رئيس التحرير
عصام كامل

كريستيان توبيرا المخطئة العادلة


استقالت كريستيان توبيرا، وزيرة العدل الفرنسية، من منصبها الأربعاء الماضى؛ بسبب رفضها تعديل الدستور بوضع قانون بسحب الجنسية الفرنسية من الإرهابيين وسبب اعتراض توبيرا أن هناك قانونًا قائمًا بالفعل ينص على سحب الجنسية في حالة ارتكاب جرائم خطيرة، فلا مبرر لسن قانون جديد يجعل الإرهابيين أصحاب الجنسيات الفرنسية المكتسبة بالميلاد لا يتساووا والفرنسيين الأصليين في الاحتفاظ بالجنسية على الرغم من أنهم يتساوون معهم في المحاكمة والعقاب، وقد صنع اعتراض توبيرا أزمة بينها وبين الحكومة الفرنسية انتهت باستقالتها التي قبلت في نفس اليوم فخرجت من الوزارة وصافحت وزير العدل الجديد ووضعت خوذتها على رأسها وركبت دراجتها ورحلت.


وليست هذه هي المرة الأولى التي تلقى فيها توبيرا حجرا وتحرك المياه الراكدة فقد كانت صاحبة اقتراح قانون يسمح بزواج المثليين وتبنيهم لأطفال وقد كان لاقتراحها ضجة كبيرة غاضبة وتظاهرات حاشدة خرجت ضد القانون فالشعب الفرنسى يتقبل وجود الشواذ بينه لكنه لا ينظر لهم كأشخاص طبيعيين من حقهم أن يتزوجوا ويتبنوا أطفال وعلى الرغم من هذا نجحت توبيرا في إصدار القانون.

كانت توبيرا وراء إقرار قانون سنة 2001 يصنف ما حدث في القرن الخامس عشر من تجارة عبيد أفريقيين وهنود حمر في أمريكا على أنها جرائم ضد الإنسانية.

تاريخ توبيرا يوضح أنها امرأة قوية الشخصية بدأت حياتها في أسرة فقيرة بفرنسا وتدرجت في المناصب السياسية حتى وصلت إلى منصب وزيرة العدل وطموحها ليس له حدود فقد كانت مرشحة للرئاسة عن حزب اليسار المتطرف في عام2002

لم يفسر الفرنسيين موقف توبيرا من قانون سحب الجنسية على أنه تعاطف مع الإرهابيين ولم ينهالوا عليها حكومة وشعبا وإعلاما بالشتائم والسباب والاتهامات والمطالبة بنزع الجنسية الفرنسية عنها، فموقفها يخضع لبند العدل ،العدل في حد ذاته حتى مع من لا يستحق، فالقانون يحمل في طياته عنصرية تفرق بين الفرنسى الأصلى والفرنسى ذو الجنسية المكتسبة.

وموقفها من قانون زواج الشواذ لا يعتمد على تعاطفها مع الشواذ بقدر ما يعتمد على إيمانها بالحريات.

إن كريستيان توبيرا مخطئة في عيون البعض وعادلة في عيون البعض لكنها ليست متهمة، هي وزيرة أخطأت وأصابت، لها موقف ووجهة نظر دافعت عنهما، لكنها لم تفعل ما يخل بشرف وأمانة عملها، وإن فعلت ستحاكم محاكمة عادلة، ولن تقع فريسة لتهم ملفقة ممن يكرهونها.

ولسنا مطالبين في بلادنا العربية بالقبول بقوانين مشابهة لفرنسا لا تتناسب وديننا وعادتنا وتقاليدنا، لكننا مطالبين أن نتعلم كيف تكون الموضوعية في الحكم على مسئول أو مواطن فاختلافه معنا لا يعنى قتله بالتشويه والشائعات؛ لأن هذا الأسلوب يثقل كفة المنافقين ويسجن كلمة الحق ويخل بميزان المجتمع.
الجريدة الرسمية