رئيس التحرير
عصام كامل

وثائق «أبوعبدالله».. مؤسس «القاعدة» يكشف حقيقة موقف تنظيمه الإرهابى من القطريين بـ«رسالة تعليم ابنه».. «بن لادن» يفضح أعداءه في المنطقة.. ويصف زعيم حزب الله حس


>> طالب رجاله بعدم التعرض لـ«جيش الأسد».. وأوصاهم شرًا بــ«أجهزة المخابرات» السورية
>> خبراء: الولايات المتحدة الأمريكية تستغل رسائل «بن لادن» للتغطية على فشلها في مواجهة «داعش»

>> تركيا وقطر خارج سيناريوهات «الحرب على أمريكا».. و«القرضاوى» شيخه المفضل لـ«ترويج أفكار القاعدة»
>> رسالة غاضبة من أحد أتباعه تحذره من مجازر «داعش» في ليبيا.. و«بن لادن» يرد: ابتعدوا عنهم قدر المستطاع
>> زعيم القاعدة طالب اتباعه بالانقضاض على دول «الربيع العربى» و«العلماء» كلمة المرور


الجميع ما زال يتذكر الجلسة الخاصة التي جمعت كبار قيادات الإدارة الأمريكية منذ سنوات أربع تقريبًا وهم يتابعون عملية اغتيال أسامة بن لادن على الهواء مباشرة، صورة كاملة من قلب الحدث، لحظة بلحظة حتى أعلنت الشاشة «موت زعيم القاعدة».

«رميناه في البحر».. الرسالة الوحيدة التي أصرت الإدارة الأمريكية على منحها لـ«وسائل الإعلام».. قالت «الكلمات الثلاث» وأعلنت «الصمت السياسي» غير أن الأيام القليلة الماضية كشفت أن «البيت الأبيض» قرر أن يلعب بـ«ورقة بن لادن»، ورغم أن البعض لم يدرك أبعاد اللعبة، غير أن توقيت الإعلان عن وثائق «الأب الروحى للقاعدة» يؤكد – بما لا يدع مجالا للشك- أن واشنطن تلعب بـ«البيضة والحجر» وأن الأسابيع المقبلة ستكشف اللعبة كاملة.

وبعيدًا عن «لعبة الوثائق» فإن ما احتوت عليه هو الأمر الأكثر سخونة، ورغم تسليط الإعلام على غالبية تلك الوثائق، فإنها تجاهلت – عن عمد- وثائق أخرى يمكن وصفها بنبوءات بن لادن» والتي تحدث فيها عن مستقبل «الربيع العربي»، وموقف تنظيم القاعدة منه، كما تطرق في حديثه، وفقا للوثائق ذاتها، إلى الانظمة التي يمكن وصفها بـ«أصدقاء القاعدة» و«أعداء التنظيم» والذين كانوا خارج حسابات «أبو عبد الله».

«توريث القاعدة» على سنة الله ورسوله
الوثائق التي أعلنت عنها الحكومة الأمريكية، احتوت على مجموعة من الرسائل منها رسالة وجهها «بن لادن» إلى ابنه «حمزة» الذي وضع قيد الإقامة الجبرية في إيران، طمأنه خلالها بأنه سوف يعمل على تحريره من قبضة السلطات الإيرانية، مع وعده بأنه سيعمل على نقله إلى قطر لدراسة بعض العلوم، ومن ثم الالتحاق به في مخبأه، بهدف تمكينه من قيادة القاعدة، بحسب رواية المخابرات الأمريكية، ما يحمل دلالة على الخلافات القائمة بين زعيم القاعدة، وخليفته الحالى أيمن الظواهرى الذي كان بعيدًا عن قيادة القاعدة في ذهن «بن لادن».

«جهاد داعش».. الزعيم يرفض «جهاد البغدادى»
نهاية «بن لادن» التي تزامنت مع سطوع نجم أبو بكر البغدادى زعيم تنظيم «داعش»، حملت الكثير من علامات الاستفهام خلال الفترة الماضية، وربما فكت طلاسم اللغز رسالة «أبو الليثى الليبي»، أحد كوادر القاعدة في العراق، والتي حذر فيها زعيم التنظيم، من جرائم ترتكبها عناصر محسوبة على تنظيم القاعدة» تحت مسمى «الدولة الإسلامية».

الرسالة ذاتها حملت مخاوف «أبو الليثى الليبي» من إقدام عناصر التنظيم الوليد على ارتكاب مجازر مروعة في العراق، بما يسهل الحشد الإسلامى والعالمى ضد القاعدة ويشوه تاريخها المقاوم للاحتلال.

المرافقة في الرسالة التحذيرية التي كشف عنها ضمن سلسلة الوثائق، أنه هناك عدة رسائل في هذا السياق تم إخفاؤها عن «بن لادن»، واتضح ذلك في اللوم الذي وجهه «الليبي»، إلى القادة من عدم اكتراثهم بالرد على رسائله السابقة في هذا الشأن.

تحذير شديد اللهجة من الانضمام لـ«الدواعش»
شملت التحذيرات ضد «داعش»، رسالة ثانية أرسلها «أسامة بن لادن» إلى عناصر القاعدة في الأراضى السورية، حذرهم من اندساس من يدعون انتماءهم لأهل السنة وسط صفوفهم بهدف تشويه المقاومة، علاوة على تحذير صريح من أبواق المعارضة السورية، معتبرا أن لديهم استعدادا للتعامل مع الشيطان بهدف الوصول إلى السلطة وليس لمناصرة أهل السنة الذين يتعرضون للتنكيل على يد نظام شيعى، في إشارة إلى نظام الرئيس السورى بشار الأسد.

ومن اللافت فيما يخص توصيات «بن لادن»، إلى عناصر القاعدة في سوريا، عدم مطالبتهم بتدمير الجيش السوري، بل التركيز فقط على المخابرات الحربية التي اعتبرها مصدرًا لإزعاج أهل السنة، وفى ذات السياق وصف حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبنانى بـ«كذاب الضاحية».

أزمة «أبو عبد الله» مع «الملالى»
جميع رسائل زعيم تنظيم القاعدة التي عثر عليها، أكدت بما لا يدع مجالا للشك أنه كان فاقدًا الثقة في الإيرانيين، ويبدو أنه تعرض لخديعة كبري، عندما أودع زوجته وأفراد أسرته في حوزتهم بهدف التأمين، وخدعته طهران وعرضت أفراد أسرته للتنكيل والحبس، في سياق مساومات لم يكشف عنها، وأظهرت رسالته إلى نجله أن هناك من يعمل بالداخل الإيرانى ضد طهران، علاوة على مطالبة زوجته «خيرية» بالتخلص من جميع الأشياء التي تصطحبها عقب مغادرتها إيران، خوفًا من زرع أجهزة تجسس إيرانية، تسهل الوصول إلى مخبئه.

«القاعدة» ترفض «هدم الجيوش»
من أغرب المفارقات التي كشفتها الوثائق المفرج عنها، توصية زعيم القاعدة لفروع التنظيم، بالابتعاد عن استهداف رجال الجيش والشرطة والتركيز على مهاجمة المصالح الأمريكية، والتي تشمل السفارات والقواعد العسكرية، والمصالح الاقتصادية لواشنطن بالمنطقة.
الأمر الذي يدلل على قناعة «بن لادن» بأهمية جيوش المنطقة، رغم خلافاته مع الانظمة التي اعتبرها في رسائله عميلة لأمريكا وساهمت في تدمير الدين الإسلامى لصالح واشنطن، وهو الأمر الذي دفعه لدعوة رجاله بتأجيل فكرة الدولة الإسلامية، والتخلص من منبع الكفر العالمى في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

اليمن أيضًا كانت حاضرة في «رسائل بن لادن» حيث دعا رجاله إلى التقرب من الشعب وتقديم خدمات خيرية له، لإبعاده عن الهوس بـ«على صالح» الرئيس اليمنى السابق، والذي اعترف زعيم القاعدة بأنه نجح في تضليل الشعب اليمنى ودفعه للخروج لتأييده عقب صلاة كل جمعة، الأمر الذي يستدعى التقرب الخيرى للشعب لإبعاده عن الهوس بصالح، ولم يطالب بتنفيذ هجمات ضد المنشآت العسكرية أو رجال الشرطة.

الربيع العربى وقطر والقرضاوى
دول الربيع العربي، نالت حصتها في وثائق زعيم القاعدة، وأظهرت إحدى الرسائل مطالبته لفروع التنظيم بالاستعداد للانقضاض على الدول التي سقطت أنظمتها نتاج هذه الثورات، وفى إحدى الرسائل كشف «بن لادن»، أن هذه الثورات مهددة داعيًا إلى تحريك العلماء في المنطقة وخاصة الخليج إلى توجيه خطابات للأمة من منبر يمثل اتحاد لعلماء المنطقة يقوده شخص موثوق لدى المسلمين، لدفع الشعوب للثورة الدائمة حتى التمكين، خوفًا من ضياع الفرصة، وأوصى بضرورة أن يتحدث هذا المجلس أو الاتحاد من منبر حر، وهو الأمر الذي ينطبق على تحرك ما يسمى «الاتحاد العالمى للمسلمين»، الذي رئاسته الداعية الإخوانى «يوسف القرضاوي»، ويعد مركز الجزيرة للدراسات المرشح بقوة للمهمة، وهو الأمر الذي اتضح جليا خلال ثورات الربيع العربى حيث قاد «القرضاوي» الحراك الشعبى والتحريض الممنهج ضد أنظمة الحكم سواء في ليبيا وتونس ومصر وسوريا واليمن، وكان لقناة الجزيرة الفضائية ومركز الدارسات التابع لها دورا بارزا في هذه المهمة.

حيث كشف زعيم القاعدة في أكثر من رسالة، الصلات التي تربطه مع الدوحة، سواء تلك التي وجهت إلى نجله «حمزة» حينما أوصاه بالانتقال إلى قطر عقب مغادرته الأراضى الإيرانية، أو تلك التي كشف بها عن تجهيز عناصر في القاعدة للتحدث إلى قناة «الجزيرة» في ذكرى هجمات برج التجارة «11 سبتمبر».

بالإضافة إلى رسالة أخرى تلقاها من مجهول، طالبه خلالها بضرورة الحصول على مناهج «قطر» التي لم توضحها الرسالة هويتها، وأوصاه بمطالبة مذيع الجزيرة السورى الأصل أحمد زيدان، بنقلها من الدوحة إلى مخبأ زعيم القاعدة.

غياب القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال
وسط الكم الهائل من الوثائق التي عثر عليها في مخبأ زعيم القاعدة، عقب مقتله، لم تصدر منه كلمة واحدة تجاه الاحتلال الإسرائيلى، أو نصرة القضية الفلسطينية باستثناء رسالة واحدة من أيمن الظواهرى الزعيم الحالى للتنظيم، يعود تاريخها لعام 2003 حذر خلالها من العدو الصهيونى، وذكر فيها «بن لادن»، بأن إسرائيل هي العدو التاريخى.

تركيا حليف خفى
مثلما أغفل زعيم القاعدة، التعرض لدولة الاحتلال في رسائله، غابت تركيا بشكل واضح عن مخططات القاعدة وبالرغم من وضع التنظيم أهدافا أمريكا وصلت إلى روسيا، ودول بقلب القارة الأفريقية، لم تتطرق وسائل «بن لادن» إلى استهداف القاعدة الأمريكية «انجرليك» في تركيا، أو قاعدة «العديد» في قطر أيضا.

ولم تشمل قائمة الأهداف سفارة واشنطن لدى «أنقرة»، على العكس من الوضع في روسيا الدولة غير الإسلامية، التي كشفت إحدى الرسائل أن هناك مخططًا لتفجير أنبوب غاز أو السفارة الأمريكية في موسكو وبريطانيا، واستهداف الأمريكيين في الدنمارك، حيث أرسلت مجموعة من 3 جهاديين أوروبيين لتنفيذ الهجمات المخطط لها.

من جانبه أرجع الدكتور منصور عبد الوهاب الباحث في الصراع العربى الإسرائيلى عدم الإشارة من قريب أو من بعيد لإسرائيل أو القضية الفلسطينية في تلك الوثائق إلى أن كل الجماعات المتطرفة صناعة أمريكية ولم يكن من أهداف تكوينها العمل ضد إسرائيل أو خدمة القضية الفلسطينية سواء كان تنظيم داعش، القاعدة، الإخوان، بوكوحرام وغيرها.

«عبد الوهاب» أكمل بقوله: الجماعات المتطرفة لم تضع في حسبانها إقامة دولة فلسطينية لذا فإنه ليس من الغريب أن تخلو تلك الوثائق من شيء يخص إسرائيل أو فلسطين، حتى الجماعات المتطرفة في سيناء والتي تحمل راية الإسلام زورًا وبهتانًا لم توجه رصاصة واحدة ضد إسرائيلى ولكنها توجه سلاحها ضد صدور المصريين، وهذا هو القاسم المشترك بين تلك التنظيمات التي تدعى انتمائها للإسلام وبين أمريكا وإسرائيل.

وتابع: لن نجد على مدى التاريخ أي عملية نفذت من جانب هذه الجماعات ضد إسرائيل، وإذا طرحنا سؤالا ماذا فعلت إيران، تركيا، قطر ورابعهم تلك الجماعات الإرهابية ضد إسرائيل أو لصالح فلسطين؟ ستكون الإجابة لا شيء لأن جميعهم موالون للغرب وينفذون مخططاته في المنطقة.

وتعقيبا على القرار الأمريكى بالإفراج عن «وثائق أبو عبد الله» في هذا التوقيت قال الدكتور طارق فهمي، رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بمركز الشرق الأوسط: تلك الوثائق ما هي إلا عبث لا علاقة لها بالخلايا التي تم استهدافها، المخابرات الأمريكية تريد أن تشوش المشهد على الأحداث التي تجرى بينها وبين إيران فيما يخص الملف النووى الإيرانى.

«فهمى» تابع قائلا: الإدارة الأمريكية تريد أن تؤكد أنها قامت بأعمال جيدة في ضوء الفشل فشلها أمام تنيظم الدولة، داعش، مع الأخذ في الاعتبار أن جميع ما تم نشره من مستندات ليس لها أي قيمة والهدف منها التشويش على العمليات القذرة الأمريكية.

بدوره، رأى الدكتور جمال الشاذلى المتخصص في الشأن الإسرائيلى أن هذا مؤشر واضح جدًا بأن كل من يتشدق بالإسلام لهدم الدول العربية وسيلة أمريكية لا يمكنها المس بإسرائيل وأمنها، والدليل أن مقولة «بن لادن»: «مصر أهم دولة عربية إذا سقطت انهارت باقى الدول» هي نفسها المقولة التي يرددها الغرب وهذا معناه أن تلك التنظيمات الإرهابية التي لا يهمها القضية الفلسطينية ولا يعنيها محاربة إسرائيل أداة لتنفيذ مخططات الغرب. الشاذلى أوضح أيضًا أن «بن لادن» لو كان عنده مخطط أو رغبة في شن هجمات ضد تل أبيب لنفذها وفعل الكثير خلال الفترة الطويلة التي شن خلالها هجمات كثيرة في مناطق أخرى غير إسرائيل ومن بينها أفغانستان التي تسبب في دمارها بعد طرد الروس منها، مؤكدًا أن كل التنظيمات الإرهابية لديها نفس المخططات الأمريكية، وأشار إلى أن إسرائيل كانت تنظر إلى بن لادن كونه النموذج المتطرف الذي يسيء للإسلام، ولكن الأهم أنها كانت تعلم أنه لا يفكر في الاقتراب من تل أبيب.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية