حقيقة الخلاف بين الرئيس وشيخ الأزهر
القريبون من دوائر صنع القرار يُلمحون إلى وجود غضب مكتوم بين الرئاسة والأزهر، مستدلين بغياب «المشيخة» عن المشهد السياسي، منذ مشاركة الإمام الأكبر في «خارطة المستقبل»، التي تم على إثرها عزل الرئيس محمد مرسي.
والمتابع سيجد أن الأشهر الماضية شهدت خفوتًا أزهريًا، أرجعه البعض إلى تنامي الخلاف بين الدكتور أحمد الطيب، والرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يرى أن خطوات «المشيخة» في مواجهة «الإرهاب» وقضية تجديد الخطاب الديني، لا تتناسب مع ما كان يُنتظر من «الأزهر» وإمامه الأكبر.
أيضًا يمكننا القول إن هذا الخلاف يرجع إلى عدة أمور أخرى، منها أن «السيسي» - كرئيس مُحمل بآمال شعب ينتظر منه الكثير- يريد أن يأمر فيُطاع.. يُحدد موعدًا ولا يريد من أحد أن يناقشه فيه، أو أن يخلفه، بعكس «الطيب»، الذي يريد التغيير «واحدة واحدة».
«السيسي» أصبح ينظر إلى القضية بمنطق القائد الشاطر، الذي لا يعرف غير الربح، فتعامل مع تجديد الخطاب الديني كما تعامل مع قناة السويس الجديدة، وكما كان يريد أن يتعامل مع العاصمة الإدارية الجديدة.. فهو يريد أن يرى ثمرة تجديد هذا الخطاب في أسرع وقت، وربما غاب عن ذهن العقلية العسكرية، أن ثمة فروق بين مشروع «رملي» سهل الحفر بالكراكات العملاقة، ومشروع «فكري» صعب إعادة النبش فيه، وإعادة هيكلة عقول هجرت الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتفرغت لمنافسة اللاعبين والفنانين في تقديم برامج «الجمهور عاوز كدة»، وركنوا إلى «الأنتخة»، و«تكبير الجمجمة»!
وربما غاب عن عقل الرئيس أيضًا، أن ما أُفسد في عقود لا يمكن إعادة تصحيحه مرة أخرى في عام أو عامين.. ومن الخطأ استعجال الثمرة قبل أوانها.. ولدينا في نتائج مؤتمر شرم الشيخ عبرة لمن يعتبر، ويُفكر ألف مرة قبل أن «يسلق» أي شيء.
«السيسي» - وهذا حقه - أرادها «ثورة دينية شاملة» في أسرع وقت.. و«الطيب» - وله منطقه - يريد الإصلاح «التدريجي» وإعادة ترتيب البيت من الداخل.. الرئيس يبغي «السرعة»، والإمام الأكبر يركن إلى «التروي»؛ لأنه يدرك أن الانتقال المفاجئ غير مأمون العواقب، ولا توجد لديه «ماكينة» بمجرد الضغط على «زرها» تُخرج لنا خطابًا دينيًا خاليًا من شوائب الجهل والخرافات والتخلف، والتطرف، والدعوة إلى سفك الدماء باسم الدين.
«الطيب» يتعامل مع قضية «التجديد» بمنطق الطبيب الذي يقدم الدواء لمريض مسن «واحدة واحدة»؛ لأنه يعلم أنه إذا أجريت لهذا المريض عملية جراحية مفاجئة، ربما يفقد حياته.
«الإمام الأكبر» لا يجيد تنفيذ سياسات الحكومة، ولا توجيهات الرئيس - كما يقول مقربون منه - فلم يتخذ قرارًا عنتريًا بفصل كل أساتذة الإخوان الذين يُدرِّسون في جامعة الأزهر، أو في هيئة كبار العلماء، ورفض محاسبتهم على آرائهم السياسية، وانتماءاتهم الحزبية.
ثم إن عدم تحديد «السيسي» الجهة المنوط بها الإعداد والإشراف على تنفيذ تجديد الخطاب الديني، أدى إلى وجود «صراع خفي» - إن جازت التسمية - بين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف، فكلا الطرفين الأخيرين يرى أنه المؤهل لهذه المهمة، لكن وزير الأوقاف مختار جمعة انتهز الفرصة، واتخذ عدة خطوات؛ لترجمة دعوة الرئيس، فعقد أكثر من مؤتمر - وإن كانت غير ذي أثر - بدعوى «تجديد الخطاب»، ودون مشاركة الإمام الأكبر.
وهناك احتمال ضعيف، لكنه ليس مستبعدًا، عن وجود أطراف في السلطة ترحب بالصراع بين «جناحي الدعوة»، خاصة أن المسئولين منقسمون بشأن مَنْ يتولى مهمة تجديد الخطاب الديني، فالبعض يؤيد «جمعة»، وأطراف أخرى تريد «الطيب»، وكلٌ يتمسك باختياره، ويدافع عنه.
وهكذا، فإن «الطيب» وقع بين شقي رحى، بين رئيس يريد أن يثبت للشعب أنه «صاحب كرامات» في أسرع وقت، وبين وزير أوقاف «يجيد» تنفيذ التوجيهات الحكومية بسرعة فائقة، دون مناقشة، وكأنه مجند بالأمن المركزي.
وما زاد الأمور تعقيدًا، أن كثيرًا من «المشايخ» خفتت أصواتهم في الدفاع عن «الدين»، مقابل ارتفاع أصواتهم في الدفاع عن «الرئيس».. وتخلوا عن الدوران في فلك القرآن والسنة، وداروا مع الرئاسة أينما دارت.
وربما أدرك رجال الرئيس، أن «الأزهر» لا خوف منه، ولا من أئمته، بعدما باتا «مستأنسين»، وتم «ترويضهما» والسيطرة عليهما، ولم يعد الجامع منبرًا لإلهاب الحماسة، وتخلف أئمته عن قيادة التظاهرات، كما كان قبل ثورة 23 يوليو.