رئيس التحرير
عصام كامل

قضية نهى سعادات التي لم تنظرها بعد المحاكم الفرنسية


استيقظت منذ أيام على صوت الهاتف ليأتيني صوت مضى عامان لم أسمعه، أنا محتاجة لك قوي عارفة أنك زعلانة مني بس حقيقي أنا محتاجة لك، لم أتوقع أن أسمع صوتها بعد عامين كاملين اختفت فيهما من حياتي تمامًا وانقطعت أخبارها.

مازلت أذكر حين قابلت زوجها منذ ستة أعوام وأخبرني بأنه سيتزوج من فتاة مصرية، كان فرنسيا من أصل عربي، يعمل طبيبا بمستشفى الإمارة، جمعتنا لغتنا العربية المشتركة وسعدت بخبر زواجه بمصرية، وأخفيت دهشتي حين رأيتها كانت فتاة شابة جميلة في أواخر العشرينات، وهو رجل تخطى الخمسين من عمره وكان لصداقتنا قصة.

لاحظت أنها تلقائية وصريحة، حكت لي قصة حياتها بلا تحفظات في أول لقاء لنا، وهو الأمر الذي تختلف عني فيه تمامًا؛ ليس لأنني أكبر منها ببضع سنوات ولكن ربما لأن حياتي تعثرت خطواتي فيها أكثر من مرة بسبب حسن نيتي مع الآخرين، حتى تعلمت ألا أحكي كثيرا عن حياتي الخاصة أو ربما هي عدوى الخصوصية التي انتقلت لي بعشرتي للفرنسيين، فالحياة الخاصة عندهم كتاب مغلق ليس من حق أحد أن يقرؤه إلا أصحابه أو من يسمحوا لهم بقراءته.

والدها كان مهندسًا وتوفي وهى صغيرة، وترك حملا ثقيلا على أمها، هي وخمسة أبناء آخرين، ما اضطرهم للنزول إلى ساحة العمل في سن صغيرة، وهناك في الشارع وفي فنادق بلا نجوم وكوافيرات لتصفيف الشعور بأجور زهيدة تلبي نداء بطون صغيرة جائعة، وضعوا كالدقيق والماء في ماجور العجين الذي كانت تعجن فيه جدتي الخبز الريفي، وبعد مرحلة العجين والتقطيع دخلوا الفرن البلدي ليخرجوا شخصيات غريبة متخبطة غير محددة الهدف، ولا تملك بعد نظر مع رفض ملحوظ لتقبل النصيحة.

هي بريئة كوردة نبتت في صحراء يحيط بها زرع شيطاني، ساذجة كمن لم تلوثه الحياة بقسوتها، حزينة كمن صبت الدنيا عليها كل كآبتها، وعنيدة كقطعة صخر لا أمل في تليينه أو حتى زحزحته من مكانه، متناقضة تناقضا مخيفا، تضحك بعد البكاء كالمطر حين تتساقط قطراته بغزارة على الأرض، ثم يختبئ خلف شعاع الشمس الدافئ وكأن شيئا لم يكن، فهمت بعد سنوات من عشرتنا أنها إنسانة جميلة، شكلها الشارع بتشكيلات خارجة على إرادته.

نحن حصاد تربية أهلنا، وهي رباها المجتمع والمجتمع قاسٍ على بنت الخامسة عشر حين تعمل، خاصة إن كانت جميلة وتريد حياة شريفة، كلمة تحرش تبدو وديعة أمام ما واجهته في حياتها، فكان عليها أن تتعلم لغة الدفاع عن النفس، فكان ظاهرها حادا وقلبها من ذهب، وإيمانها بالله كالوتد، وجاءت إلى فرنسا آملة في حياة أفضل تعدل بها مسيرة حياتها العرجاء، فإذا بها تواجه حياة أكثر اعوجاجا.

نكمل فيما بعد..
الجريدة الرسمية