رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية «المعلم والسادات».. «عثمان أحمد عثمان» يتحول للذراع اليمنى للرئيس الأسبق بعد زواجه بابنته.. ساهم في بناء السد العالى وتعمير بورسعيد بعد العدوان الثلاثي.. وشركة «المقاولو

عثمان أحمد عثمان
عثمان أحمد عثمان

«لا أحب أبدًا المواقف المترددة.. وأميل إلى الحسم السريع للأمور دون إغراق في التمحيص.. والتدقيق والدراسة طريقتي في الإدارة.. لا تكتب ولا تقرأ.. بل تمارس».. كانت تلك إحدى مقولات عثمان أحمد عثمان، المهندس والسياسي، ومؤسس شركة المقاولون العرب، أكبر شركات المقاولات منذ الستينيات وحتى وقتنا هذا، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم عام 1999.


مولده ونشأته
في حارة عبد العزيز بشارع مكة بالإسماعيلية في بيت من طابق واحد به حجرتين، واحدة للخزين، والأخرى للنوم على حصير وركن للطيور والسقف مكون من تعريشة ولد عثمان أحمد عثمان في السادس من إبريل1917 ، لأب بقال يمتلك محل بقالة لبيع المواد تموينية بالجملة، وكان الابن الأصغر في هذه العائلة.

التعليم
اتسم عثمان أحمد عثمان بالتفوق الدراسي، في كافة المراحل التعليمية، فالتحق بكلية الهندسة، واستطاع الحصول على "شهادة فقر" لإعفائه من مصاريف الجامعة، إلى أن تخرج عام 1940 وعمل مع شقيق والدته بالمقاولات ومن هنا إكتسب الخبرة والمال الذي جعله يبدأ الكفاح منفردًا.

المعلم عثمان
في الحى الإفرنجى بالإسماعيلة كانت أولى بداياته نحو القمة، حيث قام بإنشاء مكتب صغير للمقاولات وكان هو العامل الأول فيها، لم يترأس العمال بل كان يساعدهم بيده، حتى أصبح لقب المعلم عثمان هو لقبه المفضل، وبفضل العزيمة والإصرار تحول المكتب إلى شركة المقاولون العرب ومن دراجة صغيرة اشتراها لكاتب حساباته إلى أسطول من السيارات والأوناش والأتوبيسات فيما بعد، وصار المكتب شركة  توسعت إلى عدة فرع، وكان أول تعامله مع المقاولات الكبرى عام 1947من خلال إسناد شركة عبود باشا لشركته مهمة إنشاء سور لمصنع الأسمنت للشركة بالسويس.

رحلة الملاليم والملايين
في بداية الخمسينيات من القرن الماضى، سافر «المعلم»، إلى السعودية واستطاع بكفاحه أن يقوم بمشروعات ضخمة، فضلًا عن افتتاح فروع لشركته في العديد من الدول العربية الأخرى مثل العراق وليبيا والكويت، ومن خلال شركته استطاع فتح سوق في تلك الدول للعمالة المصرية.

ملحمة السد العالى
من أهم أعمال شركته التي قامت بها بناء بناء السد العالى، والذي تم بناؤه في 10 سنوات، ويعلق عثمان أحمد عثمان في كتاب«صفحات من تجربتي» عن هذا قائلًا: «لقد واجهت أكثر من خصم وخضت أكثر من معركه على أكثر من جبهة في وقتً واحد، فوقف جميع مقاولى مصر ضدى ووقفت في مواجهتهم شركتي وحدها وكسبت العطاء»، متابعًا: «كان السد العالى ملحمة طويلة لطول وعرض وعمق الجبال والجرانيت التي هدمها المصريون وأقاموا السد العالى».

حربا الاستنزاف وأكتوبر
وبعد نكسة 1976 وبداية حرب الاستنزاف، كانت الطائرات الإسرائيلية تقوم بإستهداف المنشآت العسكرية والمدنية المصرية، فكان لابد من مواجهة ذلك بإنشاء قاعدة للصواريخ على الضفة الغربية للقناة، ومن هنا تصدت شركة المقاولون العرب لهذا العمل الانتحارى، حيث كان الطيران الإسرائيلى يضرب تلك القواعد في أثناء البناء.

واستشهد خمسمائة عامل أثناء البناء، كما تم بناء قاعدة أكثر من خمس مرات، بعد هدم الطيران الإسرائيلى لها بعد بنائها، وبالإصرار تم الانتهاء من العمل والتصدى للطائرات الإسرائيلية، وفي حرب أكتوبر تم تصنيع المعدية التي حملت الطلمبات والمضخات والتي أُستخدمت في فتح الثغرات في خط بارليف لعبوره في ورش المقاولون العرب.

المعلم والسادات

علاقة المهندس عثمان بدأت بالرئيس الراحل أنور السادات، منذ وجود الرئيس في الإسماعيلية في بداية حياته، كما التقى به في بورسعيد عندما قامت شركة المقاولون العرب بتعمير بورسعيد بعد العدوان الثلاثى، فنشأت بينهم صداقة وعلاقة عائلية حين تزوجت الابنة الصغرى للرئيس الراحل «جيهان»، من محمود عثمان ابن المهندس عثمان أحمد عثمان.

قوة الصداقة
‬وأصبح عثمان هو رفيق السادات وصديقه ومستشاره وصهره،‮ ‬بل وشارك السادات في‮ ‬عدد من القرارات الاقتصادية حتى ‮ ‬إن الكاتب الكبير موسى‮ ‬صبري‮، قال‮ ‬إن الموافقة على‮ ‬أي‮ ‬مشروع اقتصادي‮ ‬كانت تمر من بين أصابع عثمان أحمد عثمان،‮ ‬لكن صراحة عثمان للسادات كشفت عن عداء شديد للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذي بدا واضحًا في‮ ‬كتابه‮»‬، صفحات من تجربتي‮ الصادر عام‮ ‬1981،‮ ‬ووجه فيه انتقادات لاذعة لعبدالناصر بسبب قيام الأخير بتأميم شركة المقاولون العرب التي‮ ‬يمتلكها عثمان.

تأميم الشركة
وكان عثمان قد ذهب إلى صديقه السادات قبل التأميم بأيام، فلم يشأ الأخير أن يفاتحه بما سوف يصيبه باعتبار ذلك سرًا ملكًا لعبد الناصر وحده‏، ويسأله عثمان بعدها‏:‏ لماذا أمموني؟ وأنا لست من النوعيات التي ينطبق عليها مثل هذا القرار،‏ فلا أنا إقطاعي ولا رأسمالي ولا مستغل ولا محتكر ولا ذنب للاستعمار وما لدى من أموال كونت بها الشركة وحصلت عليها بعرقي من خارج مصر،‏ وأتيت بها لتستثمر لصالحها فيها،‏ ويجيبه السادات‏:‏ هذه أشياء سوف تنتهي وعليك بالصبر.

لجنة تقصى حقائق
‏وإذا ما كان عثمان قد نفذ حلم عبد الناصر في بناء السد، وظل حتى النهاية مؤيدا له ومتعاونا معه،‏ فإنه من بعد رحيله أظهر نفوره من سياسته، حتى أخذ يشير إليه في كتابه «صفحات من تجربتي» بتعبير نظام الحكم، بدلًا من ذكر اسمه الحقيقي، وأثار الكتاب زوبعة إثر صدوره في أبريل نيسان 1981، لما جاء فيه من انتقادٍ لعبد الناصر، ما اضطر السادات إلى إصدار أوامر بتشكيل لجنة تقصي حقائق لما ورد في الكتاب الذي نوقش في مجلس الشعب.

مناصب سيادية

ويعد المعلم من ضمن الوفد الذي سافر مع السادات أثناء رحلته إلى إسرائيل، كما تولى العديد من المناصب السياسية في عهد السادات فتم تعينه وزيرًا في ثلاث وزارت ونائبا لرئيس الوزراء، وهم وزيرًا للتعمير في 28 أكتوبر 1973، ووزيرًا للإسكان والتعمير في سبتمبر 1974 في وزارة د. عبد العزيز حجازي، وفي مايو 1976 تم تعينه وزيرا للإسكان والتعمير في وزارة وزارة ممدوح سالم، وكان الرئيس الراحل يأخذ رأيه في مختلف الأمور حتى السياسية مما وضع تلك العلاقة موضع النقد، كما صنفته مجلة فوربس الأمريكية من ضمن 400شخصية ثرية على مستوى العالم في السبعينات.

انتهاء الصداقة
دخل عثمان أحمد عثمان في‮ ‬عهد السادات نقابة المهندسين، وأقنع عثمان صديقه السادات بمشروع الصالحية لتعمير الصحراء،‮ ‬وعين السادات حسين عثمان شقيق عثمان مشرفًا على‮ ‬المشروع بدرجة نائب رئيس الوزراء،‮ ‬ولكن المشروع لم‮ ‬يحقق النتائج التي‮ ‬كانت متوقعة بالمرة،‮ ‬وتعرض المشروع لخسائر مالية بالملايين، ‬ولم تكن الصالحية المشروع الوحيد الذي‮ ‬تبناه عثمان،‮ ‬وخسر أموالا طائلة، ‬هناك أيضا عملية إنشاء مزرعة سمكية بمريوط وغيرها من المشروعات الخاسرة‮، وباغتيال السادات في‮ ‬حادث المنصة عام‮ ‬1981‮ ‬انتهت ـ بحكم القدر ـ صداقة عثمان أحمد عثمان بالرئيس الراحل أنور السادات‮.

الجريدة الرسمية