رئيس التحرير
عصام كامل

الذين أغرقوا الرئيس!


ذات يوم شاهد النمور"الثعلب" يتسلل خلف أسوار الغابة..فسألوه: ماذا تفعل أيها الضعيف الماكر؟ فأجابهم: أحاول الهرب.. فتعجبوا متساءلين: أيهرب مَاكر..هل فقدت"حِيل" التعايش مع"قهر" الأسود.. فأجابهم: كلا.. ولكن قرر"الأسد" إعدام كل "زرافات" الغابة! فنظروا إليه في دهشة: ومالك أنت والزرافات..فأنت ثعلب..؟ّ!فضحك ساخرًا: أعلم أني"ثعلب" وليس زرافة.. لكن"الأسد" كلف"الفيل" بمتابعة الموضوع!


هذه الومضة على وجه التحديد تحاكى الواقع المرير الذي تعانيه مؤسسة الرئاسة ويعانيه الشعب على حدٍ سواء.. وبنفس المرارة.. وتجيب على كثير من التساؤلات التي يطرحها خبراء الاقتصاد والتنمية.. لماذا رغم"جدية" الرئيس تتوالد الأزمات؟ وهل هي أزمات مفتعلة من النظام نفسه كما تفسرها الجماعات المناوءة لحكمه؟ أم أنها أزمات صَدَّرَتها للنظام جماعة الإخوان المعادية لحكم السيسي بالتعاون مع أنصارها من قيادات الدولة العميقة؟ أم أن هناك مبررا "خفى" أعلنت عنه تلك "الومضة" الخفيفة في حكمة سياسية وإدارية بليغة.. مفادها أن قوة الرئيس ليس في إصدار"القرارات" وإنما في القدرة على تنفيذها.. وأن نجاح الرئيس ليس محصورًا في جملة القرارات والسياسات التي يصدرها.. وإنما في وضع نظام صارم لمتابعة تنفيذ تلك القرارات.. وأن المشروعات التي يتبناها الرئيس لخدمة الفقراء والمعوزين لن توْتى ثمارها دون نظام جيد للمتابعة؛ يضمن وصول خدمات الدولة لمن يستحقها.. كما يضمن أن قررات الرئيس تسير في مسارها الصحيح..

والواقع يشير إلي أن معظم قرارات السيسي"الأخيرة" لم تصادف"الزمن" الذي يروق لها ويتماهى معها.. فالقضية الحقيقية في تصورى ليست سوء نوايا كما ادعى البعض. وإنما هي عدم القدرة على ربط الفعل بالزمن الذي يناسبه.. وتظهر تلك المشكلة بوضوح في قضية التخلى عن تيران وصنافير.. والتي تشير إلى أن المتورط في تلك القضية التي أحرجت مؤيدى السيسي بل وقسمتهم إلى نصفين هم جماعة المستشارين؛ الذين لم يحددوا الوقت المناسب لمناقشة تلك القضية، ولم يضعوا نصب عينيه مخاطر فتح ذلك "الملف" في ذلك التوقيت بالذات.. وجَرّوا على مؤسسة الرئاسة "وابلًا" من القذائف الملتهبة، أضعفها الاتهام بـ"الخيانة" وبيع الوطن!

ولو كان من بين مستشاريه مُحنك في السياسة.. مولع قلبه بحب الوطن.. يدرك عن حق ملكية السعودية لهاتين الجزيرتين، كما يدرك رغبة الرئيس في التخلى عنهما؛ لَمَّا فعل ذلك.. وطالب الرئيس بتشكيل"لجان" دولية لدراسة الموضوع.. وجعل السعودية ومصر ممثلتين في هذه اللجان؛ على أن يكون التمثيل من بين أعضاء البرلمان الموثوق في وطنيتهم وولائهم للشعب..وأخذت هذه اللجان وأعطت ومَهَّدت ويَسَّرَت على الشعب قبول النتيجة..ولَمَا جعلت الشعب يثور في وجه الرئيس؛ ويتهمه بتجاهل "الدستور" الذي سُفكت من أجله الدماء..وأنفقت لأجله أموال الشعب.. وكانت النتيجة قد أجريت على ألسنة نواب البرلمان.. ولما ضُرِب بآرائهم عرض الحائط..!

لو كان مستشارو الرئيس محنكون لما نصحوه بمحاصرة "الانتماء" الوطنى في الشوارع.. واتهام المطالبين بعدم التخلى عن الجزيرتين بـ"الخيانة" ولا بالعمالة.. فكيف تطالب الدولة الشعب بـ"الانتماء" وتعاقب من يمارسه بـ"الاعتقال"؟!
منطق غريب تبناه الذين هم حول الرئيس ثم أقنعوه به.. فإذا كانت تلك الجزر غير مصرية.. فلماذا لم يتبع الرئيس الإجراءات الدستورية في التخلى عنها.. وإذا كان التخلى عنهما تم بطريقة غير دستورية..فكيف تطالب الدولة الشعب بـ"الانصياع" لدستور هي بالأساس كانت أول من"يخالفه"!

وعموما إذا كان تلك الجزر سعودية فإن المدافع من أجل بقائها ربما يُعَّد "طامع" لكنه بكل تأكيد ليس"خائن ".. لقد كان موقف تيران وصنافير اختبار حقيقى لمشاعر الانتماء لدى المصريين.. وأنه واقعة كاشفة لإعلامنا المزيف.. والمنطق"المُشَوَّه" الذي يحيط به المستشارون قرارات الرئيس.. و"خبرات" سياسية أقل ما توصف به أنها"هَشّة "..!

لاشك أنى لا زلت على ثقة كبيرة في وطنية المشير عبد الفتاح السيسي وجرأته الكبيرة في التعامل مع المواقف المصيرية.. لهذا فإننى أحمل المحيطين به فشل تلك نتائج القرارات التصادمية؛ التي شقت نسيج المؤيدين..وخلقت دعاوى قوية لدى المتآمرين والمحرضين..

وأطلب من الرئيس -فقط- أن يأخد قسطا من الراحة لمدة لا تجاوز اليوم الواحد.. يغلق خلاله كل نوافذ غرفته ومنافذها.. وينظر حوله.. تارة إلى الكفاءات التي تم اختيارها منذ توليه الحكم..ويعيد تقييم تلك الكفاءات في ضوء الحقائب الوزارية والملفات التي أسندت إليها.. وتارة إلى الذين قاموا بترشيح واختيار تلك الكفاءات..يقارن بين الطريقة التي كان يختار بها مبارك قياداته - حتى قامت الثورة - وبين تلك الطريقة التي يتم بها اختيار قياداته..تارة يتأمل في الوجوه ومدى حداثتها وتباينها.. وتارة يتساءل في خلوته عن شعبيته التي اكتسبها في 30 يونيو وما آلت إليه الآن!

يسبح في أوجاع الفقراء والعامة.. وماذا فعلت الأسعار في بطونهم..كيف صارت صحة المواطنين..وإلى أين تصير؟ هل طورت الشرطة أساليبها في التعامل مع المواطنين؟ هل ما زال القضاة في مصر أنصاف آلهة؟! هل تمكن الرئيس من جعل ابن"الزبال" يجلس على مقعد القضاة؟ هل أدرك الرئيس أن مستقبل العدالة في دعم قوة المحامين وليس القضاة؟!

ربما لا يحتاج الرئيس إلى يوم كامل لخلوته..فربما يحتاج إلى ساعة فقط لإعادة النظر وتقدير الموقف..ليدرك أن مشاريعه القومية العملاقة قد لا تثمر سوى بعد فوات الأوان.. وأن حصاده لـعشرة آلاف فدان من القمح أهم من تفريعة القناة التي كلفته قرابة 60 مليار جنيه..لا يزال أمام الرئيس"ساعة" إما أن"يسجن" نفسه في قارب المستشارين الذي أوشك على الغرق.. وإما أن"يقفز" إلى سفينة الشعب التي لن تغرق.. مهما كانت الأمواج جامحة..!
Sopicce2@yahoo.comjadv
الجريدة الرسمية
عاجل