رئيس التحرير
عصام كامل

قانون مكافحة الإرهاب بين الاعتبارات السياسية والحقوقية


التطور في نوعية الجرائم الإرهابية التي شهدتها مصر خلال العامين الأخيرين، استدعى ضرورة وجود تطور مقابل في الوسائل التقنية والتنظيمية والتشريعية المطلوبة لمواجهة الإرهاب، ومع التسليم بأهمية الحفاظ على القدر الواجب من احترام حقوق الإنسان والحريات العامة خلال الحرب على الإرهاب، فإن الدولة ملزمة بأن تصعد مواجهتها الشاملة ضد التنظيمات والعناصر الإرهابية؛ حفاظا على حق المجتمع في الأمن، وهو الحق الذي قدسته المنظومة الأممية لحقوق الإنسان.


في إطار هذه الحقيقة فقط، يجب أن نتناول قانون مكافحة الإرهاب الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 94 لسنة 2015، فالحاجة للقانون أو عدم الحاجة له تحددها ضرورات الموقف الراهن أولا، وطبيعة الجرائم التي تواجهها الدولة ثانيا، ويصبح التحدي الرئيسي هو كيفية توفير ضمانات لعدم تجاوز نصوص القانون لنطاق غاياته، وتقليل تأثيراته السلبية على احترام معايير حقوق الإنسان والحريات العامة، وهو أمر مرهون بالممارسة أكثر ما هو مرهون بالنصوص القانونية ذاتها.

ما يجدر ذكره هنا، أن سعي الدولة – أي دولة – لإصدار تشريعات تكافح الإرهاب، يتسق تماما مع توجهات دولية قديمة، ربما يكون أهمها الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، التي عرضتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للتوقيع في ديسمبر 1999، الذي ينص في مادته السادسة، على أن "تعتمد كل دولة طرف التدابير اللازمة، بما في ذلك التشريعات الداخلية، عند الاقتضاء، لكفالة عدم تبرير اﻷعمال الإجرامية الداخلة في نطاق هذه الاتفاقية".

وبالتالي فالدولة المصرية في ظل ما تواجهه من إرهاب في الوقت الراهن، يتوفر لها الإطار الداعم، بل الذي يستوجب عليها ضرورة تطوير تشريعاتها لتحارب ذلك النوع من الجريمة المنظمة، التي أصبحت تهدد استقرار العالم بدرجة غير مسبوقة.

إن هذا التحليل لا يجب أن يفهم على أنه مصادرة على حق البعض في مناقشة تفاصيل قانون مكافحة الإرهاب، بل انتقاده والمطالبة بتعديل بعض مواده، لكن في نفس الوقت، لا يجب أن يكون ذلك مبررا للمصادرة على حق الدولة – بل واجبها – في إصدار تشريعات تفرضها مقتضيات الضرورة.

ويجب ألا ينسى المعترضون على القانون بالكلية في سياق اعتراضهم، أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ذاته، قد تبنى في دورته المنعقدة بمارس 2015، قرارا بعنوان أثر الإرهاب على التمتع بحقوق الإنسان، أدان فيه جميع العمليات الإرهابية، وأكد في فقرته الرابعة، على أن مسئولية الدولة في المقام الأول هي حماية مواطنيها من الإرهاب، بوصفه ذا تأثير سلبي مباشر على احترام حقوق الإنسان.

بل إن القرار زاد عن ذلك، فحث الدول على اتخاذ التدابير اللازمة لتجريم الأعمال الإرهابية ومرتكبيها ومموليها وداعميها، ومن يوفورن ملاذا آمنا لأعضاء التنظيمات الإرهابية، وأهاب بها تعزيز قوانينها الوطنية لتتناسب مع مقتضيات مكافحة هذه الجريمة.

من هنا، فنحن أمام حالة انسجام تامة بين احترام حقوق الإنسان من جانب، وأهمية تعديل وسن التشريعات لمكافحة الإرهاب من جانب آخر، ويبقى فقط على القوى والمنظمات المعترضة على القانون برمته، أن تراجع مواقفها في ضوء اعتبارات وطنية وحقوقية خالصة، وليس في ضوء اعتبارات سياسية ضيقة.
الجريدة الرسمية