رئيس التحرير
عصام كامل

حياتي تحت قدميه

ليديا يؤانس
ليديا يؤانس


انحنيت أحتضن قدميه بين ضلوعي أقبلها، تركت قدميه وصعدت على السرير بجانبه، أبحث عن مكاني بين أحضانه، للأسف لم يشعر بي، لم تطوقني ذراعاه، لم يضع إحدى ذراعيه تحت رأسي والأخرى تحتوي جسدي النحيل بين ذراعيه كما كان، لم أشعر بلهيب أنفاسه يتجول فوق وجهي الرقيق يمطره بالقبلات كما كان، هذا الرجل الذي أعشقه وأحبه بجنون، دائمًا يبهرني بتميزه، ذو جسد قوي مُفعم بالحيوية والرجولة، قوي الشخصية والجسد، حاصل على بطولات في رفع الأثقال وكمال الأجسام، ولكن أهم بطولاته أنه الرجل الوحيد بالنسبة لي الذي لا تُساوي الحياة بدونه شيئًا!


انفتح باب الغرفة ودخل الرجل الثاني برفقة طبيب، حاولا أن يهدئا من روعي، فقدت أعصابي وقلت للرجل الثاني، اغرب عن وجهي ليس لك مكان بحياتي، هذا هو الرجل الوحيد في حياتي.
الطبيب سحبني برفق وقال سأشرح لك حالته في مكتبي، الطبيب يجرني من يدي لنخرج من الحجرة، ولكن قدميّ لا تطاوعاني، عيوني ملهوفة عليه، وقلبي يذوب هلعًا بين أضلعي خشية أن أرجع فلا أجده.

قلت للطبيب، عشت حياتي كلها في رعب أن أسمع عنه مكروها، لا أستطيع الحياة بدونه، بل حياتي كلها تحت قدميه، تلقيت مكالمة هاتفية، حالته خطرة جدًا وهو الآن في مستشفى القوات المسلحة، خرجت كالمجنونة أصرخ في الشارع، بدون حذاء، بدون نقود، بدون أية معلومات عن مكانه أو حالته، فاعل خير أوصلني للمستشفى ومكانه.

قال الطبيب، استقبلناه من الإسعاف على إثر حادث مروع، العناية الإلهية تدخلت لكي تُنقذه، من أن تدهسه عجلات السيارات المُسرعة بالطريق، لقد وقع من سيارة الإطفاء وهي تجري بسرعة جنونية لأداء مهمة إطفاء حريق.

قال سائق سيارة الإطفاء، إنه كان يجلس بجانبي، إنه هو اللواء المسئول عن وحدة إطفاء العتبة، وهي وحدة كبيرة جدًا مركزية، وتخدم مناطق عديدة من وسط البلد، كان يحاول ارتداء البوت، أثناء شده للبوت، رُبما اتكأ بجسده على باب السيارة، فجأة وجدت باب السيارة انفتح بقوة، ولم أجد سيادة اللواء بجانبي!

قلت، لقد أخذني مرات عديدة إلى مكان عمله، سوف ترى كيف أن هؤلاء الجنود قد يضحون بأرواحهم لإنقاذ الناس من لهيب النار، جندي الإطفاء يجب عليه اقتحام النيران لإنقاذ الضحايا حتى ولو فقد هو حياته، أثناء تواجدهم في وحدة الإطفاء، هم دائمًا على أهبة الاستعداد، تجد الوحدة منظمة بطريقة تسهل قفز الجنود في عربة الإطفاء في أقل من لمح البصر، يوجد في منتصف الوحدة عمود حديدي معلق في السقف ونهايته فوق عربة الإطفاء التي يجب أن تكون على أهبة الاستعداد أيضًا، وحينما يدق جرس الإطفاء ليعلن أن هناك حريقًا، تجد الجنود يقفزون من أماكن تواجدهم أو سرايرهم حتى ولو كانوا في أي دور من المبنى، وكل واحد يأخذ حذائه (البوت) والخوذه والجاكيت، وبسرعة يمتطي العمود الحديدي، الذي ينتهي به فوق عربة الإطفاء ويستكملون لبس ملابسهم أثناء انطلاق السيارة لأداء مهمتها.

قال الطبيب، إن حالة سيادة اللواء حرجة جدًا، حيث إن مُعظم ضلوعه مكسورة، ويوجد جروح وسحجات في مناطق متفرقة من جسده، وأن عدم قدرته على الكلام، بسبب العلاج والمُخدر القوي لتقليل الإحساس بالألم لديه.

لملمت أشلائي المُبعثرة، جسدي المُتهالك، فكري المُشتت، عيوني الزائغة، أنفاسي المتلهفة على الاستمتاع بعبق أنفاسه، نبضات قلبي البطيئة الحزينة المُلتاعة على رفيقها، جررت قدمي بصعوبةُ، وكأنني أنظف أرضية المستشفى، حتى وصلت إلى غرفة حبيبي، إنه ما زال في شبه غيبوبة، لم أستطع أن أضع أذني على صدره، كما تعودت لأسمع دقات قلبه حيث الأربطة والضمادات، قبلت يديه ورأسه ووجهه وكل جزء من جسده، حينما تلامس جسدي مع جسده شعرت بأنه ما زال على قيد الحياة فانفرجت أساريري وهدأت نفسي.

جلست أهمس في أذنيه، مُتأكدة أنه يسمعني ويتجاوب معي، برابطة الحب المُقدس الذي يجمعنا، الدم الذي يجري في عروقي من دمه، كل خلية من جسدي تنحني احترامًا وتقديرًا وعشقًا لهذا الرجل، الذي هو كل حياتي، أضع حياتي كلها تحت قدميه، لأنه السبب فيما أنا فيه من وجود وحياة ونجاح وسعادة، أنا به أسعد إنسانة في الوجود، وبدونه لا أستطيع الوجود.

حبيبي لا أستطيع الحياة بدونك، اختلطت دموعي مع ابتسامتي الباهتة المُتوجسة من فُقدانه، وتعثرت الكلمات على لساني.
كنت لا أستطيع مُغادرة المنزل بدون أن أسمع رأيك، في ملابسي ومكياجي وإطلالتي، فأنت ترمومتر رشاقتي وأناقتي.. لن أرضى لك بديلًا.
عندما نكون كلانا خارج المنزل، تكون لهفتنا أقوى على العودة للمنزل، لكي نسعد باللقاء، وحلو الحديث، وتبادل لمسات الحب.. لن يكون لي رفيق غيرك.
عندما أكون مريضة، أنام وأنت تسهر بجانبي، توقظني برفق واضعًا ذراعك خلف رأسي وبيدك الأخري تُعطيني الدواء ثم تضع رأسي برفق على الوسادة.. لن يكون سواك أمينا على جسدي ونفسي.
أسعد لحظات عُمرك، عندما كُنت أحقق نجاحًا أو إبداعًا أو تفوقًا، دموع الفرح تتساقط غزيرة من عينيك، تنتشلني من وسط الناس لتحتضني، وتلف بي لنتراقص على أنغام سعادتنا وضحكاتنا.
وضعت حياتك رهنًا لسعادتي ولذا أضع حياتي تحت قدميك.

مرة أخرى جاء الرجُل الثاني، فقطع همس الذكريات الجميلة بيني وبين حبيبي، ارتفع صوتي بانفعال، أغرب عن وجهي لا أريدك، وفجأة بدأ حبيبي يفتح أجفانه الثقيلة، احتضنت رأسه أقبلها وأنا أبكي أنها دموع الفرح على سلامته، جائني صوته واهنًا ضعيفًا من أعماق صدره، حبيبتي سأكون أسعد مخلوق في الدنيا لما يكون عندك اثنين رجاله، مُش اتنين أفضل من واحد!
لا أنا مُش عايزة رجالة تاني معاك، أنت كل حياتي، أنت أعطتني حياتك كلها، فحياتي كلها تحت قدميك.

حبيبة قلبي، انتظرنا سنين عديدة نحو 17 سنة لمجيء طفل أو طفلة يُكمل سعادتنا، وعندما جاءت الطفلة الموعودة، لفظت الأم أنفاسها، أخذتك بدمك وحبل سرتك لم يقطع، احتضنتك بين كفي، دموع الفرح اختلطت مع دموع الحزن، الفرح بفلذة كبدي، جزء مني ومن صلبي أحملها بين أصابعي، والحزن على رفيقة عمر، كُنت أعشقها ولكنها كانت كريمة معي لآخر لحظة، أعطتني الفرحة وذهبت هي إلى السماء.

يا حبيبة قلب بابا، بابا عايز يكون عندك اتنين رجالة، بابا حبيبك وواحد تاني ترتبطي به، أنا سأكون في منتهى السعادة لما يكون عندك اتنين رجالة!
الجريدة الرسمية