رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. متاحف سرقسطة «تروي قصة تاريخ» إسبانيا

الدكتور أحمد الصاوي
الدكتور أحمد الصاوي

يعرض الدكتور محمود رمضان - خبير الآثار والعمارة الإسلامية، مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية- موضوعًا مهمًا بصفحته «الصالون الثقافي» عن متاحف سرقسطة بإسبانيا بقلم الدكتور أحمد الصاوي - أستاذ الآثار والفنون الإسلامية- في إطار دعوة العالمين الجليلين لنشر الوعي بأهمية التراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه.


يقول الدكتور الصاوي:

سرقسطة هي واحدة من أهم مدن إسبانيا في القسم الشمالي الشرقي منها، حيث مقاطعة أراجون، وهي عاصمة المقاطعة في الوقت الراهن.

وتعود تسميتها إلى حقيقة أن مشيدها هو القيصر أغسطس، وقد افتتحها المسلمون مع ما افتتحوه من مدن الأندلس، حيث عرفت باسمها العربي سرقسطة، وكان يطلق عليها الثغر الأعلى.

أسر عربية حكمت سرقسطة بعد انهيار دولة الخلافة الأموية بالأندلس، منها بنو تجيب من كندة، ثم بني هود، وتشتهر المدينة بقصر الجعفرية الذي شيده المقتدر التجيبي في القرن الخامس الهجري(11م)،وظل هذا القصر مقرا للحكم خلال عهد ملوك الطوائف من أسرة بني هود وحتى بعد سقوط سرقسطة بيد ألفونس الأول عام 1118م،وأصبح قصر الجعفرية مقرا لإقامة ملوك الأراجون وميدانا خصبا لإبداعات المدجنين أو المسلمين الذين أجبروا على التنصر.

ومع استيلاء فرديناند وإيزابيل على غرناطة تحول قصر الجعفرية إلى مقر لهما، وظل مقرا للملوك الكاثوليك فيما بين عامي 1492م و1594م.

وفي القرن السابع عشر الميلادي تم تحويل قصر الجعفرية لقلعة حصينة ذات أسوار وخنادق،وإبان الحرب الأهلية الإسبانية استخدم كثكنة عسكرية،وأخيرا تم ترميمه في النصف الثاني من القرن الماضي ليصبح مقرا للمجلس التشريعي لمقاطعة أراجون.

ونظرا لتعرض قصر الجعفرية للدمار الجزئي، سواء أثناء هجوم نابليون على سرقسطة في القرن 19م أو بسبب الحرب الأهلية، فقد كان من الضروري إعادة ترميم بعض زخارفه الجصية البديعة ونقلها لتعرض بالمتحف الإقليمي لسرقسطة مع بعض القطع الفنية، سواء كانت بالقصر أو لدى أفراد وبعض مؤسسات المدينة.

ومتحف سرقسطة الإقليمي من المتاحف العريقة في إسبانيا، إذ كانت نواته المقتنيات التي عرضت بمعرض عالمي نظم في سرقسطة عام 1908م، وينقسم المتحف لقسمين رئيسيين أحدهما تعرض به الفنون الجميلة من لوحات ومنحوتات وأعمال تشكيلية مختلفة لأشهر الفنانين من إسبانيا والقارة الأوروبية،وهي تمتد تاريخيا من القرن 12م إلى العصر الحديث،وتحتل أعمال فرانسيسكو دي جويا مكانة مهمة بين معروضات الفنون الجميلة.

أما القسم الثاني فهو خاص بالآثار، وبه مقتنيات للفترات التاريخية التي مرت بها المدينة، بدءا من عصور ما قبل التاريخ وحتى نهاية عهد ملوك الطوائف بسرقسطة،وبالمتحف العديد من النقوش البرونزية الإيبرية واللاتينية.

ويضم متحف سرقسطة الإقليمي قسمين إضافيين خارج مبناه العتيد، أحدهما خصص لقسم الخزف في حديقة ريفيرا بريمو، ومبنى آخر للمقتنيات الإثنوغرافية.

ومن القطع الرائعة التي يقتنيها المتحف من العناصر الفنية الأصلية لقصر الجعفرية تاج عامود من الرخام يعود لمنتصف القرن الخامس الهجري(11م)، وهو محفور بزخارف بديعة تعكس الطابع الفني للزخرفة الإسلامية في فترة حكم ملوك الطوائف.

ورغم أن ارتفاع هذا التاج لا يتجاوز 35 سم إلا أنه يحتشد بالزخارف النباتية التي صفت في نطاقين متتالين من بعد رأس التاج أو قمته التي كانت تحمل رجل العقد.

ففي قمة التاج نجد كتابة بالوسط من كل وجه من الأوجه الأربعة للتاج،وهي تحمل كلمة "نعمة" بالخط الكوفي المورق، وعلى جانبي الكلمة زخرفة من أوراق نباتية تشبه سعف النخيل.

وقد جعل الفنان للتاج أربعة أركان بارزة برشاقة عن سمت التاج تحوي في صدر البروز رسوم المراوح النخيلية المحفورة بدقة، وفي الجانبين نجد رسما لمراوح نخيلية وسط نصفي مروحة نخيلية، أما وسط قمة التاج فبه وحدة زخرفية مكررة قوامها مروحة نخيلية بالوسط على جانبيها بتماثل دقيق أنصاف مراوح نخيلية، وينتهي هذا القسم بشريط دقيق من زخارف هندسية رسم معين بالوسط على جانبيه رسوم لمستطيلات ودوائر متبادلة.

ويلي ذلك منطقة وسطى بها نطاقات متوجة ببروز عددها ست، وهي محفورة بزخارف شديدة التنوع في أوضاعها على الرغم من أن قوامها رسوم المراوح النخيلية الكاملة وأنصافها،ويلي ذلك نطاق آخر به أيضا ست مناطق بارزة ولكنها أقل ارتفاعا،وبها زخرفة نادرة ومركبة تجمع بين أوراق نباتية رمحية.

ويعرض المتحف العديد من العناصر الزخرفية والبنائية التي كانت بقصر الجعفرية، ويعد المالك الأكبر في إسبانيا لتلك القطع الفنية التي لا يشاركه فيها سوى متحف الآثار الوطني بمدريد، والذي استعار بعضا من تلك الأعمال الفنية بغرض أن يكون المتحف الوطني الرئيسي ممثلا في معروضاته لكافة المنتجات التي تعرضها المتاحف الإقليمية بالدولة، وللتعبير عن الشخصيات التاريخية المتفردة للمقاطعات الإسبانية.

والحقيقة أن العديد من الهيئات الرسمية بل والمؤسسات الدينية في سرقسطة تمتلك بعضا من التحف الفنية الإسلامية وتعتز باقتنائها وعرضها على الزائرين، ويندر أن نجد كنيسة أو دير لا يقتني تحفا إسلامية بين الكنوز القديمة لها.

ومن القطع الفنية الرائعة التي يحتفظ بها مجلس مدينة سرقسطة صندوق صغير من العاج يعود إنتاجه لنهاية القرن السابع الهجري(13م)، وهو على هيئة اسطوانية ولا يتجاوز ارتفاعه 9.4 سم بينما يصل قطره إلى 11.5 سم.

ولهذه العلبة التي تعرف عادة باسم «الحق» نظرا لضآلة حجمها رتاج له مفتاح،مما يشير إلى أنه كان يحتوي الأشياء الثمينة من حلي ومجوهرات،وهذا الرتاج من الفضة المطلية بالذهب، وقد شكل على هيئة أربع أشرطة معدنية تشكل نهاياتها قاعدة، وقد استكملت تلك الأشرطة بغطاء، منها ثلاثة أشرطة حرة تماما، أوسطها بها قفل الرتاج، ويقابله تماما الشريط الرابع المرتبط بمفصل بالشريط المثبت ببدنه حتى لا يتحرك الغطاء بعيدا.

وتعكس الكتابات المسجلة على الرتاج الفضي مدى التدهور البسيط الذي لحق بإجادة الفنانين المدجنين للغتهم العربية الأصلية، إذ يمكن قراءة عبارة "الملك لله" المكررة مع بعض التجاوز عن طريقة الوصل بين الحروف العربية.
الجريدة الرسمية