رئيس التحرير
عصام كامل

من «أربكان» إلى «مرسي» فينا حاجة غلط!


أشعر في بعض الأحيان بأننا شعب منحوس، أرض غير مباركة، شعب أينما يذهب لا يأتي بخير، بنحول الدهب تراب كما يقولون، كل شيء جيد يصبح أسوأ في تلك الأرض، وكل سيئ يصبح أسوأ وأسوأ هنا، هنا في تلك الأرض الممتدة من الإسكندرية حتى أسوان، أقول لنفسي هل الأمر له علاقة بكوننا مصريين أم أنه أمر يخص العرب عمومًا؟، هل كما قال نزار قباني قدرنا أننا عرب؟


جاءت تلك الفكرة لي حينما قرأت عن تاريخ تركيا، تحديدا تلك الفترة التي شملت الصراع بين حزب الرفاة الإسلامي بقيادة نجم الدين أربكان – أستاذ أردوغان – وبين الجيش التركي – حامي العلمانية بموجب الدستور التركي حتى الآن، وله الحق في التدخل إذا ما استشعر الخطر، قرأت الصدام بينهما وكيف انتهى، ونظرت إلى ما حدث في مصر وتحسرت، وقلت فيمن الخطأ؟

الصراع بين الجيش وبين حزب الرفاة كان له عدة أسباب، ناهيك عن الصراع التاريخي بينهم، لكن ما يهمني هنا هو كيف تعامل كل منهما مع الآخر؟، كيف استطاعا أن يمرا بتلك الأزمة التي نشأت فقط حينما دعا أربكان شيوخ الطرق الدينية إلى إفطار في رمضان؟، فهب الجيش لأن علمانية تركيا تتعرض للخطر لجمع تلك الطرق الدينية الممنوعة بحكم الدستور، الأمر لا شك "تلكيكة"، فالجيش التركي انتابه القلق بعد شعبية الإسلاميين، وبعد وجود مساجد وجمعيات للتيار الإسلامي في إسطنبول، ما يهدد بقاء الكمالية نسبة إلى أتاتورك، وبعد حل حزب الرفاة ثلاث مرات عاد بعدها بشعبية كما هي لم تتزعزع إن لم تكن زادت.

طالب الجيش أربكان، رئيس الوزراء وقتها، باحترام الدستور وتطبيقه، وكان قانون المعاهد الدينية الذي أراد الجيش إلغاءها هي النقطة الفيصل، وتأكد أربكان أنه سيترك منصبه قريبا، وصدر حكم بحل حزبه ومن ثم تركه لمنصبه وحظره من العمل السياسي هو وقيادات الحزب لمدة خمس سنوات.

لم يتكلم أربكان، لم يدعُ أنصاره إلى الحفاظ على الشرعية، لم يتخذ من ميدان تقسيم مقرًا له لحين إخضاع الدولة، لم يخرج عاصم عبد الماجد التركي ليقول إنه انقلاب، ولم يعلن طارق الزمر التركي أنه سيسحق كل من يرضى بديلًا عن أربكان.

ترك الرجل منصبه وارتضى بالقرار، وسكت المثقفون الإسلاميون وحُل الحزب بسلام، هكذا كان الأمر، فلماذا قام إخوان تركيا بهذا الفعل وقام إخوان مصر بإعلان الحرب عليها، رغم أن الاثنين ينضحان من إناء واحد قائم على فكرة أسسها رجل، ظن أنه الحارس لدين الله، فالفكرة واحدة ولكن الأمر تغير في أسلوب التعامل.

وقبل أن أنتقل إلى لماذا وقبل أن يقول أحد إن إخوان تركيا فعلوا الكثير من أجل بلادهم، فيجب أن أوضح أنهم لم يفعلوا شيئا، قال أربكان بعد تولي رئاسة الوزراء: أنا أمثل تركيا ولا أمثل الإخوان، وكان أول ما فعله مباركة استمرار اتفاقية الدفاع المشترك مع إسرائيل، ومساعيه للانضمام للاتحاد الأوربي، نقض وعوده ونقض كل مبادئ الحزب القائمة على أن إسرائيل هي العدو، تماما كما فعل مرسي حينما قال لا تعديل لكامب ديفيد.

ونعود ونقول لماذا قام إخوان تركيا بترك المنصب بتلك السهولة، الأمر ببساطة كما يقول «نور الدين محمد» في كتابه «تركيا الحائرة» إن الإسلاميين أدركوا أنهم من الممكن أن يصلوا إلى الحكم عن طريق الديمقراطية، أدركوا ذلك جيدا ففضلوا ألا يفرطوا في الأمر، على أن يعاودوا الجولة حتى لو بعد خمس سنوات، كان ذكاؤهم سابق غضبهم وأدركوا أنهم لا يمكن أن يقفوا في وجه جيش يحمي البلاد.

قال الكاتب «غسان شربل» منذ أيام، في مقال له بجريدة الحياة اللندنية تحت عنوان «أنصحك بالسم»: ماذا لو تقبل الإخوان أن يتجرعوا بعض السم ويرضوا بالرئيس السيسي؟، لكان الحال أفضل لهم وللبلاد جميعا، ربما نفس الفكرة التي تبناها أربكان.

الجيش التركي أيضا كان حاضرا فكان رده بعد حل الحزب هو تشكيل حكومة ائتلافية تحكم البلاد وإجراء انتخابات للقوى المدنية، واكتفى هو بأن يكون حامي العلمانية بحكم الدستور، لم ينزلق هو الآخر في لعبة الحكم التي عادة ما تنال منهم، خاصة أن موقعهم كجنود مدافعين عن الأرض شرف ليس بعده شرف.

بعد عدة أعوام، تولى أردوغان الحكم بانتخابات شعبية، واستمر الإسلاميون وحينما حاول أن يتلاعب بهوية الدولة خسر الانتخابات الأخيرة، لكن تركيا استمرت.

قرأت ذلك كله وأنا عيني على مصر وعلى ما حدث فيها، تأكدت أن "فينا حاجة غلط".
الجريدة الرسمية