رئيس التحرير
عصام كامل

ميدو البرنس الحياة بين الشاكوش والسندان ولمبة اللحام

ميدو البرنس
ميدو البرنس

في الوقت الذي تسعى فيه الدولة للحفاظ على الأطفال، وأن توفر لهم سبل الراحة وطرق جديدة وحديثة للتعامل معهم في عصر التكنولوجيا والثورة المعلوماتية نجد أطفالا يعيشون على الهامش، ولا يستمتعون بحياتهم الطبيعية والطفولية، بسبب متطلبات الحياة اليومية والأعباء الجسيمة الملقاة على عاتقهم، مقومات الحياة اليومية أجبرتهم على النزول إلى العمل كالرجال لكسب قوت يومهم أو رعاية أشقائهم، فمنهم من لم يكمل تعليمه، وآخرون لم يقضوا إجازتهم الصيفية كما اعتاد الأطفال باللعب واللهو، بل يفرض عليهم العمل من أجل الحصول على الأموال ومساعدة الأسرة.


من بين هؤلاء الأطفال الطفل «محمد جمال مختار عبد الجليل» 12 عاما ومقيم بقرية نقيطة التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية ترك دراسته وهو بالصف الخامس الابتدائى ومارس العمل «سمكرى سيارات» بإحدى الورش بمدينة المنصورة.

بدأ محمد حديثه عن معاناته في ممارسة عملك كسمكرى سيارات قائلا: «اضطر يوميا إلى قطع عشرات الكيلومترات من بيتى حتى مقر عملى، وهذا يسبب لى إرهاقا شديدا، فقد اخترت العمل في مهنة السمكرى منذ وقت مبكر للغاية، وتحديدا حينما كنت طالبا بالصف الأول الابتدائى، وكنت أحصل على مرتب يومى يبلغ جنيهين، أصرف جزءا منهما على نفسى وأعطى الباقى لوالدى لمشاركته في مواجهة أعباء الحياة ومتطلبات المعيشة اليومية»!!
وعن اسم شهرته قال: «أطلق البعض علًى لقب «ميدو البرنس» وذلك لنجاحى في عملى ومهاراتى، حيث اشتهرت بحسن الصنعة ولقب حصلت عليه من أصدقائى وأسطواتى الذين تعلمت على أيديهم الصنعة وتربيت وترعرعت في ورشتهم».

وعن الأعباء المعيشية التي يعانيها واضطرته للعمل كسمكرى قال: «أنا أعتبر أصغر سمكرى سيارات في المنصورة وتسربت من التعليم وأنا في الصف الخامس الابتدائى، لأساهم في معيشة أسرتى، وأساعد في زواج أخواتى البنات السبع إضافة إلى 2 أشقاء من الذكور، وتجهيزهم فعلى الرغم من أننى الأصغر بين إخوتى إلا أن الأعباء الحياتية والظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها أسرتى وأعانيها هي التي أجبرتنى أن أختار بين أن أعيش طفولتى أو أساعد والدى الذي عانى المرض وفارق الحياة منذ ثمانية أشهر».

ويضيف: «بعد وفاة والدى ازداد الحمل عليّ فأصبحت مسئولا عن زواج باقى شقيقاتى الثلاث وسداد ديون زواج شقيقاتى الأربع الأخريات وأعتقد أن القدر اختار أن أبدأ حياتى العملية منذ الطفولة في مهنة ربما تكون الأكثر مشقة بل وخطورة أيضا وهى سمكرة السيارات المهنة التي وضعت حياتى بين الشاكوش والسندان، ولمبة لحام الأكسجين».

وعن نوعية المخاطر التي يتعرض لها خلال عمله قال: «أتعرض للكثير من الإصابات جراء ضربات الشاكوش على يدى أو من يد الأسطى بتاعى وأنا ممسك له السندان أثناء الطرق على جزء من السيارة أو إلقائى بالشاكوش عند الخطأ أثناء العمل وإصابات أخرى من حروق بمعظم أنحاء الجسد نتيجة استخدام لمبة لحام الأكسجين في السمكرة ولم تكن هي الإصابات الأخطر أثناء حياتى العملية التي بدأت منذ عامى السابع بل لقد احترقت أجزاء من جسمى أثناء العمل وأثناء قيام الأسطى بتاعى بتسخين الصاج الخاص بالسيارات أو أثناء قيامه بتدريبى على مسك لمبة الأكسجين أثناء سمكرة السيارات».

وحول راتبه الذي يتقاضاه قال: بدأت براتب يومى لم يتخط الجنيهين كنت أسافر منهما وأوفر منهما للأسرة وأول راتب أسبوعى حصلت عليه كان 50 جنيها وأصبحت مؤخرا أتقاضى راتبا أسبوعيا قارب الــ200 جنيه بعد أن تدرجت وارتفعت ولا أزال حتى اليوم لا أستطيع التصرف في هذا الراتب فأنا مجرد واسطة خير بين الأسطى المعلم بتاعى ووالدى سابقا ومن بعده أصبحت والدتى التي تولت المسئولية بعد وفاة والدى منذ ما يقرب من عام.

وهنا يتوقف محمد للبكاء حينما تذكر والده ويقول: «كان يتمنى أن يكون عنده القدرة ليوصل الليل بالنهار ليستطيع أن يتم زواج البنات ويوفر لهن مصاريف الزواج ولكنه لم يستطع والقدر أخذ والده قبل أن يفرح بزواج بقية أخواته». وردد الطفل صاحب الاثنى عشر ربيعا كلمات واثقة، كلمات لا تخرج سوى من رجل قادر على تحمل المسئولية برجولة مرسومة على وجه طفل قائلا: «بس إن شاء الله هايتجوزوا كأنه موجود بالظبط».

وعن أخطر المواقف التي واجهته في عمله قال: «أخطر موقف واجهنى أثناء العمل كانت السيارات بتيجى الورشة عاملة حوادث والصاج يكون على شكل غير مستو وفى إحدى المرات كان الأسطى شغال ورافع العربية على الكوريك وأنا أعمل على ربط زرجينة «أداة لشد السيارة وإصلاح التواء الشاسيه» من تحت وأثناء خروجى من أسفل السيارة سقطت السيارة من على الكوريك ونزلت على قدمى كسرت وتم وضع قدمى بالجبس وأمر نىالطبيب بمكوثى بالمنزل وعدم النزول للعمل إلا بعد الشفاء التام، ولكننى لم أستطع اتباع تعليمات الطبيب فيتوجب على رعاية أسرة ولم يمر الأسبوع وعدت للعمل مرة أخرى فأنا أحتاج للراتب والبقشيش فهو الذي يساعدنى على الحياة أنا وأسرتى، وفى إحدى المرات كان الأسطى بيعمل على تسخين جزء من الصاج بجوار تانك البنزين وفجأة انفجر التانك في الأسطى وسبب لنا نحن الإثنين العديد من الحروق، وأصبت بحرق بالفخد الايمن، ولم أستطع المكوث بالمنزل وبعد مرور أسبوع عدت للعمل مرة أخرى لاحتياجى لراتبى وكوم اللحم اللى في رقبتى محتاج يأكل ويشرب.

وعن الكلمة التي يريد توجيهها للرئيس عبد الفتاح السيسي قال: «أناشد الرئيس السيسي النظر للفقراء فهم من اختاروه رئيسا لهم وعشمنا في ربنا وفيه كبير، وكل أملى أن أزوج شقيقاتى البنات وأساعد والدتى على زيارة بيت الله الحرام وفى المستقبل أتمنى أن أمتلك ورشتى الخاصة وأكون صاحب ورشة سمكرة باسمى».
الجريدة الرسمية