رئيس التحرير
عصام كامل

في مصر رجال


من المهم أن نعرف الخطأ لكي نعرف الصواب، وليس هناك أروع من أن تعرف الملائكة، ولكن من الروعة أيضا أن تعرف الشياطين، وإذا كان من المهم وطنيا أن نعرف الخونة وطرقهم، إلا أنه من المهم أيضا أن نعرف الوطنيين الذين قدموا لمصر ولا يزالون.

وكما كتبتُ عن فسدة القوم، فإنني كتبت أيضا عن قِمَم القوم، هل هذه مقدمة كافية؟.. فلندخل إلى الموضوع إذن، فحديثي اليوم معكم عن أولئك الرجال الأفذاذ الذين قدموا لمصر وخفي عن الناس عملهم، لن أنتظر كغيري إلى أن يموت الواحد منهم فأنعيه وأكتب رثاءه، وأقول لقد كان فلان كذا وكذا، وفعل كذا، وقدم لمصر كذا.

الحقيقة أنا مللت من كذا وكذا، وأريد أن أهجر تلك العادة العربية التي اكتسبناها من الشعر القديم، فمن أبواب الشعر الذي وصل إلينا من القدماء، شعر الرثاء، وما أنا بشاعر رثاء، ولن أنتظر قضاء الله حتى أكتب عن عبقرية الدكتور مسلم شلتوت وعلمه، ابحثوا عن هذا الرجل وتعلموا منه العلم، فلا يزال في مُكنَتِه أن يقدم لمصر الكثير في مجاله، بل إنه يملك مشروعا علميا يقوم في مجمله على استغلال سطوع الشمس في الأقصر والأسوان؛ ليحقق لمصر قفزة نسبق فيها العالم كله بحيث لو طلبنا منه تنفيذه للحقت مصر بركب الحضارة الحديثة، ولأصبحت في غضون عام أو عامين أغنى دولة في المنطقة!

وعندك مثلا الدكتور "محمود عبد القادر"، أحد أساطين علم "الكيمياء الضوئية"، هذا العالم الذي قفز بهذا العلم خطوات سبق فيها زويل، ولكننا في مصر نسير عكس الاتجاه الصحيح، فالصحيح هو أن نبحث عن العبقريات كي نعطي لها فرصة، ولكن الواقع هو أن العبقريات تبحث عن فرصة!، ولا أحد يلتفت إليها!

لدى الدكتور محمود عبد القادر يا سادة، إمكانية القضاء على قوقع البلهارسيا الذي نهش أكباد المصريين، وكل وزراء البحث العلمي والتعليم العالي عبر سبع سنوات مضت، يعلمون هذا ويبدون انبهارهم بالرجل ثم.. لا شيء!

والأغرب أن دول أفريقيا تستعين به، فيقضي على الذباب فيها بشكل كامل وبأسلوب علمي نظيف، ويحقق فيها طفرة في استخدامات الضوء، ومصر لا تعرف شيئا عن الرجل ولا فريقه العلمي العالمي، الذي يضم أكبر علماء في تخصصه في العالم، فضلا عن براءات اختراعاته الخاصة بتشخيص بعض أنواع السرطانات وعلاجها، هذا العبقري يعيش بيننا في مصر، فهل ننتظر حين يحين القضاء حتى نكتب نعيه ونشيد بعبقريته في رثاء تنفطر له القلوب؟
الجريدة الرسمية