رئيس التحرير
عصام كامل

«eat now.. pay later» أسلحة نسيها السيسي في أزمة السد

18 حجم الخط

أفريقيا من أهم دوائر الأمن القومي المصري.. أزمة "سد النهضة" كشفت لنا عن تلك المعلومة التي توارت عن الأذهان طيلة فترة حكم مبارك.. الرئيس السيسي يبذل جهودا مضنية لحل الأزمة، لكن، للأسف البالغ، معاونوه من أعضاء الحكومة تغيب عنهم الخبرة السياسية، والحس الاستشرافي؛ فلم يكونوا يعيرون تلك الأرض المهمة بالنسبة لمستقبل مصر والمصريين اهتماما.. أبسط مثال وزراء التعليم والتعليم العالي والتجارة والاستثمار، والأوقاف، ومشيخة الأزهر لا يبذلون أدنى جهد في هذا الاتجاه.. هم لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم!


الدليل أن ثمة 5 أسلحة من المفترض أن يجهزها هؤلاء، ويشحذوها، ويقدموها للرجل الذي يقاتل منفردا، فهي كفيلة بتذليل الكثير من العقبات الكؤود في طريق حل أزمة السد.

هذه الأسلحة تمثل رأس حربة لتمهيد الأرض لكي تزرعها السياسة الخارجية بالاتفاقيات والبروتوكولات، والمواظبة على دعم العلاقات على مختلف المستويات.

أول تلك الأسلحة منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية، ويرأسها حاليا الدكتور حلمي الحديدي، وزير الصحة الأسبق، ورئيس حزب "نصر بلادي".. وهي منظمة دولية شعبية غير حكومية، ذات لجان وطنية تنتمي إليها في أكثر من 90 بلدًا من بلدان العالم، في آسيا وأفريقيا، كما أن لها لجانا أعضاء منتسبين في أوروبا وأمريكا اللاتينية.

بدأ تأسيسها مع المؤتمر الأول لحركة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية، الذي عقد بالقاهرة، في نهاية 1957 وحتى أول يناير 1958، ومقرها الدائم بالقاهرة.. تحظى منظمة التضامن بوضع استشاري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (الإكوسوك) وفي اليونسكو واليونيدو والأونكتاد.

ومنظمة التضامن هي المنظمة الدولية غير الحكومية الوحيدة التي تتمتع بوضع مراقب في حركة عدم الانحياز منذ بدايتها، وهي عضو مراقب باللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.. وترأسها الأديب الشهيد يوسف السباعي، ثم تلاه الكاتب الصحفي أحمد حمروش.

وثاني الأسلحة التي نعنيها معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، وقد ورد ذكره في الميثاق، الذي وضعه الرئيس الراحل عبدالناصر، كأساس للعمل الوطني آنذاك.. وكان يرحب بتقديم منح للباحثين الأفارقة، ويرسل مبعوثين مصريين إلى دول القارة، إلا أنه تعرض للإهمال تدريجيا، إلى أن اضمحلت تلك المنح، ولم يعد الوافدون الأفارقة يتعدون أصابع اليدين.

هذا المعهد كان معملا لتفريخ الخبراء والسفراء في المجال الأفريقي.. ويزخر بالعديد من أساطين الملمين بالواقع والوضع والظروف الأفريقية في كافة المجالات، مثل الدكاترة: إبراهيم نصر الدين.. السيد فليفل.. هيام الببلاوي.. محمود أبوالعيون.. فرج عبدالفتاح.. جمال ضلع.. وكان الراحل الدكتور بطرس غالي يوليه اهتماما كبيرا، ويعول عليه كثيرا.

وثالث تلك الأسلحة؛ مدينة البعوث الإسلامية التي تم افتتاحها في عام 1959 بأمر من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتحت إدارة شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت ساهمت في تخريج عدد كبير من الوافدين الأفارقة بعد أن احتضنتهم بين جدرانها وأسوارها، ووفرت لهم كل متطلبات الاجتهاد والمذاكرة حتى تقلد هؤلاء الخريجون أعلى المناصب في بلادهم في الفترات المتلاحقة، وهو ما يدلل على دور الأزهر الكبير كمصدر رئيسي من مصادر القوة الناعمة المصرية.. ولحسن الحظ فقد أسس طالب سوداني بالفرقة الرابعة بكلية أصول الدين، يدعى آدم يونس، اتحاد طلاب دول حوض النيل، حيث انطلقت فكرة الاتحاد من مدينة البعوث بسبب إقامة أغلب الطلاب من دول حوض النيل فيها، وفكرته تهدف إلى تبني أهداف ومصالح طلاب دول حوض النيل، خاصة أن عدد الطلاب من دول حوض النيل يتراوح ما بين 700 إلى 800 طالب في مختلف الجامعات المصرية.

السلاح الرابع هو الجمعية الأفريقية بالزمالك كان يطلق عليها الدبلوماسيون والطلبة الأفارقة في مصر "بيت أفريقيا".. منذ أن أنشأها عام 1956 بعض المثقفين وأساتذة الجامعات والدبلوماسيين المصريين كصالون ثقافي وملتقى فكري للمهتمين بالشأن الأفريقي، وعندما قامت ثورة يوليو عام 1952 ومع تأكيد قائدها "جمال عبدالناصر" أن الدائرة الأفريقية تأتي بعد دائرة "الوطن العربي" مباشرة، ازداد إقبال رجال الفكر والمثقفين الدبلوماسيين المصريين على الصالون الفكري للجمعية الأفريقية بالزمالك، وانضم إلى هذه الكوكبة مجموعة من رجال الثورة، وسرعان ما تبنت مصر الثورة نشاط هذه الجمعية، والتي ضمت في فترة أواخر الخمسينيات مكاتب 29 حركة تحرر أفريقية من دول شرق وغرب وجنوب القارة قدمت لها مصر كل أنواع الدعم: المادي والإعلامي والسياسي في كل المحافل الدولية، وانطلقت أصوات الحرية من داخل مبنى الجمعية في الزمالك لتجوب آفاق الدنيا مطالبة بالتحرر من الاستعمار لجميع شعوب القارة السمراء.

وقد عملت مكاتب حركات التحرر الأفريقية تلك كسفارات لشعوبها الأفريقية في مصر، وصار بعض مديري تلك المكاتب، بعد الاستقلال، رؤساء لدولهم مثل: سام نيوما، رئيس ناميبيا السابق، وكنيث كاوندا، رئيس زامبيا الأسبق.. كما تولى معظمهم أهم المناصب في دولهم وضمت عواصم الدول الأفريقية، منذ ذلك التاريخ، شوارع رئيسية اسمها "جمال عبدالناصر"، وأحيانا تماثيل له في أهم ميادينها.

أما السلاح الخامس فهو شركة "النصر" للتصدير والاستيراد، ولا يزال الأمل قائما في إحيائها من جديد. أنشأها الضابط المصري محمد غانم في عام 1958، لتكون ذراعًا لمصر في دول أفريقيا، وجزءًا من القوة الناعمة لتنفيذ سياسة مصر الخارجية عبر مساعدة الدول الأفريقية اقتصاديًا وسياسيًا واستخباراتيًا، خلال فترة حكم عبدالناصر. بدأت الشركة عملها برأسمال لا يتعدى الـ25 ألف جنيه في 25 دولة أفريقية وعربية، توسّعت بعد ذلك لتتخطى الثلاثين فرعًا.

كان عبدالناصر ذكيًا في التعامل مع الدول الأفريقية، كان يتعامل معهم بمبدأ «eat now.. pay later»، حيث كان يعطي للدول الأفريقية الغذاء والاحتياجات التي يطلبونها، ولا ينتظر منهم أن يسددوا سريعًا، وفي بعض الأحيان كان الرئيس يطلب إسقاط الديون عن بعض الدول الأفريقية.

الجريدة الرسمية