رئيس التحرير
عصام كامل

مدينة بور سعيد.. ثلاثة مشاهد


المشهد الأول
يوم الخامس من سبتمبر عام ١٩٩٩ وبينما كان الرئيس الأسبق مبارك يدشن حملته الدعائية للتنافس على مقعد الرئاسة المصرية، لمدة رابعة، تفقد مبارك مشروع شرق التفريعة، ثم عاد إلى غرب المدينة حيث مبنى المحافظة لحضور اللقاء الجماهيري المرتب والمجهز من قيادات الحزب الوطني، وقبيل أن يصل ركاب سيارات مبارك إلى مبني المحافظة بنحو ٣٠٠ متر، تسلل أحد الأشخاص من بين سيارات الحراسة المرافقة، ووصل إلى السيارة التي يستقلها مبارك الذي كان جالسًا في مقعدها الخلفي يلوح بيديه لقلة من الناس تجمعوا على الأرصفة لمشاهدة رئيس الجمهورية وسياراته.


أمسك ذلك المواطن بيده اليسرى بالنافذة التي كان يجلس بجوارها مبارك، وكان ممسكًا بسكين بيده الأخرى، وقيل أيضًا أنه كان ممسكًا بزجاجة مملوءة بمادة كاوية تُسمَّى باللغة الدارجة "ماء النار"، سقطت منه على الأرض، المهم انهال ذلك المواطن بالسكين على مبارك فأصابه بعدة طعنات، وعندما حاول قائد مجموعة الحراسة المرافق لمبارك الذي كان يجلس في المقعد الأمامي للسيارة، عندما حاول التدخل لحماية مبارك، خرج بجسمه من النافذة الأمامية للسيارة محاولاً حماية مبارك، فما كان من المعتدي إلا أن سدد له عدة طعنات بالسكين أصابته بجروح قطعية، بيده اليمنى.

وظل الاشتباك مستمرًا بين المعتدي وقائد حراسة مبارك لبعض الوقت، أحجم خلالها كافة أفراد الحراسة عن التدخل في ظل هذا الاشتباك خشية أن يصاب مبارك بأي طلقة قد يصوبها أي منهم، ولم ينقذ الموقف إلا بمبادرة سائق سيارة مبارك بزيادة سرعة السيارة، التي كانت تسير ببطء قبيل الاعتداء لإتاحة الفرصة لمبارك للتلويح بيديه للمواطنين، ولم يستطع المعتدي الاستمرار في الإمساك بنافذة السيارة وسقط على الأرض، فانهالت طلقات قوات الحراسة المرافقة باتجاه المعتدي فقُتل في الحال بعد أن أصابته أكثر من ستين طلقة، بحسب تقرير الطب الشرعي لتشريح الجثة، وتبين أن ذلك المعتدي شخص يُدعَى "أبو العربي"، وترددت عنه أقاويل كثيرة ومتناقضة، إلا أنه بات ذلك اليوم نقطة فاصلة في علاقة نظام مبارك بمدينة بور سعيد، وناصبت كل الحكومات المتعاقبة أهالي بور سعيد العداء لمدة تجاوزت العشر سنوات إلى أن رحل مبارك في فبراير ٢٠١١.

المشهد الثاني
يوم السادس والعشرين من شهر يناير عام ٢٠١٣، كان هو الموعد المحدد للنطق بحكم بالإعدام بحق عدد كبير من المتهمين من أبناء بور سعيد في القضية التي عُرفت إعلاميا بمذبحة بور سعيد التي سقط فيها أكثر من سبعين قتيلاً من مشجعي النادي الأهلي ليلة الأول من فبراير عام ٢٠١٢ باستاد بورسعيد في واقعة مأساوية، منذ اللحظة التي صدرت فيها الأحكام وعلي مدى عدة أيام تالية اشتعلت الاحداث بمدينة بور سعيد بشكل مريب، وسقط أكثر من خمسين قتيلاً من أبناء المدينة، ووُجِّهت خلالها أصابع الاتهام لعناصر إجرامية مجهولة، دونما دليل واضح، بإثارة هذه الأحداث، التي أعقبها أهالي بور سعيد بإعلان العصيان المدني وتوجيه الاتهامات لجماعة الإخوان بإثارة الأحداث والتسبب في مقتل العشرات من أبناء المدينة وطالبوا برحيل محمد مرسي، الرئيس الإخواني، الذي خرج ومن على شاشات التليفزيون مخاطبًا أهالي بور سعيد بعبارات لم تسهم إلا في زيادة حالة الاحتقان التي كانت سائدة بين أبناء المدينة، وظلت احتجاجات أهالي بور سعيد مشتعلة، وكان ميدان الشهداء ببور سعيد يوم الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣ من أكثر ميادين الجمهورية التي استقبلت عشرات الآلاف من أبناء بور سعيد، المطالبين برحيل مرسي، ومن هذا الميدان أطلق أهالي بور سعيد الشعار المثير «الشعب خلاص أسقط النظام!».

المشهد الثالث
الرابع من أغسطس ٢٠١٥، أهالي بور سعيد من كافة الفئات والمهن، متهللون فرحون، ينتظرون فتحًا جديدًا بعد افتتاح التوسعات الجديدة لقناة السويس، ينتظرون المصالحة من الدولة، بعد عقود طويلة من التجاهل والظلم الذي جمد الحركة التجارية والاقتصادية وزاد من نسبة العاطلين من أبنائهم وضاعف من أعداد المحتاجين، ينتظرون عودة الأضواء للشوارع والميادين، ينتظرون إنجاز مشروعات التنمية المختلفة التي تتيح لهم تناول كوب مياه نظيف والحصول على وحدات سكنية آدمية، بدلاً من العشش التي يسكنها الكثير من أبناء المدينة.

أهالي بور سعيد ينتظرون أيضًا إصلاحًا لأحوال أشقائهم وشركاء المصير من أبناء الإسماعيلية والسويس، سكان إقليم قناة السويس، الذين كانوا دومًا في الطليعة دفاعًا عن الوطن ضد الاستعمار الأجنبي والحكومات الفاسدة.

الكل في بور سعيد ينتظر الخير ويثق في أنه سوف يأتي لهم بعد افتتاح قناة السويس الجديدة.
الجريدة الرسمية