رئيس التحرير
عصام كامل

«أسعد».. قصة قصيرة لمحمد الأعصر

محمد الأعصر
محمد الأعصر
18 حجم الخط

ماذا عندما يكون الاسم على غير مسمى فهو كان لـلأم أمل ولكن ما كان صاحبه إلا يتخطى الخطى بقسوة الواقع مرارا يتحايل عليه بما يستطيع فينأى تارات ويكون له ساعات وهو يبحث عن ذاته وقلادة ذاك الواقع كي يدلهي أملا كي تستشعر أمه ذاك حين استبشرت بـمولد ابنها أسعد.

 

ما كان من الزمان الذى قدر لأم أسعد قساوته إلا أن تقسو عليه ولا تعرف لـلدلال معنى كي يصبح رجلا يصيبه الكبر لا فى سنه بل فى عقله باحثا عن ذاته بين ملمات الدهور وثنايا القبور لا فى مسماها ولكن فى منعطفات  بدواخل الآخرين تركوها حتى أصبحت متناثرة غير أن ذاك هو ما يقال له الواقع الذى لا يعرف فى مصطلحاته التدليل ونحن فى إصرار نعلمه التوقير.

رغم مرار الأيام وقسوتها لم تنس والدته أن يكون ابنها ذا علم ولكن ما تناست أن تعظم فيه قيمة العمل حتى يظن أنه أقيم من العلم فـهى تعلم مرارة العيش وقلة المال التى تودى للذل بين الأنام ولكن هي كانت ما تمتلك التوازن بين هذا وذاك فى تربية ولدها الذى كان قد توفي أبوه وهو حديث سن بـدنيا تاركا له القليل من الزاد الكثير مما سنراه فـي الأيام.

 

ودائما ما تتصبح في الصباح الباكر للسعى على قوتها بين ذاك الثمر من بعض الخضار والفاكهة من فيض الرحمن فى ذاك الصباح الهائم بذكر الرزاق ودائما ما كانت تنادى على أسعد صباحا كي يستيقظ وهي تعلم أنه لن يقوم فـهي تعلم سن الشباب بعد الطفولة بقليل من السهر ليلا فكانت تارة تتركه وتارة تنثر الغطاء من على رأسه قائلة:

قوم يا ابني خلي ربنا يرزقنا في الصبح بكرمه

حاضر يا ماما هاقوم

بقالك ثلاثة أيام حاضر ومفيش سمعان كلام 

طيرتي النوم من عنيا بكتر الكلام يا عنيا

اضحك عليا يا واد بـكلامك المعسول ده

الله مش بابا الله يرحمه كان شاعر يا ماما ونفسك أكون زيه

سكتت تلك الأم وتنهدت فى عبره استشعر أسعد ذلك من بحة صوتها كانت على ما كانت ولكن كان لها من الرقة ما كان ميراثا لها من زوجها الحبيب ولكن كانت لا تظهر ذاك حتى يصبح أسعد خشنا يستطيع التعايش فى دنيا لطالما امتلأت بالذئاب خاصة فى تلك البقاع التى هي مصدر الأرزاق.

وما أن تمر الأيام ويكبر أسعد وأوضاعهم مستورة كعادة غيرهم من الطبقات المتوسطة تارة وتارة والأم على ولدها يرجف قلبها فهو يكبر وتخشى عليه من الكثير والواقع الأليم ودائما ما كانت تعظم فيه الأخلاق على ما كان من بعض الشرود كعادة الشباب ولكن هي كانت توقن أن ذاك هو السلاح الوحيد لبقاء النقاء.

انتهى من دراسته فى الأدب وهذا ما يشغل البال كيف لتلك البائعة أن يكون النتاج لها هذا الاهتمام الرهيب وما خفي أن والده كان مدرسا للغة العربية وتلك الأم كانت لم تتم دراسة الجامعة وتزوجها وحينها كانت ظروف الحياة أقسى من أن نتحدث عنها وجاء القدر بوفاة والد أسعد ولم تلبث أن حملت المسئولية ولكن كان دائما فى خلجات صدورها أن تكتمل كلية الأداب التى انتصفت فيها الأعوام لولا تلك الماديات العقيمة ولكن سعادتها رأتها فى تخرج أسعد وتحقيق أمنية أبيه.

 

وهنا تغيرت الحياة قليلا فبدأ أسعد فى العمل كمدرس فــلكم تربى على عشق الضاد وتجد هنا الأم فسحة فى الماديات ولم تتناس ذاك العلم الذى أنشد فى ابنها حروف الضاد وأكملت تعليمها والعجيب أن أسعد لم يلحظ ذاك وهنا يظهر ملامح العلم فى التربية يزينها العقل وأكملت دراستها وعندما أخرجت شهادة تخرجها عند استيقاظ أسعد فى الصباح قائلة له فى بسمات فرحه:

قوم يا واد

ضحك أسعد وكان قد استيقظ ولكن ما زال على سريره قائلا:

فى حد يقول لمدرس قوم يا واد

بس انتي منية القلب فقولى ما تتمنى يا مالكة اللب

ردت الأم قائلة:

اضحك عليا يا واد بكلام الشعر ما احنا برضو بنعرف نقول

فـتبسم أسعد فى دمعات فرحه وهل يا أمى أنا إلا تلميذ قدميك فاغرورقت عيناها بالدمع وقالت له أغمض عينيك وعندما فتحها وجد شهادة تخرجها فلم يتكلم ببنت شفة إلا وخر على قدميها باكيا وساد الجو البكاء العاشق بين فرحات عارمة وما كان منه إلا أن فعل كما تفعل الأم فى يوم زفاف ولدها سعيدا لتلك المفاجأة.

ومرت الأيام وساد البيت هدوء العمر بعد مشقة الأيام وبلا شك أن الحياة لا تخلو أبدا من مشاكلها لكن التربية السليمة تبنى جسرا تعبر به جميع فصولها المتغيرة باعثة أملا قد ينزوى تارات ويأتى أيضا تارات حاملا ألما لكن تلك النبضات من الفن والأدبيات تهون قساوة تلك السنوات.

الجريدة الرسمية