه هناك، وجاء يوم الثلاثين من يونيو لتخرج الملايين وتزداد الأعداد بعد المغرب بما يخالف كل توقعات الإخوان، وتصبح الأعداد من الكثرة بحيث لا يستطيع أحد أن يحصيها.
وأصدرت القوات المسلحة بيان مهلة اليومين ووضح في هذا البيان أنه موجه للإخوان خاصة بعد أن ألقى مرسي خطابا منذ يومين سابقين على الثلاثين من يونيو أوضح فيه أنه لن يستجيب لأي مطلب من المطالب الشعبية وأنه لا يوافق على انتخابات مبكرة.
وأثناء الثلاثين من يونيو لم يستطع العاملون بالرئاسة من الإخوان، بداية من عصام الحداد مساعد مرسي للشئون الخارجية، وأيمن على مستشار شئون المصريين بالخارج، وخالد القزاز وأحمد عبدالعاطى، وسامح العيسوى، وجميع طاقم الرئاسة، لم يستطع أي من هؤلاء التواصل مع قيادات مكتب الإرشاد، وفي ذات الوقت قام عصام العريان بالاتصال بأفرع الإخوان في الخارج للاستنجاد بهم، إلا أن الرد جاء للعريان بأنه على مرسي الاستجابة لمطالب الشعب وتحديد موعد لانتخابات مبكرة وإلا سيفلت الحكم من بين أيديهم ولن يكون في إمكانهم فيما بعد أي مشاركة سياسية جديدة، وهو ما رفضه خيرت الشاطر ورشاد بيومى نائبا المرشد العام، والعضوان بمكتب الإرشاد العالمى، على الرغم من تصويت 8 من أعضاء مكتب الإرشاد الدولي لصالح تنحى مرسي ودعوتهم لتجنب المواجهة مع الجيش، وهو ما رد عليه الشاطر بالتأكيد لهؤلاء أن القيادات العسكرية الحالية، لا تستطيع اتخاذ إجراء بدون موافقة الرئيس محمد مرسي.

وحينما احتدمت الأمور وجاء أول يوليو اقترح التنظيم الدولي على مرسي أن يغادر إلى اليمن أو قطر أو تركيا، أو إلى أي جهة أخرى يحددها إلا أنه رفض ذلك تمام بعد أن أكد له الشاطر أن المظاهرات ستهدأ ولن يحدث شيء، ولكن حدث كل شيء ووقع الإخوان ومعهم مرسي في شر أعمالهم، وليصدق المثل القائل:" من الغباء ما قتل"...

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية